بحث عن المعلم

لما كان التدريس من أعظم المِهَنِ، وأجلّها؛ كان من واجب الموسوعة، أن تُقَدِّم بحث عن المعلم فالمعلم هو حجرة بناء المجتمعات، إن وُضِعت تلك الحجرة في مكانها

mosoah

بحث عن المعلم

لما كان التدريس من أعظم المِهَنِ، وأجلّها؛ كان من واجب الموسوعة، أن تُقَدِّم بحث عن المعلم فالمعلم هو حجرة بناء المجتمعات، إن وُضِعت تلك الحجرة في مكانها الأصلي؛ قام البناء على أتم وجه، وإذا اختلّ وضع تلك الحجرة عن مكانها الصحيح؛ اختل توازن تلك البناء؛ وصرنا في طريق هدمه، المعلمُ ركن أساسي من أركان تأسيس دولة متقدِّمه؛ لأنه يُرَبِّي أجيالًا يعقُبها أجيالٌ، فبالعلم ترقى الأمم وتنهض.

بحث عن المعلم

فضل المعلم

لقد حث الله -تعالى- على فضيلة التَّعَلُّم، ومن مظاهر ذلك: إن أول آية نزلت في القرآن الكريم كانت في الحثِّ على العلم، قال -تعالى- مخاطبا نبيه” اقرأ باسم ربك الذي خلق”، ومن المعلوم أن هذه الآية هي أول آية نزلت في القرآن المكي، ولو فتَّشت عن أول آية نزلت في القرآن المدني، ستجدها، قال-تعالى-: ” يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم…” ، فقد قرن الله -تعالى- أول آية في القرآن المكي(الذي بها أمر بالقراءة) بأول آية في القرآن المدني(الذي بها أمر بالعبادة)، ومن المعلوم أن الشيء المقرون بشيء آخر؛ يأخذ حكمه، ولما كانت عبادة الله واجبة؛ كانت القراءة واجبة، وليست هوايةً كما يدَّعون.

فهذه إشارة واضح من الله -تعالى- لنبيه، ولأمته من بعده إلى قيمة العلم والتعلم،وإذا كان المعلم هو المُكلف بتلك الرسالة؛ فهل نستطيع توقع فضله! بالطبع لا.

وهنا لفتةٌ جميلةٌ نفهمها من هاتين الآيتين، ألا وهي:إن الله -تعالى- فضَّل الرسل جميعًا على سائر الخلق؛ لإزالة سِتار الكفر عنهم، وإظهار  نور الإسلام لهم؛ فالكفر جهالة، والإسلام نور، وهذه أيضا وظيفة المعلم؛فوظيفة المعلم هو إزالة سِتار الجهل عن الناس، وإظهار نور العلم لهم إذًا كما فُضِّلت الرّسل على سائر الناس؛ فُضِّل المعلم كذلك على سائر الناس؛ لأن وظيفته شابهت وظيفة الرسل-عليهم السلام

واجبنا نحو المعلم

إذا كان والدك له حقوق وواجبات عليك، فمعلمك كذلك له من الفضل عليك ما لوالدك، بل أكثر، فإذا كانت حقوق والدك نابعة لأجل صلة الرحم، فبينك وبين معلمك رحمًا أيضا، هي رحم العلم ، فإذا كنت تقبِّلُ يد والدك؛ لأنها تُعطيك؛فالأوْلى أن تُقبِّلَ رأس معلمك، فاليد التي تُعطيك تعطيك ثروة ستزول سواء كانت تلك الثروة(أموالا،أو عقارات،أو خلافه).

أما الثروة التي سترثها عن معلمك هي ثروة غير زائلة؛ بل باقية لك، حتى بعد موتك؛ فالعلم الذي تتعلمه إذا تعلمته بإخلاص وصدق؛سيسخر الله -تعالى- لك من الناس من يُبَلِّغ عنك هذا العلم الذي تعلمته لله، وعلمته لله،وإذا كانت الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم؛ رضًا بما يفعَل، فما بالك بالذي يبذل قُصارى جهدي في تعليم العلم، وفي توصيل المعلومات سهلة مبسطة؛ حتى تتقبلها عقول كل الطلاب، فالمعلم يُربي عقلك لا معدتك!

فلا شك في وجوب تقديم كافَّة أساليب الاحترام،والأدب للمعلم في أي مكان تجده فيه؛ يجب عليك إظهار توقيرك له في أي محفل كان.

كذلك يجب على الطلاب أن يُنصتوا جيِّدًا إلى المعلم؛ لأنه يعطيهم خلاصة تجاربه،وأفكاره ليست فقط العلمية، بل الحياتية أيضًا، فنظرتك للمعلم وحركاته، وانطباعاته، وتصرفاته هي في حد ذاتها علمٌ، ولكنك عنه غافل، فكل كلمة تخرج من فَيه معلمك؛ بالطبع لها معنى، وتحمل تأثيرا كبيرا لو تفكَّرتها وتأملتها.

فكل إناء كلما أفرغت فيه عن ما يزيد عن حدَّه؛ ضاق هذا الإناء بتلك الزيادة؛ إلا العقل كلما أفرغت فيه من المعلومات، والرؤى، والأفكار  أكثر، كلما أحسست أن مداركك، وأفقك يتسعان بشكل لا يُصدَّق.

فاحرص أن لا يضيع منك كلمة، ودوما لابد وأن تنظر للأشياء نظرة الناقد الباحث عن الحقيقة لا نظرة الناقض الذي غرضه الهدم دون البناء، ومرر هذه الأشياء على عقلك قبل أن تقبلها، أو ترفضها، فقبولك لابد وأن تحكمه أسس، ورفضك لابد وأن تحمه أسس أيضا، متى ما تحققت لك هذه الملكة؛ أصبحت إنسانا بحق، ليس مجرد اسم فقط.

 ما واجب المجتمع نحو المعلم؟

المجتمعات المتقدمة تصرف أكثر ميزانيتها على البحث العلمي؛ لاقتناعهم بأن الدولة المنتهكة فيها حقوق البحث العلمي، لن تتقدم أبدا، وإذا كان الأمر كذلك في ميدان البحث العلمي؛ فالأمر أِشد في مجال التعليم؛ لأن التعليم القائم به المعلم هو بذرة الأساس التي توضع فيمن سيقومون بعد ذلك بالبحث العلمي، فإذا فسدت تلك البذرة؛ فسد كل شيء بعدها، ولن يُرجى لها شفاء.

وهذه البذرة القائم على بذرها هو المعلم، وإذا ضعفت تلك اليد التي تضع البذرة لن تجد تجد بذورا نافعا، فمن كان من الواجب أن توفر الدول للمعلم كل سبل الراحة، والمساعدة؛ إذا أرادوا أن يكون لهم وزن بين العالم، وأثر طيب على مر الأزمنة.

Source: mosoah.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *