بريطانيا تدفع ثمن عقد من التقشف في القطاع الصحي في مواجهة كورونا

وبات رئيس الوزراء بوريس جونسون، أحد الناجين من الوباء والذي وعد خلال حملة الانتخابات التشريعية بضخ المليارات في النظام الصحي ، يؤكد أنه سيقدم له "كل ما يلزم".

تظاهرة تطالب بحل أزمة النظام الصحي الوطني (ان اتش اس) في بريطانيا في 03 شباط/فبراير 2018 في لندن

يدين الزعيم السابق لحزب العمال البريطاني جيريمي كوربن تردي وضع النظام الصحي “غير الجاهز” لمواجهة تدفق المرضى المصابين بكوفيد-19 بسبب عقد من الإجراءات التقشفية، بينما تنتقد رابطة مدراء الصحة العامة “سنوات الاقتطاعات القاتمة” التي تدفع البلاد ثمنها اليوم.

ومنذ بداية أزمة وباء كوفيد-19 الذي أودى بحوالى 14 ألف شخص في المملكة المتحدة، انهالت الانتقادات لنقص التمويل المزمن للنظام الصحي الوطني (ان اتش اس) الشامل والمجاني الذي يعتز به البريطانيون.

وبات رئيس الوزراء بوريس جونسون، أحد الناجين من الوباء والذي وعد خلال حملة الانتخابات التشريعية بضخ المليارات في النظام الصحي ، يؤكد أنه سيقدم له “كل ما يلزم”.

وتعاني دول عديدة أخرى من الوضع نفسه، وخصوصا فرنسا حيث يحتج السلك الطبي منذ سنوات محذرا من ضعف خدمات الطوارئ. وفي وقت تجاوز الوضع قدرة المستشفيات وباتت الوفيات تعد بالآلاف، وعد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ”خطة واسعة” للاستشفاء.

وقال أستاذ السياسة الصحية في جامعة “لندن سكول اوف ايكونوميكس” الياس موسيالوس إن “النظام الصحي الوطني يعاني من نقص في التمويل معترف به منذ 2010 (…) كبح رده على فيروس كورونا المستجد”.

من جهته، أكد أستاذ سياسة الصحة الدولية في جامعة “امبريال كوليدج أوف لندن” فرانكو ساسي، ردا على سؤال لوكالة فرانس برس أن الاستعداد لأزمة صحية مثل وباء كوفيد-19 “كان غير كاف بشكل واضح في غالبية الدول الصناعية بما فيها بريطانيا”.

وأوضح موسيالوس أن ميزانية النظام الصحي البريطاني “تمثل 7,6 بالمئة من إجمالي الناتج الداخلي، أي النسبة نفسها تقريبا التي كانت محددة في 2012 بينما ارتفع عدد السكان وكلفة العلاج”.

وتابع أن هذه الميزانية كانت ترتفع تاريخيا بحوالى 4 بالمئة سنويا، لكن بعد الأزمة المالية في 2008-2009 التي أدت إلى تقليص كبير في نفقات الخدمات العامة، لم ترتفع سوى 1,5 بالمئة لسنوات عدة.

لكن الميزانية استأنفت ارتفاعها خصوصا بعد فضيحة واسعة عرفت باسم “ميد ستاف” عندما نسبت مئات الوفيات إلى سوء العناية في أحد المستشفيات التابعة للنظام الصحي الوطني.

وهذا النقص المزمن في الأموال يترجم بنقص في عدد الأسرة الذي يبلغ في المعدل 2,5 لكل ألف شخص في بريطانيا، مقابل ستة لكل ألف في فرنسا وثمانية لكل ألف في ألمانيا، حسب أرقام منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

والفارق أكبر في عدد الأسرة المخصصة للعناية المركزة التي يتحدد فيها مصير المرضى المصابين بكوفيد-19 بأعلى درجات الخطورة. وتملك بريطانيا أقل من نصف ما لدى فرنسا وأقل بخمس مرات مما تملكه ألمانيا، حسب موسيالوس.

– ظروف لا تحتمل –

من النتائج الأخرى لسنوات التقشف هذه النقص الخطير في الطواقم. وقال موسيالوس إن “حوالى مئة ألف وظيفة شاغرة حاليا في النظام الصحي الوطني، أي وظيفة من كل 12″، معظمها لأطباء وممرضين وخصوصا في أقسام العناية المركزة الممتلئة اليوم.

وأكد فرانكو ساسي أن المملكة المتحدة التي كانت تضم في الأساس عددا من الممرضين والممرضات أقل مما هو في فرنسا أو ألمانيا، “واحدة من الدول النادرة في منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي” التي شهدت “انخفاضا” في عددهم في السنوات الأخيرة.

وهذا الوضع ناجم خصوصا عن الصعوبة في التوظيف بسبب ظروف العمل التي تزداد ضغطا لا بل لا تحتمل أحيانا، والأجور الضئيلة. لذلك يتخلى كثيرون عن عملهم أو يتجهون إلى القطاع الخاص.

وردت بريطانيا على أزمة كوفيد-19 باستدعاء الممرضين والأطباء المتقاعدين ليعاودوا عملهم، لكن هؤلاء وبما أنهم مسنون، في وضع هش وهامش حركتهم محدود.

وقال فرانكو ساسي “لم ننه بعد تحليلاتنا لكن هناك مؤشرات قوية إلى أنه عندما تكون القدرة على الاستقبال في العناية المركزة أكبر، يسجل معدل وفيات أقل”.

وتشير فيونا جونسون من مركز الدراسات المتخصص بالقطاع الصحي “نوفيلد تراست” إلى أنه مع انتشار الوباء “تم تأجيل العديد من العمليات (غير المرتبطة بكوفيد-19)”، ما يمكن أن يؤثر على الصحة العامة في وقت لاحق.

وتضيف أنه في المقابل “سيكون لدينا طواقم منهكة وسطرح ذلك مشكلة أخرى. حاليا أننا في وسط ميدان المعركة”.

Source: France24.com/

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *