بعد اتهام مسؤول مغربي لـ”حزب الله” بتسليح البوليزاريو: هل فقدت النخبة الحاكمة في المغرب والجزائر عقلها؟

عبدالسلام بنعيسي

في رسالته التي وجهها إلى السفراء الممثلين الدائمين في جنيف والمكلفين بمهامٍّ لدى مجلس حقوق الإنسان بمناسبة انعقاد الدورة 48 للمجلس، أشار السفير الممثل الدائم للمغرب في جنيف عمر زنيبر إلى وجود ما اعتبرها ((أدلة غاية في الخطورة وغير مسبوقة، بالنسبة للمنطقة بأسرها، تثبت وجود مؤطرين من حزب الله في مخيمات تندوف، وإمداد هذا الحزب للبوليزاريو بالسلاح الذي لديه القدرة على زعزعة استقرار المنطقة، والاعتداء على السكان المدنيين))..

رسالة السفير الممثل الدائم للمغرب لم تتضمن أي دليل أو حجة تعزز أقواله وتؤكدها، وفي غياب الأدلة القاطعة التي تقنع الرأي العام باتهامٍ موجه لحزب الله، فإن الاتهام يظل باطلا، وتبدو دوافعه سياسية محضة. يصعب على المرء أن يستوعب وجود كوادر من حزب الله إلى جانب جبهة البوليزاريو تدرب عناصرها وتقاتل إلى جانبها لفصل الأقاليم الصحراوية عن المغرب، فعقيدة الحزب المذكور عقيدة وحدوية، وهو ضد التجزئة، والانفصال، والفدرالية في وطنه لبنان، وفي مجموع الوطن العربي..

 نحن نتابع وسائل إعلام حزب الله، والفضائيات المتعاطفة معه، ونراقب تصريحات كبار مسؤوليه، ولم يسبق لنا أن عثرنا على مواقف، أو مجرد إشارات، تفيد بأن حزب الله يدعم الطرح الجزائري ويسعى لفصل الصحراء عن مغربها، فلو كان قادة الحزب ومعه قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية يحبذون هذا الخيار، ما أظن أنهم كانوا سيخافون الإعلان عنه، وتبنيه صراحة، في الخطاب وفي الممارسة.

إيران تعلن بشكل صريح ولا مواربة فيه عن مواقفها السياسية المناهضة للولايات المتحدة الأمريكية، وحزب الله يحارب الوكيل الأمريكي في المنطقة الكيان الصهيوني، والحزب أتى على رؤوس الأشهاد بالمازوت الإيراني إلى لبنان، رغم أنف واشنطن وتل أبيب، فكيف لمن يتحديان أمريكا والكيان الصهيوني، ويعلنان صراحة أنهما يحاربانهما ويريدان طردهما من المنطقة، أن يتجنبا الإعلان عن دعمهما للبوليزاريو، لو كان فعلا هذا هو موقفهما؟ هل يخافان من المغرب؟ من الأقوى والأحق بالخوف منه؟ أمريكا والكيان الصهيوني مجتمعان، أم المغرب منفردا؟؟؟

يصعب التصديق أن عناصر من حزب الله تشرف، على تأطير ميليشيات البوليزاريو، وعلى تزويده بالسلاح. الجيش الجزائري يمتلك ما يكفي من الكوادر والضباط المؤهلين تأهيلا عاليا لتدريب عناصر البوليزاريو، وأبواب خزائن الجيش الجزائري مشرعة على مصراعيها في وجه المسلحين الصحراويين ويتم إمدادهم بما يحتاجونه لشنِّ أعمالهم العدوانية ضد المغرب، وليسوا في حاجة لسلاح من حزب الله، ولتأطير من كوادره. ما تنقص عناصر ميليشيات البوليزاريو هي المعنويات والعزيمة للدخول في مواجهات مع أفراد القوات المسلحة الملكية التي تمكنت في مناسبات عديدة من تلقينهم الدروس القاسية، وكبدتهم الخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، وتمكنت من حسم المعركة ميدانيا..

يعتبر المغرب أن تمسكه بوحدته الترابية وحرصه عليها خيارٌ وطني، وأنه يخوض بذلك دفاعا مشروعا عن قضية عادلة، ونفس الأمر بالنسبة لحزب الله، فهو أيضا مقاومة شريفة ونزيهة، وحررت الأرض اللبنانية بالدم وبالتضحيات من الكيان الصهيوني، وتصدت للدواعش على الحدود السورية، وحمت لبنان من غزو تكفيري كان سيأتي على الأخضر واليابس في أرض الأرز، ويعترف حوالي ثلثي الشعب اللبناني للحزب المذكور بأنه مقاومة، كما أنه يحظى بتعاطف كبير من أحرار العالم،  وخصوصا في المحيطين العربي والإسلامي، فلماذا تضع الخارجية المغربية نفسها في مواجهة مع هذا الحزب؟ لماذا تسعى لاستعدائه بشكل مجاني؟ ألا تتماهى بذلك السياسة الخارجية المغربية كليا مع نظيرتيها الأمريكية والصهيونية؟  هل بهذا الأسلوب يمكن للمغرب أن يُحصّن وحدته الترابية ويحافظ على أقاليمه الصحراوية؟

ليتذكر الدبلوماسيون المغاربة الذين يرفعون أصواتهم ويجيدون الزعيق وتوجيه الاتهامات لحزب الله، أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون اجتمع بالقيادي محمد رعد رئيس الفريق النيابي لحزب الله في البرلمان اللبناني، ورئيس جمعية الوفاء للمقاومة، معترفا بشرعية الحزب، ومقرا بالمكانة التي يتبوأها في الساحتين اللبنانية والإقليمية، فلو كان لحزب الله وجودٌ في تندوف إلى جانب البوليزاريو، هل كان الأمر سيخفى عن المخابرات الفرنسية؟ ألم تكن تقدم ملف وجوده هناك إلى الصحافة الفرنسية لفضح الحزب والتشهير به تشهيرا شديدا؟؟

اتهام المغرب لحزب الله بأنه يوالي البوليزاريو ويؤطرها ويسلحها، شبيه باتهام الجزائر لحركتي الماك والرشاد الجزائريتين المعارضتين، بأنهما تلقيا الدعم والمساندة من المغرب، لإضرام الحرائق بإشراف من الموساد في منطقة القبايل الجزائرية. يبدو أن النخبة الحاكمة في البلدين باتت تتصرف وكأنها فقدت عقلها..

كاتب مغربي

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *