بعد اتفاق الصين والولايات المتحدة الأميركية على إطلاق سراح المديرة المالية لشركة هواوي هل ينكسر الجمود بينهما؟

د. تمارا برّو

عندما وصلت مينغ وانزو، المديرة المالية لعملاق الاتصالات الصيني هواوي، وإبنة مؤسس الشركة رن تشنغ فاي إلى فانكوفر (كندا) في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2018 ، لم تكن تتخيل أن إقامتها هناك ستطول لـ 3 سنوات. فما إن وصلت مينغ إلى مطار فانكوفر حتى تم اعتقالها بناء على مذكرة توقيف أميركية زاعمة أن مينغ ارتكبت عملية احتيال من خلال تضليل بنك HSBC بشأن تعاملات الشركة التجارية في إيران. وتتهم هواوي باستخدام شركة وهمية في هونغ كونغ تسمى Skycom لبيع معدات لإيران في انتهاك للعقوبات الأميركية.  وبعد أيام من هذه الحادثة أوقفت السلطات الصينية كنديين مقيمين في الصين للاشتباه بضلوعهما في أنشطة تهدد الأمن القومي الصيني، وهما رجل الأعمال مايكل سبافور الذي حكمت عليه الصين الشهر الماضي بالسجن 11 عاماً بتهمة التجسس، والكندي الثاني هو الدبلوماسي السابق مايكل كوفريغ ، وعليه توترت العلاقات بين بكين وواشنطن وأتاوا.

وبعد 3 سنوات من الاعتقال تم التوصل إلى تسوية بين الصين وأميركا تقضي بإطلاق سراح مينغ وعودتها إلى الصين وتعليق الإجراءات القضائية بحقها حتى كانون الأول /ديسمبر2022 فإذا امتثلت مينغ للمتطلبات المنصوص عليها في الاتفاق يتم سحب تهم الاحتيال الموجهة إليها، أما في حال عدم امتثالها فقد تتعرض للملاحقة، وأنّى لهم ذلك ومينغ حينها في الصين؟!

وفي نفس الوقت الذي كانت تحلق فيه مينغ في الجو متجهة إلى الصين، أعلن رئيس وزراء كندا جاستين ترودو الافراج عن الكنديين مايكل سبافور ومايكل كوفريغ وهما في طريق العودة إلى كندا.

لا جدال في أن اعتقال مينغ جاء نتيجة للحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، وقد أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب صراحة أنه على استعداد لاسقاط التهم الموجهة إلى ابنة مؤسس شركة هواوي، إذا كان ذلك يساعد الولايات المتحدة في المفاوضات التجارية مع الصين. ومن ناحية أخرى ولّد إكتساح شركة هواوي الأسواق العالمية، وتفوقها على شركة آبل الأميركية، خوف الولايات المتحدة الأميركية التي شنّت حملة على عملاق الاتصالات الصيني لبيعه هواتف تزعم واشنطن أنها تسمح للحكومة الصينية بالتجسس على الأميركيين، ففرضت في العام 2019 عقوبات على الشركة ووضعتها على قائمة التصدير السوداء. كما ضغطت على حلفائها لحظر هواوي من بناء شبكات الجيل الخامس على أراضيها فحظرت كل من بريطانيا والسويد وأستراليا شركة هواوي في حين تبنت دول أخرى بما في ذلك فرنسا والهند إجراءات لم تصل إلى حد الحظر. ولكن في الشهر الماضي خففت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن حملة الضغط على الشركة إذ سمحت لها بشراء رقائق السيارات، وربما أتى هذا القرار بناء على ضغط من الشركات الأميركية التي تكبدت خسائر كبيرة جراء القيود المفروضة على التعامل مع عملاق التكنولوجيا الصيني.

يُعد إطلاق سراح مينغ أول خطوة اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لتنفيذ مطالب الصين بهدف التعاون بين الجانبين. وكانت الصين قد حددت مطالبها في قائمتين سلّمتهما إلى نائبة وزير الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان في أثناء زيارتها الصين في شهر تموز/يوليو الماضي. ومن ضمن مطالب بكين ضرورة أن تنهي واشنطن محاولاتها لتسلّم المديرة المالية لشركة هواوي من كندا. وعلى ما يبدو أن الاتفاق على اطلاق سراح مينغ كان ضمن الاتصال الهاتفي الذي دار بين الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الصيني شي جين بينغ مؤخراً ، وتم تأجيل تنفيذ الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات الكندية خوفاً من أن يؤثر ذلك على فوز الليبراليين بزعامة جاستن ترودو .

يدل إطلاق سراح مينغ على أن بكين وواشنطن يمكنهما تقديم التنازلات لحل بعض نقاط الخلاف بينهما، وربما يكون التعاون في مجال المناخ وسماح السلطات الأميركية للطلاب الصينيين بالدراسة في الجامعات الأميركية مجالات جديدة للتعاون بين الجانبين. وإذا كان الاتفاق الأخير قد يخفف نوعاً ما من حدة التوتر بين البلدين، إلا ان واشنطن ما تزال تعتبر بكين المنافس الأخطر لها، لذلك شكّلت مؤخراً حلف أوكوس وعقدت قمة لقادة مجموعة كواد لمواجهة نفوذ الصين المتنامي في منطقة المحيطين الهندي والهادي.

وإذا كانت واشنطن قبلت طلب بكين بإطلاق سراح المديرة المالية لشركة هواوي، فما هو المقابل الذي ستقدمه الصين للولايات المتحدة الأميركية؟ ربما حضور الرئيس الصيني شي جين بينغ قمة مجموعة العشرين في إيطاليا والمزمع عقدها في 30-31 تشرين الأول/ أوكتوبر القادم ولقائه مع الرئيس جو بايدن سيجيب عن هذا التساؤل .

باحثة في الشأن الصيني

t.berro2020@hotmail.com

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *