بعد تجاذب الكمامة والعمامة.. مساجد باكستان مفتوحة بـ 20 شرطا

بسبب قرارات اتخذتها بفرض قيود على الصلاة في المساجد للحد من انتشار وباء كورونا، وجدت الحكومة الباكستانية نفسها في موقف بالغ الحساسية مع قادة الجماعات الإسلامية وأتباعهم.

Share your love

أحد المساجد في مدينة كراتشي (رويترز)

مجدي مصطفى

لم يصمد قرار الحكومة الباكستانية بفرض قيود على صلاة الجماعة في المساجد بسبب وباء كورونا كثيرا، وقوبل برفض قطاع واسع من الشعب، إلى أن تم التوصل إلى صيغة توافقية أول أمس قبل أيام من حلول شهر رمضان، تسمح بفتح مشروط للمساجد، بما يرفع الحرج عن الحكومة ويجنبها الصدام مع المصلين، في واحدة من أكثر الأمور حساسية في البلاد.

وتعود تلك الحساسية إلى جملة حقائق تتعلق بوضع باكستان التي تأتي في الترتيب الثاني بعد إندونيسيا في قائمة أكبر الدول الاسلامية سكانا، حيث يتجاوز عدد سكانها مئتي مليون نسمة، 97% منهم مسلمون، والإسلام هو الدين الرسمي، وجزء من اسمها “جمهورية باكستان الإسلامية” الذي يعني باللغة الأوردية “أرض الطهر” حيث تحكم القيم الاسلامية الحياة الشخصية والعامة، وتسود أنماط من “التدين الشعبي” موزعة على فرق وجماعات مختلفة.

لم يكن غريبا والحال كذلك أن يواجه قرار الحكومة -الذي أصدرته قبل أقل من شهر ويتضمن تقييد صلاة الجماعة في المساجد، وأن تقتصر على خمسة مصلين- برفض واسع وضغوط شديدة على الحكومة لإلغائه، ووصل الأمر حد وقوع اشتباكات بين الشرطة والمصلين بمدينة كراتشي (العاصمة الاقتصادية) حيث أطلقت الشرطة النار في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين احتشدوا احتجاجا على القرار.

  علماء باكستان احتجوا على قرار سابق يقصر الجماعة المسموح بها في المساجد على خمسة مصلين فقط (رويترز)

قناعات
وبلغة الواثق من العدول عن القرار، قال عالم دين نافذ يدعى مفتي منيب الرحمن “العزل العام لن ينطبق على المساجد.. صلاة الجمعة والصلاة في رمضان ستقام في المساجد”.

كما نقلت وكالة رويترز عن أحد المصلين بمنطقة ملتان ويدعى صابر دراني قوله “إمامنا قال لنا إن الفيروس لا يمكن أن يصيبنا مثلما يصيب الغربيون. وقال إننا نغسل أيدينا ووجوهنا خمس مرات كل يوم قبل أداء صلاتنا، والكفار لا يفعلون ذلك، ولذا لا داعي لأن نقلق. فالله معنا”.

وعلى المنوال نفسه، قال قيادي بارز في حزب ديني للمئات -الذين تجمعوا للمشاركة في جنازة الأسبوع الماضي- إن أوامر الحكومة غير مقبولة “وإذا فعلتم ذلك فسنضطر للاعتقاد بأن المساجد مهجورة بتعليمات أميركا. نحن على استعداد لبذل أرواحنا لكننا غير مستعدين لهجر مساجدنا”.
 
ويوم 27 مارس/آذار الماضي رفعت السلطات 88 دعوى على إدارات مساجد في كراتشي، وألقت القبض على 38 شخصا لتحديهم القيود المفروضة على التجمعات يوم الجمعة، لكن الاتهامات أسقطت اليوم التالي وأطلقت السلطات سراح الموقوفين.
 
وفي العاصمة إسلام آباد تجمع المئات يوم الجمعة دون أن يعترض طريقهم أحد في واحد من أكبر مساجد المدينة يقع على مسافة ثلاثة كيلومترات من مقر الحكم، بما في ذلك البرلمان وأمانة رئاسة الوزراء.
  
وقد لخص ميرزا شاهزاد أكبر أحد مساعدي رئيس الوزراء عمران خان الأمر بقوله “الدين والصلاة مسألة وجدان عند كثيرين في باكستان، ولابد من أن تشعر الحكومة بحساسية هذا الأمر، ولا نريد أن نفرضها بالعصا، وحتى إذا كنا نريد ذلك فلا توجد عصي كافية لتنفيذها في كل أنحاء باكستان”.

وانطلاقا من تلك القناعة دخل رئيس الجمهورية عارف علوي على الخط واجتمع بكبار علماء الدين في مقر الرئاسة (إيوان صدر) بالعاصمة قبل أقل من أسبوع من بدء شهر رمضان الذي تتزايد فيه عادة أعداد المصلين في المساجد.

وحضر الاجتماع علماء دين ينتمون إلى البيرلوية، والديوباندية وأهل الحديث، والشيعة، إلى جانب الدكتور ظفر ميرزا المساعد الخاص لرئيس الوزراء لشؤون الصحة وكذلك كبار أمناء المقاطعات الأربع إلى جانب أزاد جامو وكشمير وغلغيت بالتستان عبر رابط الفيديو. وقال بيان صدر بعد الاجتماع إن “المساجد ستمنح الإذن بشرط اتخاذ إجراءات احترازية”.

أحد المساجد بمدينة بيشاور قبل العدول عن قرار الإغلاق (رويترز)

القواعد العشرون
وتضمن البيان الذي أعلن عقب الاجتماع عشرين نقطة تتعلق بضمان السلامة في مقدمتها مراعاة التباعد بين المصلين وترك مسافة مترين بين كل مصل وآخر خلال أداء صلاة الجماعة بدلا من المعتاد بالوقوف كتفا بكتف، وأن إدارات المساجد ستقوم بعمليات تطهير بانتظام.

وكذلك إزالة جميع السجاد من المساجد، وتشجيع الناس على إحضار سجادات الصلاة الخاصة بهم معهم، ومراقبة التباعد الاجتماعي، ونصح الناس بالامتناع عن الحديث والمناقشات في المساجد.
 
كما تضمن القرار شروطا تفصيلية أخرى منها غسل أرضيات المساجد بمطهرات الكلور، وتطهير سجادات الصلاة. وأيضا تشكيل صفوف الجماعة من خلال الحفاظ على مسافة ستة أقدام بين كل مصليين. مع ضمانة لجان المسجد باتباع الخطوات الوقائية. ومراعاة الوضوء في المنزل، وارتداء الكمامات داخل المساجد، وعدم السماح بمصافحة أو عناق، وامتناع المصلين عن لمس وجوههم.
 
وجاء في البيان أن كبار السن والمرضى لا يأتون إلى المساجد، ولا يتم الاستعدادات لصلاة التراويح إلا في المسجد وليس على الطرق، في حين سيتم تشجيع الناس على أداء التراويح في المنزل. والتشجيع على الاعتكاف في المنزل، وأنه لن يكون هناك أي إفطار أو سحور في المساجد لتجنب الازدحام. وستتعاون إدارة المسجد مع الشرطة والإدارة المحلية في هذا الصدد.
 
ووفقًا للنقطة الأخيرة من البيان “يمكن للحكومة مراجعة وتغيير أي جزء من سياستها بشأن المساجد خلال شهر رمضان إذا شعرت أن هذه الإجراءات لم يتم اتباعها أو كان (هناك ارتفاع حالات الإصابة بكورونا)”.
 
وأفاد عالم دين حضر المؤتمر أن المخاوف الرئيسية التي تقاسمها العلماء مع وزير الشؤون الدينية بير نور الحق قادري كانت تتعلق بإغلاق المساجد وتحول كبير للتبرعات، بما في ذلك الزكاة، من المعاهد الدينية والمساجد إلى الأعمال الخيرية. وأكد الوزير أن الحكومة ليس لديها خطة لتقليص المؤسسات الدينية وأنه تيتم معالجة مخاوفهم.
 
وقال رئيس البلاد بعد اللقاء مطمئنا الشعب والقيادات الدينية “لا أحد يرغب في إغلاق المساجد، لم يتحدث أي شخص أو أي حكومة محلية عن إغلاق المساجد أو عدم إقامة صلاة التراويح، وبالتالي فإن النقاش غير ضروري” مضيفا أن التبرعات بما فيها الصدقات والزكاة حق المساجد والمعاهد، و”أناشد الناس ألا يخفضوا تمويلهم لهذه المؤسسات الإسلامية في رمضان”.
 
وفي هذا الاطار، كرر وزير الشؤون الدينية تطميناته للعلماء قائلا إن رئيس الوزراء “نصح جميع حكومات المقاطعات وإدارات المقاطعات بالامتناع عن أي عمل قد يقلل من مكانة العلماء، أو استخدام القوة لأنها تخلق صورة سيئة للبلاد”. 
 
ومن الناحية العملية أفادت مصادر في وزارته أن مطلباً آخر للقادة الدينيين هو سحب القضايا المرفوعة ضد علماء الدين لعدم اتباع الإجراءات الاحترازية، وقد أحيل إلى وزير الداخلية إعجاز شاه “ووافق على التعامل معه بشكل إيجابي”.
 
وهكذا استطاعت القيادة احتواء أصوات المعارضة الدينية بإشراكها في اتخاذ القرار لتتفرغ لما هو أهم من وجهة نظرها وهو الهاجس الاقتصادي، فرغم تمديد رئيس الوزراء إجراءات العزل العام على مستوى البلاد لمدة 14 يوما إضافية فإنه خفف القيود على صناعات ضرورية للحد من البطالة المتفاقمة وتجنب المزيد من الصدمات الاقتصادية بعد توقعات قاتمة من صندوق النقد والبنك الدوليين للوضع الاقتصادي في البلاد.  
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!