بتهديد البنوك التي يتعاملون معها.. إسرائيل توسع ملاحقتها للأسرى

فوجئ الأسير المحرر بالقرار، لكنه بات مقتنعا بأن الأمر يفوق إمكانات هذا الموظف، خاصة بعد تعرض فروع البنك ذاته لدعاوى قضائية من جهات مناصرة للاحتلال الإسرائيلي في أنحاء العالم.

Share your love

من اعتصام سابق أمام مقر الصليب الأحمر تضامنا مع الأسرى (الجزيرة نت)

عوض الرجوب-رام الله

على عجل، طُلب من الأسير المحرر رامي سليمان التوجه إلى أقرب فرع للبنك الذي يتلقى عبره مخصصاته المالية من السلطة الفلسطينية، ولدى وصوله فرع البنك بمدينة سلفيت (شمال الضفة الغريبة)، وجد نفسه زبونا غير مرغوب فيه.

يقول رامي -الذي أمضى 14 عاما في سجون الاحتلال- إنه خضع لمحادثة سريعة حول كيفية استمراره في تلقي مخصصاته على حسابه في البنك، فكان رده أنه يتلقى الراتب من دون مشاكل منذ سنوات، وهنا أبلغه مدير الفرع بضرورة إغلاق حسابه، “لأنه لا مجال لوجود حساب لأسير في البنك”.

فوجئ الأسير المحرر بالقرار، لكنه بات مقتنعا بأن الأمر يفوق إمكانات هذا الموظف، خاصة بعد تعرض فروع البنك نفسه لدعاوى قضائية من جهات مناصرة للاحتلال الإسرائيلي في أنحاء العالم.

انعدام الخيارات
وخلال السنوات الأخيرة، اضطر آلاف من الأسرى وذويهم إلى نقل حساباتهم من بنوك عربية عاملة في الأراضي المحتلة إلى بنوك محلية أقل عرضة للملاحقة الخارجية.

واليوم لا يملك رامي أي خيار لنقل حسابه إلى بنك آخر، ففي التاسع من الشهر القادم يدخل قرار عسكري إسرائيلي جديد حيز التنفيذ قد لا تستمر في ظله البنوك المحلية في صرف مخصصات الأسرى.

وأصدر قائد الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية قرارا يعتبر الرواتب التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى في المعتقلات الإسرائيلية “مدفوعات محظورة”، وتم تحذير البنوك الفلسطينية من تنفيذ عمليات ممنوعة تتعلق بأموال على علاقة “بالإرهاب”، وإمكانية تعريضها لدعاوى قضائية، حسب وسائل إعلام إسرائيلية.

وجاء في رسالة موجهة من مركز “نظرة على الإعلام الفلسطيني” الإسرائيلي إلى مسؤولي البنوك الفلسطينية نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية أنه في 9 فبراير/شباط الماضي وقع قائد الجيش على تعديلات لأمر عسكري سابق، تُعتبر بموجبها الرواتب الشهرية التي تدفعها السلطة الفلسطينية للأسرى “عملا محظورا”.

وتحذر الرسالة مسؤولي البنوك من أنه في حال الاستمرار في الاحتفاظ بحسابات الأسرى سيكونون هم والمودع لديهم “شركاء في الجريمة”؛ وبالتالي تعريض أنفسهم إلى عقوبة تصل إلى سبع سنوات وغرامة باهظة.

وتطلب الرسالة في حال وجود حسابات في البنك باسم الأسرى أو مفوضين عنهم “تجميد الحسابات وتحويل الأموال إلى قائد الجيش”.

مصادرة الذهب والسيارات
ويوضح الباحث في قضايا الأسرى فؤاد الخفش أن القرار الإسرائيلي الجديد جزء من سياسة الاحتلال بملاحقة حركات المقاومة ومصادرها المالية، بما في ذلك البنوك والأشخاص والمؤسسات، مشيرا إلى حملات الملاحقة والاعتقال لمتضامنين مع الشعب الفلسطيني في السعودية وغيرها.

وأضاف أن سلطات الاحتلال صعّدت في السنوات الأخيرة سياسة مصادرة الأموال من الأسرى وعائلاتهم، سواء كانت مبالغ نقدية أو مقتنيات كالسيارات والذهب، “في محاولة لكسر إرادة الأسرى وعائلاتهم”.

وأشار الخفش إلى المعارك الطويلة التي خاضها البنك العربي والثمن الذي دفعه على خلفية اتهامه بتحويل أموال من الخارج لعائلات فلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، دفعاه إلى الطلب من الأسرى إلغاء حساباتهم.

ويتحدث الباحث -وهو مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى المغلق من قبل الاحتلال- عن خيارات صعبة تنتظر السلطة الفلسطينية، خاصة في مسألة إيجاد البدائل لصرف مخصصات الأسرى، معتبرا أن الصرف النقدي المباشر للأسرى –كما كان سابقا- له مساوئه ومن الصعوبة العودة إليه.

 حسن عبد ربه:  قرار الاحتلال العسكري امتداد للقرصنة الإسرائيلية على الأموال الفلسطينية (الجزيرة)

سلطة النقد
أما الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى حسن عبد ربه، فقال إن قرار قائد الاحتلال العسكري والمتوقع تنفيذه الشهر القادم “امتداد لإجراءات وقرصنة على الأموال الفلسطينية تم اتخاذها سابقا، ومن شأنه مفاقمة معاناة الأسرى وذويهم”.

وأشار عبد ربه في حديثه للجزيرة نت إلى مصادرة أموال أكثر من خمسين أسيرا من الداخل المحتل والقدس مطلع العام الجاري في تجاوز واضح للمعاهدات والاتفاقات المعمول بها، وتجاوز لقرار الأمم المتحدة عام 1974، الذي اعتبر منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وشدد عبد ربه على أن البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية تخضع لأنظمة وقوانين فلسطينية، وصرف الرواتب للأسرى يتم وفق تشريعات صادرة عن المجلس الوطني والمجلس التشريعي والقيادة الفلسطينية.

وينقل الناطق الرسمي تعهد هيئة الأسرى بالاستمرار في توفير كل ما يلزم للأسرى وذويهم ضمن الصلاحيات الممنوحة لها، استنادا إلى الأنظمة والقوانين الفلسطينية، وكأن القرار العسكري غير موجود.

وبما أن البنوك تتعامل وفق الأنظمة والقوانين الفلسطينية، وحاصلة على تراخيصها من السلطة الفلسطينية، “فإن عليها أن تلتزم بكل ما يصدر عن سلطة النقد والمستوى السياسي الفلسطيني”، حسب عبد ر به.

ضغوط واستفزازات
وواجهت السلطة الفلسطينية ضغوطا كبيرة في ما يتعلق بملف الأسرى، كان من بينها مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) في 17 فبراير/شباط 2019 على قرار خصم قيمة رواتب الشهداء والأسرى الفلسطينيين من عائدات الضرائب التي تجبيها تل أبيب لمصلحة السلطة، وبقيمة 42 مليون شيكل (12 مليون دولار) شهريا على مدار عام 2019.

ويقبع في سجون الاحتلال أكثر من خمسة آلاف أسير وأسيرة، يتلقون مخصصات من السلطة الفلسطينية، بينهم 26 أسيرا معتقلون قبل توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، و541 أسيرا حكم عليهم بالسجن المؤبد، وآلاف آخرون مفرج عنهم ويتلقون مخصصات تتفاوت حسب سنوات السجن التي قضوها.

وكان نادي الأسير الفلسطيني وصف قرار سلطات الاحتلال بأنه “إرهاب جديد ضد الشعب الفلسطيني (…) وتحول خطير يفرض على الشعب الفلسطيني بكافة أطره وتشكيلاته الرسمية والفصائلية والأهلية الاستعداد لمواجهة جديدة مع الاحتلال”.

وأشار إلى محاولات الاحتلال على مدار السنوات الماضية ربط النضال الفلسطيني وخلط الأوراق مع ما تسمى الحرب على الإرهاب، ليشمل هذا التوجه الشهداء والأسرى الفلسطينيين الذين ناضلوا من أجل حقهم في الحرية والاستقلال، محذرا من تداعيات القرار الإسرائيلي على عشرات الآلاف من عائلات الأسرى والمحررين منهم.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!