بسبب فيروس كورونا “فقدت والدتي في عيد الأم”

دفنت أمي دون أن نتمكن من إقامة صلاة جنازة بالمسجد عليها أو عقد مجلس عزاء لها لكن الدعم الذي وصلني عن طريق منصات التواصل الاجتماعي خفف من حزني.

Share your love

جنازةGetty Images

الغيت مراسم الدفن في العديد من الدول بسبب فيروس كورونا

تخيل أن تفقد أحد والديك دون أن تحظى بفرصة توديعه رغم أنك تعيش في البلد ذاته. تخيل ألا تستطيع الصلاة عليه بالمسجد أو الكنيسة أو إقامة مجلس عزاء.

تخيل أن تقف بعيدا مرتديا قفازين وكمامة وأنت تودعه لمثواه الأخير. تخيل أن يفرض عليك بعدها عزل نفسك عن الآخرين تجنبا لاحتمال نقل فيروس كوفيد19 الذي قتل شخصا عزيزا وقريبا منك، فتتحول مصيبتك إلى مصدر قلق وخوف على من حولك.

لكن هذا في الواقع ما مرت به شابة مصرية فقدت أمها مؤخرا بسبب فيروس كورونا المستجد.

اضطرت آية (وهو اسم غير حقيقي للشابة المصرية التي فضلت عدم نشر اسمها) أن تصلي مع شخصين فقط على أمها المتوفاة، وكان ذلك داخل المشفى، عند البراد الذي تحفظ فيه جثث الموتى.

“أحدنا لم يتمكن من ضم الأخر”

أصاب فيروس كورونا ما يزيد عن مليون شخص حول العالم، وفي مصر تجاوز عدد الإصابات حتى الآن الألف، توفي منهم 85 شخصا.

ولكن آية لم تكن تتخيل أن تكون أمها ضمن هؤلاء.

تحكي لي آية كيف أخبرها أخوها عن وفاة أمها يوم عيد الأم (21 مارس/آذار): “أنهرت وقلت له أنت كذاب. أنت قلت لي إنها بتتحسن”.

فيروس كورونا: زيجات بلا حفلات وبلا مدعوين في مصر

انتقلت أم آية إلى مستشفى العزل بحلوان يوم الجمعة (20 مارس/آذار) بعدما أتت نتيجة اختبار فيروس كورونا إيجابية. وكان هذا ثاني اختبار للفيروس تجريها الأم بعد أن أمضت خمسة أيام بمستشفى خاص دون أن تشفى من الأعراض التي شخصت في البداية على أنها التهاب رئوي والتهاب شعب هوائية حاد.

“آخر يوم تحدثت معها كان يوم الثلاثاء 17 مارس/آذار. كنت طوال الوقت مع والدي الذي أجرى عملية تركيب دعامة القلب قبل دخول أمي المستشفى بيوم واحد”.

“كنت عايزة أقولها سامحيني وياريت تكوني راضية عني. من يوم ما تزوجت وأنا مشغولة. أنا ساكنة بعيد وهي كانت دائما تقول لي: أنا خلفت بنت ليه؟… كانت متضايقة مني”.

“في آخر مكالمة بيننا، أنا قلتلها بحبك وهي قالت وأنا كمان”. لكن عدم قدرة آية على توديع والدتها لم يكن أصعب ما مرت به.

فمع اتخاذ أغلب الدول؛ بما فيها مصر، تدابير احترازية تمنع التجمعات، وجدت آية نفسها مضطرة أن تصلي على أمها “مع صديقة للعائلة أتت لتقوم بعملية الغسل، ومع مؤذن مسجد المستشفى وكان ذلك داخل الثلاجة حيث توضع الجثث”.

BBC/Ismail Moneer


منعت التجمعات في مصر لمنع انتشار فيروس كورونا، بما في ذلك الجنازات ومجالس العزاء

هل روج علي جمعة، مفتي مصر السابق، لخبر كاذب؟

وفي نفس يوم الوفاة اتخذت الدولة قرار منع الصلاة في المساجد.

وتروي أية كيف أن إجراءات إخراج جثة أمها من المستشفى أخذت وقتا طويلا فلم يتمكنوا من دفنها حتى الليل.

“أتى عدد محدود جدا من أفراد العائلة. كنا نرتدي قفازات وكمامات. أمسكت زوجة أخي بيدي وهمست أنها تريد أن تضمني لكنها لا تستطيع. حماة أخي الأكبر كانت منهارة. ولكن أحدا منا لم يتمكن من ضم الأخر”.

