«برنامج مسار» في المنظومة التعليمية بين الغموض والتشويش ومحاربة التغيير

«برنامج مسار» في المنظومة التعليمية بين الغموض والتشويش ومحاربة التغيير

«برنامج مسار» في المنظومة التعليمية بين الغموض والتشويش ومحاربة التغيير

«برنامج مسار» في المنظومة التعليمية بين الغموض والتشويش ومحاربة التغيير

ذ. محمد احساين (مؤطر تربوي)

هوية بريس – الجمعة 31 يناير 2014م

أخذت وزارة التربية الوطنية في تنفيذ الجزء المتعلق بالتقويم والمراقبة المستمرة في “برنامج مسار” الخاص بالتدبير المعلومياتي للتدريس والحياة المدرسية؛ هذا البرنامج أثار عدة ردود أفعال لدى المديرين والأساتذة والتلاميذ والملاحظين.. واختلفت ردود الأفعال بين الانتقادات والإضرابات والاحتجاجات والدعوات إلى مقاطعته..

فبينما يرى فيه البعض تنزيلا أحاديا من طرف الوزارة وإرهاق كاهل رجال الإدارة والأساتذة بأعمال إضافية في ظل تواضع الإمكانيات ومحدودية التكوينات، يرى فيه التلاميذ مسا بالحقوق المكتسبة في الفروض والنقطة خاصة نقطة الأنشطة والمواظبة والسلوك في غياب توضيحات كافية لكل الفاعلين مما يجعلنا نقدم بعض التوضيحات حول البرنامج ومناقشة حيثياته وأهدافه وإلى أي حد يمكن أن يسهم في الإصلاح أو تأجيج الميدان في وجهه؟

 فبرنامج «مسار» خاص بتدبير التمدرس، يأتي في إطار مجهودات الوزارة لأجل تتبع الحياة المدرسية للمتعلمين، تعزيزا لدور الحكامة في النظام التربوي، باعتباره منظومة رقمية توفر مجموعة من وظائف تدبير التمدرس، حيث توفر تدبير ملفات التلاميذ، ونقاط المراقبة المستمرة والامتحانات، كما أنها تمكن أيضا في محطة مستقبيلة من تدبير كل ما يتعلق باستعمالات الزمن وتدبير الأقسام والبنيات التحتية.

وقد تم إنجازه من طرف وزارة التربية الوطنية، وساهم في مرحلته الأولى، في تدبير العمليات المرتبطة بالدخول المدرسي منذ شهر يونيه 2013، وفي مسك المعطيات الخاصة بالتلميذات والتلاميذ، وتدبير عمليات التسجيل، وإعادة التسجيل، والانتقال الفردي أو الجماعي للتلاميذ وعمليات التوجيه، وكذا في تدبير البنية التربوية وتكوين الأقسام.

كما يواكب في مرحلتها الثانية تدبير جميع العمليات المتعلقة بتقييم التلاميذ منذ نونبر 2013 حيث تم إدماجه في المنظومة التربوية من خلال برمجة مجموعة من العمليات منها :

– تعميم البرنام الخاص بتدبير الزمن المدرسي وتدبير التمدرس، وفتح مواقع إلكترونية للمؤسسات التعليمية لخدمة التلاميذ وأوليائهم وكل الفاعلين التربويين، ويتوخى تعزيز الحكامة في قطاع التربية والتكوين، وتحسين منظومة الإعلام من خلال تطوير بنيتها التحتية وأنظمتها المعلوماتية الخاصة بالتدبير، وتطوير المنظومة المعلوماتية للمؤسسات التعليمية، من خلال تحقيق الأهداف الآتية :

– إرساء النظام المعلوماتي للتدبير المالي والمحاسباتي،

– إرساء نظام معلوماتي لاتخاذ القرار،

– تعميم النظام المعلوماتي لتدبير الموارد البشرية،

– تطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية من شبكة معلوماتية وتجهيزات.

– اعتماد التقنيات الحديثة انطلاقا من المؤسسة التعليمية مرورا بالنيابة الإقليمية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين إلى الإدارة المركزية.

– إرساء طرق عمل جديدة للتدبير والتواصل بالمؤسسات التعليمية

 ولعل ما يميز مشروع مسار أو البرنام الجديد، هو استيعابه لجل البوابات المعلوماتية بشكل تدريجي، والتي تشتغل عليها المنظومة التربوية، ويعتبر منصة معلوماتية تتضمن معلومات وخدمات تمكن وتساعد المدير على التدبير اليومي للمؤسسة التعليمية بشكل سهل وسلس، وسيسمح لآباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالاطلاع على الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة، ومتابعة دراسة أبنائهم عن قرب، وباستطاعتهم تقديم ملاحظاتهم… مما سيساعد على إدماج الأسر في تدبير الشأن التربوي عن القرب. حيث ستوفر خدمات إلكترونية مهمة، كما تعطي فرصة مهمة لتكافؤ الفرص وشفافية أكثر في مجال التدبير التربوي للنقاط، كما سيعطي إمكانية التسجيل وإعادة التسجيل للتلاميذ والانتقال الفردي والعمومي عن طريق هذا البرنامج الإلكتروني، وكذلك تساهم في عملية توجيه التلاميذ.

 وهكذا يتضح أن استعمال هذه المنظومة يندرج في إطار إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، وتطوير آليات وأساليب عمل الإدارة التربوية، وتعزيز دور الحكامة في النظام التربوي، وضمان مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص بين جميع التلميذات والتلاميذ، من خلال التتبع الفردي لكل تلميذة وتلميذ، سواء من طرف الأساتذة أو آبائهم وأمهاتهم. وستمكن المنظومة الآباء والأمهات من خلال ولوج البوابات الإلكترونية للمؤسسات التعليمية، من معرفة مواعد فروض المراقبة المستمرة واستعمالات الزمن الخاصة بأبنائهم، وكذا الحصول على النتائج الدراسية لبناتهم ولأبنائهم وتتبع تحصيلهم الدراسي في أفق تحسين آدائهم… إذ بموجب هذا النظام سيصبح بإمكان الآباء والأمهات الولوج إلى هذه البوابة الإلكترونية وإشراكهم في تحمل مسؤولية تعلم وتعليم أبنائهم من أجل تحسين جودة التعليم، فـ”برنامج مسار” كما أعلن عنه هو برنامج إلكتروني وعمل تقني واجتهاد لرقمنة الأعمال الإدارية ونقلها إلى موقع إلكتروني شامل لتدبير التقويم والامتحانات خدمة لرجال الإدارة والأساتذة والتلاميذ وأولياء أمورهم وكافة المتدخلين…

 ورغم كل هذه التوضيحات والأهداف ومميزات “برنامج مسار” فإنه أثار عدة ملاحظات، وأذكى النقاش في الساحة التعليمية خاصة في الجزء المتعلق بالتقويم ومسك الفروض ونقط التلاميذ، وابتدأ هذا النقاش انطلاقا من فعالية ونجاعة التكوينات في المجال، وتأهيل الإدارة التربوية وتزويدها بالموارد البشرية والمادية… وبلغ النقاش أشده إثر مطالبة الإدارة التربوية من الأساتذة إدخال عدد الفروض ونقطها في البرنام الخاص، فبدأت الملاحظات حول عدد الفروض وعدد النقط المفروض تسليمها، خاصة مع إغفال النسخة الأولى منه لاحتساب نقطة الأنشطة المدمجة والتي تلعب دورا أساسيا في علاقة التلميذ بالمادة الدراسية وبالأستاذ، طبعا استقبل التلاميذ هذا الإغفال وما صاحبه من تهويل وتأويل من طرف البعض في غياب نوع من التواصل معهم ومع آبائهم، والتوعية بأهمية المشروع وفوائده التربوية؛ مما أدى إلى اتخاذ موقف من طرف بعض الفروع النقابية وامتناع بعض الأساتذة من تصحيح الامتحان المحلي وتسليم الفروض …

