اسيا العتروس
“إن جاؤوا إلى تونس لتنظيم القمة الفرانكفونية سيكونون امنين وسنوفرلهم كل الظروف اللازمة وان غيروا رأيهم فلهم ذلك.. لا نقايض سيادتنا بالمؤامرات ولا بخزائن الدنيا كلها”… كان هذا جزءا من تصريحات رئيس الجمهورية المتعلقة بانعقاد قمة الفرانكفونية التي يفترض أن تحتضنها بلادنا خلال أسابيع، تصريحات وجب وضعها في إطارها فقد سجلت على هامش أداء حكومة نجلاء بودن أول أمس اليمين الدستورية في قصر قرطاج بعد أكثر من شهرين على تجميد البرلمان وإقالة حكومة المشيشي.. وليس من الواضح كيف يمكن قراءة هذا التصريح والتعاطي معه وما إذا يكشف في طياته عن ضغوطات على تونس قبل القمة وبالتالي ما إذا يمكن اعتباره تمهيدا وخطوة تسبق إعلان نقل مقر قمة الفرانكفونية إلى بلد آخر، أوما إذا ستكون جزيرة جربة على موعد مع هذا الحدث في موعده المحدد، ولعل المثير أن تصريحات رئيس الجمهورية اقترنت وهنا مربط الفرس بالإعلان عن تعيين امرأة في منصب كاتب دولة مكلفة بالتعاون الدولي ضمن تشكيلة حكومية تمثل المرأة فيها ولأول مرة 40 بالمائة من أعضاء الحكومة.. وهوما يدفعنا إلى القول إن قناعتنا كانت ولا تزال أن مصداقية تونس وسمعتها يجب أن تكون الأولوية وأن الرهان يجب أن يتجه خلال ما بقي من الزمن إلى إنجاح هذا الموعد.. كم كان أحرى أن يقترن ذلك بإعلان مبادرة ديبلوماسية عاجلة تقودها وزارة الخارجية لكسب رهان انعقاد القمة الفرانكفونية على ارض تونس بدل الإشارات والرسائل المشككة التي توحي بوجود أكثر من سيناريو وبان القمة قد تعقد وقد لا تعقد في جربة هوفي الحقيقة موقف لا يمكن تبريره وقبوله مهما كانت دوافع غضب رئيس الجمهورية إزاء محاولات طرف أوأطراف متعددة سحب البساط من تحت أقدام تونس ونقل القمة إلى بلد آخر.. لسنا نكشف سرا والواضح أن تحركات الرئيس المؤقت الأسبق في باريس المنصف المرزوقي وتحركات قيادات من حركة النهضة في أكثر من عاصمة أوروبية هي المعنية بهذا التصريح في محاولة لإحراج سعيد والضغط عليه ودفعه للتراجع عن قرارات 25 جويلية التي باتت من الماضي مع أداء الحكومة اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية …
مطلوب قليل من الوضوح
قبل نحو شهر على موعد انعقاد قمة الفرانكفونية التي يفترض أن تحتضنها جزيرة جربة يومي 20 و21 نوفمبر القادم لا تبدو الصورة واضحة بشأن الوجهة المرتقبة لهذه القمة في دورتها الثامنة عشر والتي قطعت تونس أشواطا مهمة في الإعداد اللوجستي استعدادا لهذا الحدث الذي يفترض أن يحضره نحو خمسين من قادة الرؤساء ورؤساء الحكومات في تونس إلى جانب عشرات الصحفيين تكشف تصريحات رئيس الجمهورية بالأمس حول محاولات بعضهم بالسعي لإلغاء هذا الحدث ومنع انعقاده في تونس ما إذا كان الأمر يتعلق بنتيجة حتمية أو بأخبار أراد من خلالها التشهير بهذه الأطراف ما يجعل المشهد مفتوحا على كل السيناريوهات …
ولعله من المهم وقبل التوقف عند أهمية انعقاد هذه القمة على ارض تونس والأسباب التي من شانها أن تدفع وأكثر من أي وقت مضى لكسب الرهان والدفع نحو إنجاح هذا اللقاء والاستثمار في ذلك بكل الطرق السياسية والثقافية والديبلوماسية المتاحة وقنوات التواصل المعلنة والخفية والإعلامية التوقف عند التصريحات النارية لرئيس الجمهورية بالأمس والذي بقي وفيا لعادته الخطابية ولم يفوت فرصة أداء اليمين للحكومة دون توجيه الرسائل والتحذيرات لخصومه.. وقد توقف سعيد مطولا عند قمة الفرانكوفونية ووجه إصبع الاتهام إلى أطراف تعمل على إلغائها ومنع انعقادها في تونس وقال في ذلك والكلام موثق على موقع رئاسة الجمهورية في كلمة الأمس “من الفضائح التّي لن ينساها التاريخ والتونسيون دعوة أحدهم إلى تدخل القوى الأجنبية وممارسة ضغوط على بلادنا وكأننا دولة بلا سيادة أو غير مستقلّين”، وتابع بقوله “إن ما فعله احدهم بهدف إفساد العلاقات مع فرنسا على وجه الخصوص وتعطيل القمة الفرانكوفونية لا يوصف وقد اتجه لعديد الأطراف والعواصم لحثهم على عدم عقد هذه القمة بجزيرة جربة”. ..ودون توضيح حول هذا الطرف أو الأطراف كشف سعيد انه بناء على تقارير من الأصدقاء وتقارير أخرى فان من كان يخطب بالأمس ومن كان ينظم الندوات اتجه إلى بعض العواصم والأحزاب والحركات او الأشخاص لحثهم على عدم تنظيم هذه القمة بجزيرة جربة ..وقال إن تونسيين ذهبوا إلى بعض العواصم وطالبوهم بعدم عقد القمة في جربة بدعوى أن تونس غير مستقرة ..وخلص سعيد إلى القول انه لو نجحوا فيما رتبوا له لن يضيرنا شيء لقد وفرنا من أموال الشعب كل أسباب النجاح وأصدقاؤنا يعلمون أننا مستعدون كل الاستعداد لعقد القمة…
تصريحات سعيد تأتي أيضا غداة استقباله الأمينة العامة لمنظمة الفرانكفونية ومرة أخرى وفي غياب التصريحات وفي غياب المعلومة وانعدام النفاذ إلى المعلومة لم يكن من الواضح أن كان اللقاء بهدف التحذير أو الضغط على تونس بعد قرارات 25 جويلية أو للتلميح بنقل مكان انعقاد القمة التي تعقد في الذكرى الواحدة والخمسين لإنشائها تحت شعار “التواصل في إطار التنوع: التكنولوجيا الرقمية كرافد للتنمية”. ولقد كان يفترض أن تنعقد القمة في مارس الماضي إلا أن ظهور وانتشار جائحة كورونا دفعت إلى تأجيل هذا الموعد ثم قرار اختيار جزيرة جربة لاحتضانه وقد سبق لعدد من النواب قبل تجميد عمل المجلس وبينهم النائب المجمد ياسين العياري عن حزب أمل وعمل أن إلغاء قمة المنظمة الفرانكفونية ووجه في ذلك دعوة إلى الرئيس يحثه على الاعتذار عن احتضان هذه القمة، قائلاً إنها تسعى إلى “دعم القيم الفرنسية واللغة الفرنسية عبر الضغط على مستعمراتها القديمة”، على حد تعبيره… وأثار الأمر في حينه أيضا جدلا سياسيا وانقساما في المواقف بين مؤيد ومعارض على أساس أن القمة تهديد للهوية العربية والإسلامية وتكريس للثقافة الاستعمارية …
وكان وزير الخارجية عثمان الجراندي بادر في حينه إلى رفض دعوات المقاطعة مشددا على أن تونس “تسعى دوماً إلى احترام التزاماتها الدولية، معتبرا أن القمة الفرانكفونية التي ستحتضن تونس دورتها الـ18، تمثل استحقاقاً دولياً مهماً…
المستشارة السابقة لدى رئيس الجمهورية المكلفة بملف التعاون الدبلوماسي سارة معاوية كانت صرحت بدورها بأن هذه القمة ستكون “أكبر حدث مهم تنظمه البلاد التونسية”، وإنه يمثل تحديا جديدا لتونس وموعدا بارزا بالنظر إلى حجم الوفود المشاركة فيه”..لا خلاف ان الموعد مهم مهما اختلفت في تقييمه وقراءه الأطراف السياسية المتناحرة وتونس البلد الإفريقي العربي والمتوسطي يجب أن يبقى وهو الذي منحته الطبيعة موقعه الجيواستراتيجي المنفتح منذ أقدم العصور على كل الحضارات المتعاقبة جسرا بين الأمم والشعوب بمختلف مكوناتها اللغوية والفكرية والثقافية والدينية والعلمية تؤثر فيها وتتأثر بها تنقل عنها وينقل منها بما يعزز مكانتها وعلاقاتها مع مختلف دول العالم وليس الدول المنضوية في فضاء الفرانكفونية فحسب وهي البلد المؤسس أيضا للفرانكفونية التي كان الزعيم بورقيبة وقيادات من جيله وراء تأسيسها قبل أكثر من قرن من الزمن قبل أن تتسع وتتفتح على منظمات دولية والعديد من البلدان غير الفرانكفونية التي يفترض ان تكون حاضرة في قمة هذه المنظمة الدولية التي تضم 88 بلدا وحكومة (54 بلدا عضوا و7 دول شريكة و27 بلدا بصفة ملاحظ).
انعقاد القمة على ارض تونس يعزز مكانتها ومصداقيتها ويوسع دائرة مصالحها وعلاقاتها مع شركائها وإلغاء هذا الحدث سيكون له تداعياته على الديبلوماسية التونسية التي بإمكانها تجاوز كل الثغرات والانطلاق في سباق مع الزمن لتعزيز فرص تونس.. والأكيد أن الفرانكفونية وكما عرفها الكاتب والباحث السياسي اللبناني قاسم محمد عثمان هي كيان يتحرك فيه الإنسان ضمن تنوعه العرقي والوطني والديني، وهي مكان للتلاقي بين البشر ولتبادل المعلومات وتناقل المعرفة وتقاسم الثقافة.. بل هي إطار للتلاقح المثمر ولتقدير الحياة بالمعنى الإنساني والأخلاقي للكلمة.. ضمن التعددية واحترام خصائص الآخر وخصوصياته واختياراته.. فلماذا الانسياق وراء عزل تونس عن هذا المحيط المتعدد ولماذا الإصرار على قطع كل الأجنحة التي يمكن أن تدفع ببلادنا للتحليق عاليا إقليميا ودوليا؟
كاتبة تونسية
Source: Raialyoum.com