كيف نحزن على شخصٍ عزيز حين لا نستطيع أن نقول له وداعاً

“أبي لم يستطع توديع أمي. حضر الدفن ولكنه لم يرها لمدة أسبوع قبل الوفاة”.

تقول آية إن أباها وضع في الحجر الصحي في نفس المستشفى التي توفت فيها الأم؛ فعقب الوفاة توجهت آية مع زوجها وأبيها وأخيها لإجراء اختبار كورونا. وبالفعل أتت نتيجة الأب إيجابية. وعلى الرغم من أن نتيجة الأخ جاءت سلبية إلا أنه اضطر لأن يحجر نفسه داخل منزله.

“تلقى أخي اتصالا من ضابط يطلب منه عدم الخروج من منزله لمدة أسبوعين؛ وعندما حاول أخي الخروج واجهه رجل الأمن في المجمع الذي يسكن فيه قائلا له إن التعليمات تقول بألا يغادر منزله”.

فيروس كورونا: نظرات الناس جعلتني أشعر وكأني وباء

وجدت نفسي وحيدة فجأة

“عندما توفت أمي حاولت أن أساند أبي الذي قال لي: لم يعد هناك سبب لأعيش لأجله فهي كانت حبيبتي. لكنني قلت له إنني أحتاجه”.

“حينما أخذوه إلى مستشفى العزل وجدت نفسي وحيدة بالبيت. انهرت وجلست على الأرض أولول. فأبي وأمي هما سندي في الحياة”.

” قوة لم أكن أعلم أني امتلكها “

وبسبب منع الصلاة في المساجد، قررت رنا سميح، وهي مهندسة ثلاثينية وأم لطفلة صغيرة، إنشاء مجموعة على الواتساب لجمع أسماء المتوفين وأداء صلاة الغائب عليهم.

“الجوامع مغلقة، لكن الناس لن تتوقف عن الموت. صلاة الجنازة مهمة جدا لذا فكل يوم ننشر قائمة بأسماء المتوفين ونذكر الناس بصلاة الغائب والدعاء لهم”.

BBC/Ismail Moneer


أنشئت صفحات على واتساب وفيسبوك ليدعم المصريون بعضهم البعض وخاصة من أجل تقديم العزاء

وتقوم رنا وأعضاء المجموعة بجمع أسماء المتوفين بغض النظر عن سبب الوفاة من على منصات التواصل الاجتماعي. كما يتواصل بعض ممن فقدوا أحباءهم مع المجموعة لضمان صلاة بأكبر عدد ممكن على المتوفى. تم إنشاء المجموعة يوم 24 مارس/آذار وفي أقل من أسبوع وصلعدد أعضائها للحد الأقصى المسموح به لمجموعات الواتساب: 256 عضوا.

مصر تغلق مستشفى للأورام بعد إصابة أطباء وممرضين بفيروس كورونا

ويبدو أن الحاجة لمثل هذه المجموعات في ازدياد، حيث أنشأ رامي سعد مجموعة مماثلة على الفيسبوك باسم “صلاة الغائب”، وصل خلال أسبوع عدد أعضائها لأكثر من أربعة آلاف عضو وعضوة.

أراد رامي في البداية أن تكون الصلاة في موعد محدد، يشارك بها أكبر عدد ممكن من خلال فيديو مباشر، وقال إنه سأل دار الإفتاء المصرية عن جواز هذه الصلاة المذاعة مباشرة على فيسبوك، فكان الجواب بعدم جوازها.

وكانت هذه المجموعات ملاذا لآية التي صلت مرة ثانية على أمها في اليوم التالي لوفاتها، آملة أن يشاركها عدد أكبر من الناس في الصلاة والدعاء لأمها.

وتقر آية بأن الدعم الذي وصلها عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أعطاها قوة كبيرة.

“تلقيت كثيرا من رسائل العزاء من ناس لا أعرفهم ولكنهم رأوا خبر وفاة أمي على الفيسبوك. زميل لي في الصف الرابع الابتدائي اتصل بي لتعزيتي وقال لي أنا بدعيلك وبدعي لمامتك”.

وفي 31 مارس/آذارخصصت وزارة الصحة المصرية خطين ساخنين لتقديم الدعم النفسي للمواطنين المتأثرين بالوباء.

وعلى الرغم من ترحيبها بالمبادرة، إلا أن آية لا تود استخدامها؛ فهي تفضل أن تتكلم مع أصدقائها عن الحديث مع شخص غريب حتى لو كان مؤهلا للمساعدة.

“هذا الابتلاء يجعل أمي من الشهداء. قناعتي أن أمي شهيدة يعطيني قوة لم أكن أعلم أني امتلكها”.

شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!