وبدأت حملة الاحتجاجات بين أوساط التلاميذ داخل المؤسسات وفي شوارع كثير من المدن المغربية، معبرين عن تخوفاتهم من هذا البرنامج، وقد عبر عدد من التلاميذ عن رفضهم لاعتماد هذا البرنامج وكذا عن الطريقة التي تم بها تنزيله، واستيائهم من نظام “برنامج مسار” الذي سيحرم -في نظرهم- عددا كبيرا من التلاميذ من نقط إضافية، بحجة أنه ليس من مصلحة التلاميذ، وأنه يهدد مسارهم الدراسي -حسب ما يرفعونه من شعارات- وسينهي عندهم ريع ظاهرة تسول النقط، كما اعتبروه مجحفا في حقهم، وسيحول دون حصولهم على نقاط إضافية أو مجاني؛ لأن العلمية التي يطالب بها الأستاذ تحول دون تعديل المعدلات لصالح التلاميذ، ويتكفل البرنامج بحساب المعدل، وهذا في فهمهم مسا بحقوقهم المهددة من قبل منظومة “مسار”، النظام الرقمي الجديد الذي اعتمدته الوزارة في مجال التقويم، وإجهازه على نقطة المشاركة، كما أنه بحسب ما توفر لديهم من معلومات ستصبح نقط الفروض المحروسة هي معيار التنقيط، مما يعني في نظرهم إقصاء نقطة المشاركة داخل الفصل…

هذه التخوفات أدت إلى إقدام هاكرز مغاربة، على قرصنة موقع “مسار” التربوي التابع لوزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، حيث عمدوا إلى تعطيل قاعدة بيانات الموقع وتغيير الصفحة الرئيسية للموقع كرد فعل على تدخل وزارة التربية الوطنية من خلال برنامج “مسار” حسب قولهم، في سيرورة التلاميذ الدراسية.

 إذن بهاجس هذه التخوفات المستقاة من مصادر غير موثوقة كانت سببا في إشعال الاحتجاجات والتي كانت مؤطرة ببعض الشعارات المرفوعة والمعبرة عن موقفهم من “برنامج مسار” وفهمهم لأهدافه وإبراز تخوفاتهم منها : “هذا عار هذا عار الكسول في خطر”؛ “الوزارة الشفارة”، و”كيف ندير حتى نقرا، والنقطة أقل من عشرة”، “ما تقيسش نقطتي”…

 ومن خلال هذه الشعارات يتضح أنها تعبر عن شريحة من التلاميذ الضعاف والمنتظرين للنقط المجانية، وأن هناك رسائل مغلوطة مررت للتلاميذ الذين لم يفهموا أهداف البرنامج وعملياته وانعكاساته التربوية، وهو غموض ترتب عنه سوء الفهم وكثرة التأويلات والإشاعات، وكانت أغلب الردود من طرف التلاميذ أنهم يحتجون على مسار لأنه سيضر بمصالحهم في النقط، دون علم لهم بمعنى هذا البرنام، وعلى أن البرنام أصبح يحد من سخاء الأساتذة في منح النقط الإضافية؛ مما قد يؤثر على نسبة النجاح في الباكالوريا ويضع حدا للنقط التي يمنحها الأساتذة في النقطة الإضافية التي تخص الأنشطة الموازية للتغطية على ضعف النقط المحصل عليها في المراقبة المستمرة والامتحانات الجهوية والمحلية والوطنية؛

مما حتم على الوزارة الوصية تدارك الأمر، وجعلها تنفي ما تداولته عدد من الأوساط من التأثيرات المحتملة التي يمكن أن يتسبب فيها برنامج “مسار” الخاص بتدبير نقط المراقبة المستمرة، واعتبرت أن البرنامج يندرج في إطار إدماج تكنولوجيات المعلومات والاتصالات في المنظومة التربوية، وسيمكن بحسبها الآباء من ولوج البوابات الالكترونية للمؤسسات التعليمية.

مؤكدة في بلاغها أن استعمال هذه المنظومة، لن يكون له أي تأثير على النتائج المحصل عليها عكس ما يجري تداوله والترويج له من شائعات في صفوف المتعلمين والمتعلمات، الغرض منها التشويش على الامتحانات التي جرت مؤخرا في ظروف عادية والحسابات الفردية الضيقة والمزايدات السياسوية التي تستهدف التلاعب بمصير التلميذات والتلاميذ.

بدليل أنها تسعى إلى تصحيح الاختلالات الملاحظة أثناء التطبيق وهذا ما تم تداركه في جميع المواد والتخصصات وعلى كل المستويات حسب اتصالنا بالمديرية المسؤولة عن المنظومة الإعلامية مؤكدة أن المديرية منفتحة على كل الملاحظات من أجل معالجة الإشكالات والاختلالات الناتجة عن تطبيق “برنامج مسار”.

مشيرة إلى أن المنظومة تشتغل على المذكرات الجاري بها العمل والتي جرى بها العمل في السنوات الفارطة، وليس هناك تغيير في هذه المذكرات، وأنها نحترم جميع مقتضيات المذكرات المنظمة للتقويم بالأسلاك التعليمية الثلاث.

مقترحة أن المديرين الذين لديهم صعوبات يجب أن تكون لصالحهم تدخلات عاجلة من لدن النيابات الإقليمية صاحبة الدعم التقني عن قرب لمساعدتهم على تجاوزها، كما أن هناك حركة تأهب قصوى لإنجاح منظومة مسار ومساعدة كل من يجد صعوبة في التنفيذ، ومن الواجب أن تكون لرؤساء المؤسسات التعليمية المصاحبات الضرورية لتجاوز كل العراقيل .

 ورغم كل هذه التأكيدات والتوضيحات الرسمية فإن الاحتجاجات في أوساط التلاميذ لازالت على البرنامج الذي طرحته وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، متواصلة ؛ حيث استمرت المظاهرات الرافضة في مدن عدة، وهنا يمكن التساؤل ومناقشة هذه القضية/الحدث عما إذا كان “برنامج مسار” حقيقة يعود بقيمة مضافة للمنظومة التعليمية، من خلال توظيف التقنيات الحديثة والتدبير المعلوماتي للمؤسسات التعليمية أمر ضروري أملته تطورات العصر؟

وهل فعلا كما هو معلن يسير في اتجاه الحكامة وتفعيل التواصل وتدبير الزمن المدرسي وتتبع ومواكبة كل الفاعلين التربويين؟

أم في حقيقته مس بمكتسبات المتعلمين في مجال التقويم وانتقاص من قيمة الأستاذ؟

وما الأهم هل هو الاحتجاج على خلل المنظومة وأساليب التدريس وطبيعة البرامج الدراسية أم النقطة والمحافظة على مكتسباتها، كيفما كانت نوعية هذا المكتسب؟

وهل فعلا تنزيل “برنامج مسار” يربك المنظومة التربوية كما كتب البعض؟

وهل فعلا البرنامج يثير تخوفات وهواجس كافية لإخراج التلاميذ للاحتجاج بمجموعة من المدن المغربية؟

وهل الأهداف المعلنة تعطي بعض النقابات والأساتذة حق المقاطعة، وللتلاميذ سببا للفوضى في المؤسسات التعليمية وإعلان العصيان ومغادرة فصول الدراسة؟

وهل فعلا هناك أطراف مشوشة تعبر عن بؤر لمقاومة كل تغيير أو تجديد وإصلاح؟

ولماذا لا نلاحظ هذه الاحتجاجات من طرف رواد التعليم الخصوصي ومديريه وأساتذته؟

– ألا يمكن القول بأن الربيع التربوي الذي أكره المسؤولين على التنكر للبرنامج الاستعجالي، وإلغاء بيداغوجيا الإدماج لا زال مخيما علينا، ولم يدركه موسم الصيف والخريف بعد؟

وهل يمكن قياس “برنامج مسار” على بيداغوجيا الإدماج والنسج على غراره من أجل تراجع الوزارة عن كل مشاريع الإصلاح؟

وإلى أي حد يمكن لهذه الأساليب ومواجهة الإصلاحات أن تسهم في استعجال خوصصة قطاع التعليم العمومي للرفع من جودته أمام تقارير لمنظمات الدولية؟

Source: howiyapress.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *