بعد مرور 55 عاماً على احتلال فلسطين، وكلما ادلهمت الخطوب واشتدت المحن، فإن المسلم المستنير بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا تزيده تلك الأحداث إلا يقيناً بوعد الله الصادق بالنصر والتمكين للمسلمين في الأرض كلها وفي تلك الأرض خصوصاً. وقد ارتبطت قدسية المسجد الأقصى بالعقيدة الإسلامية منذ أن كان القبلة الأولى للمسلمين، فهو أولى القبلتين وقد سمي أيضاً مسجد القبلتين نسبة إلى ذلك.
وتوثقت إسلامية المسجد الأقصى بحادثة الإسراء والمعراج، قَالَ تَعَالَى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء:1)، تلك المعجزة التي اختصت برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وما أن أدرك واستوعب المسلمون أهمية هذه المكانة الدينية الرفيعة للمسجد الأقصى وبيت المقدس وعلاقتهما الوثيقة بالعقيدة الإسلامية، حتى بدؤوا بأسلمتهما مادياً وسياسياً. فكان الفتح العمري لبيت المقدس سنة 15 هجرية 636 ميلادية، عندما دخلها الخليفة عمر بن الخطاب سلماً وأعطى لأهلها الأمان من خلال وثيقته التي عرفت بالعهدة العمرية.
حدود المسجد الأقصى: جاء في مجموعة الرسائل الكبرى: [المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد …وقد صار بعض النّاس يسمّي “الأقصى” المصلّى الذي بناه عمر بن الخطّاب في المقدمة … وإنّما المسجد الأقصى كل ما حاط عليه سور الحرم].
وهذه جملة من الآيات والأحاديث الواردة في فضائل بيت المقدس وبلاد الشام، تنير الدرب وتبث التفاؤل في النفوس وتشحذ الهمم لنصرة إخواننا المستضعفين والمرابطين على ثرى فلسطين اليوم، فمن خصائص بيت المقدس والشام:
أنها أرض القداسة والبركة: فهي لا تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال تعالى عن المسجد الأقصى: “إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” (الإسراء: من الآية1)، وقال تعالى على لسان موسى عليه السلام: “يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ…” (المائدة: من الآية21)، وقال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام: “وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء:71). وقال تعالى: “وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” (الأعراف: من الآية137). وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى: “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا” (الأنبياء: من الآية81) وعند حديث القرآن عن هناءة ورغد عيش أهل سبأ يقول سبحانه: “وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً” (سـبأ: من الآية18) وهي قرى بيت المقدس كما رُوي عن ابن عباس.
بسط الملائكة أجنحتها على الشام: فقد أخرج الترمذي وأحمد وصححه الطبراني والحاكم ووافقه الذهبي من حديث زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يا طوبى للشام! ياطوبى للشام! يا طوبي للشام!، قالوا: يا رسول الله وبم ذاك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام”. قال العز بن عبدالسلام رحمه الله: [أشار رسول الله إلى أن الله سبحانه وتعالى وكل بها الملائكة، يحرسونها، ويحفظونها].
مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الأقصى: عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: تذاكرنا – ونحن عند رسول الله – أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا. قال: أو قال: خير له من الدنيا وما فيها”، أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني. وفي الحديث أن صلاةً في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاةً فيما سواه عدا مسجدي مكة والمدينة، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي فضل الصلاة في المسجد الأقصى, قَالَ الْجُرَاعِيُّ: [وَرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ, وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: إنَّهُ الصَّوَابُ].
زمان تمني رؤية المسجد الأقصى: وحديث أبي ذر السابق يُشير إلى زمان تمني رؤية المسجد الأقصى.
البشرى بفتحه: وذلك من أعلام النبوة أن بَشر صلى الله عليه وسلم بفتحه قبل أن يُفتح ببضع عشرة سنة، عن عوف بن مالك قال: “أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبة من أَدم، فقال: أعدد ستاً بين يدي الساعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يُعطى الرجل مائة دينار، فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً” رواه البخاري.
دعوة سليمان عليه السلام بالمغفرة لمن صلى في بيت المقدس: فعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده, وألاّ يأتي هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصلاة فيه إلاّ خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما اثنتان فقد أعطيهما, وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة” أخرجه النسائي وابن ماجة، والرجاء المذكور في الحديث متحقق لنبينا بإذن الله، كما استجاب الله لدعوات سليمان عليه السلام. ولأجل هذا الحديث كان ابن عمر رضي الله عنهما يأتي من الحجاز, فيدخل فيصلي فيه, ثم يخرج ولا يشرب فيه ماء مبالغةً منه لتمحيص نية الصلاة دون غيرها, لتصيبه دعوة سليمان عليه السلام.
ثبات أهل الإيمان فيه عند حلول الفتن: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” بَيْنَما أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ” أخرجه أحمد.
أنها حاضرة الخلافة الإسلامية في آخر الزمان: عن أبي حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: “يا ابن حوالة: إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ ” أخرجه أبو داود وأحمد.
المسجد الأقصى ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أولاً؟ قال:المسجد الحرام. قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما؟ قال: أربعون سنة ثم أينما أدركتك الصلاة بعدُ فصله، فإن الفضل فيه” رواه البخاري.
قبلة المسلمين الأُولى: كانت القبلة إلى المسجد الأقصى لمدة ستة أو سبعة عشر شهراً قبل نسخها وتحويلها إلى الكعبة ببلد الله الحرام. أخرج البخاري ومسلم بالسند إلى البراء بن عازب رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم صرفنا إلى القبلة.
مبارك فيه وما حوله: هو مسجد في أرض باركها الله تعالى، قال تعالى: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ” (الإسراء: من الآية1). قيل: لو لم تكن له فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية، لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة. ومن بركته أن فُضل على غيره من المساجد سوى المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.
مسرى النبي صلى الله عليه وسلم: كان الإسراء من أول مسجد وضع في الأرض إلى ثاني مسجد وضع فيها، فجمع له فضل البيتين وشرفهما، ورؤية القبلتين وفضلهما. أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُتيتُ بالبراق – وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه – قال: فركبت حتى أتيت بيت المقدس، قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن، فقال جبريل صلى الله عليه وسلم اخترت الفطرة، ثم عرج بنا إلى السماء..”.
دعوة موسى عليه السلام: كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة وبيت المقدس أن سأل الله تبارك وتعالى عند الموت أن يدنيه منها. روى البخاري في صحيحه مرفوعاً: “فسأل موسى الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق تحت الكثيب الأحمر”. قال النووي: “وأما سؤاله – أي موسى عليه السلام – الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها”.
إليه تشد الرحال: أجمع أهل العلم على استحباب زيارة المسجد الأقصى والصلاة فيه، وأن الرحال لا تشد إلا إلى ثلاثة مساجد منها المسجد الأقصى، وتلك المساجد الثلاثة لها الفضل على غيرها من المساجد فقد ثبت في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا”.
مقام الطائفة المنصورة: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك” قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: “بأكناف بيت المقدس”. أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني.
صلاح أهلها دليل صلاح الأمة: قال صلى الله عليه وسلم: “إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة” أخرجه الترمذي وابن ماجة وأحمد وصححه الألباني.
موت منافقيهم هماً أو غيظاً أو حُزناًً: فعن خُرَيْمَ بْنَ فَاتِكٍ الْأَسَدِيَّ قال: “أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ كَيْفَ يَشَاءُ وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلَنْ يَمُوتُوا إِلَّا هَمًّا أَوْ غَيْظًا أَوْ حُزْنًا”، انفرد به أحمد وإسناده صحيح موقوف.
الحث على سكناها: زار عدد كبير من الصحابة والعلماء والصالحين بيت المقدس وسكنوا في بلاد الشام، وصلوا في أكنافه استجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “عليكم بالشام فإنها صفوة بلاد الله، يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليسق من غدره، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله” صحيح الجامع الصغير للألباني.
ولقد حرص المسلمون ومنذ الفتح العمري، على شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك للصلاة فيه ونشر الدعوة الإسلامية، حتى أن الخليفة الفاروق عمر قام بتكليف بعض الصحابة الذين قدموا معه عند الفتح، بالإقامة في بيت المقدس والعمل بالتعليم في المسجد الأقصى المبارك إلى جانب وظائفهم الإدارية التي أقامهم عليها. فكان من هؤلاء الصحابة عبادة بن الصامت أول قاض في فلسطين، وشداد بن أوس، وتوفي هذان الصحابيان في بيت المقدس ودفنا في مقبرة باب الرحمة الواقعة خارج السور الشرقي للمسجد الأقصى.
وممن زار بيت المقدس من الصحابة عمر بن الخطاب وأبو عبيدة عامر بن الجراح وأم المؤمنين صفية بنت حيي زوج رسول الله، ومعاذ بن جبل، وعبدالله بن عمر، وخالد بن الوليد، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وسلمان الفارسي، وعمرو بن العاص، وسعيد بن زيد من العشرة المبشرين بالجنة، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
وواصل علماء الإسلام من كل حدب وصوب شد الرحال إلى المسجد الأقصى للسكنى والتعليم فيه، فكان منهم مقاتل بن سليمان المفسر، والإمام الأوزاعي فقيه أهل الشام، والإمام سفيان الثوري إمام أهل العراق، والإمام الليث بن سعد عالم مصر، والإمام محمد بن إدريس الشافعي أحد الأئمة الأربعة.
أرض المحشر والمنشر: في بيت المقدس الأرض التي يحشر إليها العباد، ومنها يكون المنشر، فعن ميمونة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس؟ فقال صلى الله عليه وسلم: “أرض المحشر والمنشر”، وفي رواية أبي داود: “ائتوه فصلوا فيه _ وكانت البلاد إذ ذاك حرباً – فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله”رجاله ثقات وقواه النووي في المجموع وصححه الألباني، فمكة مبدأ الخلق والقدس معادهم، وكذلك كان مبعثه صلى الله عليه وسلم من مكة، وظهور دينه وتمامه حيث يخرج المهدي بالشام، وقوله صلى الله عليه وسلم:”فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله” وصية نبوية كريمة بعمارته والعناية به، وها هي أجيال المسلمين تبعث بالزيت لقناديله، بل وتبعث بالدماء للذود عنه وصونه من انتهاكات الصليبيين واليهود من بعدهم، فلعلنا نبعث بالكلمات والمال وبكل ما نقدر عليه لنصرته أهلنا المجاهدين والمرابطين في فلسطين الحبيبة.
الحث على الهجرة إليها: ففي سنن أبي داود والحاكم والمسند عن عبد الله بن عمرو قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ستكون هجرة بعد هجرة فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم تقذرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير”.
نزول عيسى ومقتل الدجال: ففي صحيح مسلم: عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ… فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ…”، واللد مدينة معروفة في فلسطين، قال النووي:[بِضَمِّ اللَّام وَتَشْدِيد الدَّال مَصْرُوف , وَهُوَ بَلْدَة قَرِيبَة مِنْ بَيْت الْمَقْدِس]. فنهاية الدجال _ وهو رجل من يهود – في بلاد الشام وحول بيت المقدس كما كانت نهايات أكبر أعداء الإسلام من الصليبيين – في حطين – والتتار – عين جالوت – فيها وكذلك الملحمة الكبرى.
أرض الملحمة الكبرى: ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنْ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتْ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ لَا وَاللَّهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ”، قال النووي: [وَ(الْأَعْمَاق وَدَابِق) مَوْضِعَانِ بِالشَّامِ بِقُرْبِ حَلَب].
فلا يجوز من مسلم أن يقلل من شأن القدس وأرض فلسطين والشام عموماً بعد كل هذه الفضائل، وإن تدنيس اليهود لها اليوم من أعظم البلاء والامتحان لهذه الأمة، التي ورثت راية الدعوة إلى الله، كما ورثت ولاية الأنبياء، والثأر لهم جزء من تلك الولاية، وعودة اليهود قتلة الأنبياء لأرض الأنبياء من قدر الله ليكون الثأر منهم على يد هذه الأمة، بل إن الصحيح من أقوال أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً بسم المرأة اليهودية، فقد أخرج البخاري في بَاب مَرَضِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوَفَاتِهِ عن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: يَا عَائِشَةُ: مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ”.
ولإيضاح ولاية المسلمين للأنبياء جميعهم فنشير هنا إلى أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي نفى عنه رب العالمين اليهودية والنصرانية بقوله تعالى: “مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” (آل عمران:67) ويؤكد رب العالمين أن أبناء إبراهيم هم المسلمون وليسوا اليهود، ويسجل القرآن الكريم دعاء إبراهيم عليه السلام: “رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ” (البقرة: من الآية128) ويسجل أيضاً: “إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ” (آل عمران:68)، وقال تعالى: “إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” (المائدة:55) واليهود ليسوا كذلك؛ لأنهم كفروا بالله والرسالات، وانتهكوا الحرمات، واستحلوا الدماء والأعراض والأموال، والكافر لا يرث مسلماً، وتتضح هنا الحقيقة الشرعية والتاريخية في رد الله تعالى على إبراهيم عليه السلام حينما أكرمه الله بإمامة المسلمين؛ فطلب من الله أن تكون الإمامة في عقبه من بعده، وجاء الرد: “لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ” (البقرة: من الآية124). فكل من كان ظالماً، لم يكن نبياً ولا خليفة، ولا حاكماً ولا مفتياً، ولا إمام صلاة، ولا يقبل عنه ما يرويه عن صاحب الشريعة، ولا تقبل شهادته في الأحكام. واليهود ظلمة، ومن ثم فلا حق لهم في وراثة إبراهيم عليه السلام، ويؤكد ذلك قول الله تعالى: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ” (الأنبياء:105).
ويجب على كل مسلم ومسلمة السعي لتحرير الأرض المباركة من دنس اليهود الغادرين الذين وصفهم الله عز وجل بقوله: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” (المائدة: من الآية82)، الذين نعتهم القرآن بكل صفات الغدر والخيانة “كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ” (المائدة: من الآية64) وهم قتلة الأنبياء ونحن ورثة الأنبياء، وورثة ثأرهم والانتصار لهم، قال تعالى: “وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ” (الأعراف:167) قال الطبري: [إن الآية في اليهود وإن الذين يسومونهم محمد صلى الله عليه وسلم وأمته إلى يوم القيامة]. وسيرتهم مع رسول الله وإخوانه من الأنبياء خير شاهد على أحوالهم.
فالمسجد الأقصى قلب بلاد الشام وهي ملك أمة محمد صلى الله عليه وسلم، احتلها اليهود اليوم لينفذ قدر الله بأن تأخذ أمة محمد شرف الانتصار للأنبياء الذين عاشوا فيها وقتلوا على أيدي اليهود فيها.
نعم يا أيتها الأرض الطاهرة المباركة التي قدسها الله، نعم يا مسرى رسول الله أنت أكبر من مؤامراتهم ومكائدهم ومخططاتهم، وكما نتمنى اليوم أن لو كنا مع جيش عمر رضي الله عنه عند فتح بيت المقدس، أو لو كنا مع جيش صلاح الدين رحمه الله عند تحرير بيت المقدس، فسوف تأتي أجيال من المسلمين تتمنى أن لو أدركت زماننا هذا لتشارك في شرف تحرير بيت المقدس، ولا يزال بيد الشعوب المسلمة اليوم الكثير من الوسائل لنصرة المسجد الأقصى ولم تعد هذه الشعوب تعول على الكثير مما كانت تعول عليه في الماضي.
فالكثير من الشعارات والأقنعة قد زالت، وبدأت الشعوب بنفسها تتجاوز المراحل، وغدت الأفكار الغريبة في الماضي القريب قناعات اليوم العصيب، وسينتج عن هذه الجرائم والانتهاكات تيارات أشد قوة وصلابة، وستحظى بتأييد الشرائح الكبرى من المجتمعات الإسلامية، التي لن ترضى بأن يهان أو يمس بأذى المسجد الأقصى المبارك، قال تعالى: “وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة:105)..