برنامج عمل حكومة السيد أخنوش بين مطرقة شح الموارد المالية العمومية و سندان سياسة “طحن الماء”

د. طارق ليساوي

أشرت في مقال الأمس “هل يحمل رئيس الحكومة المعين السيد أخنوش، في جعبته وصفة سحرية فعالة وبرغماتية  لإخراج المغرب من أزماته السوسيوإقتصادية … إلى أن تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب مرتبط بداية بالإصلاح والتغيير السياسي فقواعد اللعبة السياسية في المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم لا تخدم التنمية ، فموارد البلاد تنفق في غير محلها وصياغة السياسات العمومية في مجمل القطاعات تتحكم فيها المصالح الفئوية وليس المصلحة العامة لمجموع المغاربة…فالأولوية ليست تنفيذ إصلاحات جزئية تشمل الاقتصاد والتوازنات الماكرو-الميكروإقتصادية، فالمغرب في حاجة إلى إصلاحات جذرية كفيلة بخلق دورة تنموية حميدة، فالإصلاح السياسي و الدستوري و فق المنهجية الديمقراطية المتعارف عليها كونيا هو المدخل لتحقيق التنمية..

و بإعتماد الأسلوب العلمي القائم على تحليل المؤشرات الاقتصادية أستطيع الجزم بأن كثير من الوعود الانتخابية التي أعطاها السيد أخنوش لناخبيه سوف تتبخر قريبا.. ففي تعليق على المقال أعلاه، بعدما تم نشره على صفحتي الشخصية و صفحة برنامج إقتصاد×سياسة، كتبت أحد السيدات المحترمات هذا التعليق :” المهم اسي الدكتور غادي يزيد للأساتذة 2500 درهم لي واعدهم بها؟” ، و الواقع أني تعبت من متابعة الوضع السريالي بالمغرب ، و قررت العمل بالمثل الشعبي ،” لي شفتيه راكب على القصبة قوليه مبارك العود” و العودة للتركيز    على الصين و اللعبة الدولية لأن هذا مجال تخصصي و مجال عملي، لأن محاضرة او مقابلة تلفزيونية مدتها ساعة تتعدى الزيادة التي وعد بها السيد أخنوش الأساتذة لمدة شهرين او أكثر  … لكن مع ذلك، و إحتراما  للقراء و تفاعلهم و محبتهم  اغلى بنظري من كل أجر ، و لأن زكاة العلم نشره، سأحاول الرد بإيجاز رغم أني كتبت أكثر من مقال بجريدة رأي اليوم اللندنية، أصرح فيها بالأرقام  أن هذه الوعود  و البرامح   مجرد قشور..و للعلم فقد قمت في السابق بالرد على السيد أخنوش بخصوص التوسع في المديونية..قبل نحو سنة من هذا التاريخ…و أعتقد أن برنامج حكومته سيعتمد نفس الخطوط العريضة التي صاغها في مقاله…

لماذا هذه الوعود صعبة التنفيذ؟

رفع أجور الأساتذة ب 2500 درهم يحتاج سيدتي/سيدي إلى إعتمادات مالية عمومية إضافية، وسأعطى بعض المؤشرات التي تشرح الوضع العام للمالية العمومية ..فقد ارتفع الدين العام في البلاد إلى مستويات قياسية في العام 2021.و بحسب  المندوبية السامية للتخطيط المغربية وصل الدين العام   إلى حوالي 95.6% من الناتج المحلي الإجمالي، في مقابل 94.6% العام الماضي..أما الدين الخارجي للخزانة العامة فقد ارتفع  إلى حوالي 24% من الدين الإجمالي لها، و18.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل  22.4% و14.2% من الناتج المحلي الإجمالي كمعدلات سنوية للفترة 2012-2019.

و هذا الارتفاع الصاروخي  للدين العمومي الإجمالي نتيجة طبيعية للتوسع في الإقتراض من الداخل و الخارج  و التي تمت السنة الماضية، والتي تميزت بتداعيات جائحة كورونا على التوازنات المالية للدولة …

هذا في الوقت الذي يعيش فيه الإقتصاد المغربي أزمة خانقة نتيجة  نقص قيمة الصادرات السلعية والخدمية في العام الماضي بالمقارنة للعام الأسبق، وهو ما قاد بالتبعية إلى  زيادة الاقتراض الخارجي خاصة من صندوق النقد الدولي، حتى بلغت قيمة الديون الخارجية حسب بيانات البنك الدولي 61.7 مليار دولار بنهاية عام 2020، مقابل 54.7 مليار دولار بنهاية 2019.ستمر الدين الخارجي في الارتفاع ليصل إلى 63.7 مليار دولار بنهاية الربع الأول من العام الحالي، بينما بلغت قيمة احتياطيات النقد الأجنبي حوالي 36 مليار دولار بنهاية عام 2020. وتزيد بيانات الدين الخارجي حسب البنك الدولي عن بيانات المصرف المركزي المغربي وبيانات صندوق النقد العربي الخاصة بالدين الخارجي.

 وتعاني الموازنة المغربية من العجز المستمر منذ عام 2009، لكن تداعيات فيروس كورونا، وبرامج المساندة الحكومية للقطاعات المتضررة، أدت لزيادة نسبة العجز ف في الموازنة في العام الماضي إلى 7.6 في المائة، وهي نسبة غير مسبوقة، مما زاد من الدين العام المحلي. وتوقع صندوق النقد الدولي استمرار العجز في الموازنة المغربية خلال السنوات الخمس المقبلة، مع توقعه انخفاضا تدريجيا لنسبة العجز حتى يصل إلى 3.4 في المائة عام 2026…

بخلاصة فاقد الشيء لا يعطيه ما رأيناه يوم 8 شتنبر لم يكن إلا رغبة في محاباة إستثمارات الخليج و بعض الجهات المانحة عبر الانخراط في أجندة معلومة لداعي لإعادة ذكرها ، فقد شرحت ذلك في أكثر من مقال، “المهم الزيادة من راس الحمق”…

برنامج عمل  حكومة أخنوش   سيكون  إمتداد أم قطيعة مع شعار “طحن مو” ؟

بعد نحو أيام من إنتخابات 2016 وقع حادث طحن محسن فكري  و بعد حادث الطحن فشل بنكيران في تشكيل حكومة جديدة  لمدة 6 أشهر و في كلا الحدثين يتحمل فيهما رئيس الحكومة دور بالغ الأهمية ، في حدث طحن محسن فكري يتحمل المسؤولية السياسية لأنه المشرف على قطاع الصيد البحري ، و في البلوكاج الحكومي لأنه كان يقود المفاوضات مع السيد بنكيران أنذاك..

لعل هذه المعطيات التاريخية و التي لا غبار عليها هي ما تدفعني إلى عدم التفاؤل خاصة، و أن الشكل الذي أديرت به انتخابات 2021 تقتبس  بعض أدوات الطحن، طحن الإرادة الشعبية باستغلال المال السياسي في التأثير ، طحن الرأي المعارض و شيطنته …

لذلك، أرى من السابق لأوانه  الانجرار وراء الأحلام الوردية ، وأن  المرحلة القادمة ستكون مرحلة إنتعاش إقتصادي ووفرة في السيولة ، و انفتاح سياسي و حقوقي ، و تحليلي  نابع من عملي  كرجل إقتصاد فدوري أن أحلل المعطيات و على ضوءها أتخد القرار، و لعل هوايتي المفضلة هو الاستثمار عالي المخاطرة و لكن مرتفع الربحية، عملا بالقاعدة الفقهية ” الغنم بالغرم”، و لعل هذا ما جعلني أستثمر في “الفكرة الجيدة” و إن كانت المخاطر مرتفعة..و عدم التفاؤل هو نتاج  لقراءتي للمشهد العام بالمغرب منذ 2016 و التراجع الكبير عن الالتزامات الدستورية و السياسية التي تعهد بها النظام بعد 2011، و سعيه الجاد نحو العودة إلى الوراء و تبني سياسات خاطئة من قبيل تكميم الأفواه و تغليب المقاربة الأمنية، على المقاربة التنموية في إدارة الأزمات و الاحتجاجات الشعبية بدءا من حراك الحسيمة و طحن “محسن فكري” و إنتهاءا بحراك الفنيدق و تطوان  و شعار المرحلة هو “طحن مو” …

قد يكون تحليلي خاطئ في حالة واحدة إذا تم تصفير السجون من معتقلي الرأي و نشطاء حراك الريف .. و إطلاق حرية النقذ و المساءلة في هذه الحالة أستطيع القول أننا ربما في الإتجاه الصحيح… و الله غالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون..

إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية والسياسات العامة..

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *