بيع السودان في المزاد.. وتسليم البشير “سقطة” لا تغتفر

 

علي الزعتري

ليس بيني وبين الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير علاقة وُدْ فحكومته آذتني في ديسمبر 2014 عندما أعلنتني شخصاً غير مرغوب به كممثلٍ للأمم المتحدة في السودان. ولكني كذلك الأمر أدينُ لها بقائي لأسبابٍ عائليةٍ في السودان حتى مغادرتي بعد ستة أشهر، وهو ليس عُرفاً تطبقه الحكومات في مثل هذه الحالات. يمتلأ وجداني بحب السودان و الغيرة عليه وتربطني به صداقات وروابط أخوية لا تذوب مع الأيام. لكن قرار تسليم البشير ورهطه للجنائية الدولية سَقْطَةٌ مؤلمة.

أقولها و أنا الذي كنت مؤتمناً بالقَسَمِ الرسمي لأحافظ على مبادئ الأمم المتحدة السامية و لا أزال أحافظ عليها بعدما تقاعدت رغماً عن ما نعيشه من ظلمٍ لم تستطع الأمم المتحدة أن ترفعه بل ربما سانده بعض ممثليها رغبةً أو عُنوةً. إن هذا القرار السياسيُ يطعنُ السودان في جِهازهِ القضائي و ينفي عنه قدرته على إحقاق الحقوق. وهو يرمي بالسودان عميقاً في حفرة التنازلات التي بدأها نظامه العسكري الذي لا يختلف عن ما سبقه كثيراً. هم نفس القادة و الجنود بل أن زعيمهم كان بيدق البشير المفضل في شن الهجمات التي يُحاكم البشير بشأنها. لكن السودان متهافتٌ على خلاصٍ ما من عثراتٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ كبيرة فأقدمَ على بيع نفسه بالتدريج. والتسليم هو بيعةٌ مقابل ثمنٍ وُعِدَ به السودان ليبقى طافياً، لكنه لا يصلُ بَرَّ الأمان. وكيفَ يصل و هو لا يزالُ محتفظاً بالجغرافيا التي تصل الشمال بالجنوب وبالثروات اللازم اقتناصها وبالشعبِ المحتفظِ بكرامته الفطرية. برُ الأمان للسودانيين هو بانتقالهم من دولةٍ فقيرة متشظية لدولةٍ قويةٍ متحدة في رؤاها وسياساتها. والغيرُ لا يريدها إلا مِطْواعةً طافيةً.

لقد أخطأ البشير بإمعانٍ عبر الأعوام التي قضاها سلطاناً و ينبغي محاكمته، لكن ببلاده وبقضاءٍ وطنيٍ. تسليمه هو تسليمٌ بعجزٍ ليس واقعياً في القضاء الوطني السوداني وهربٌ منه بالمقابل الموعود من الدول التي لا تعترف بالجنائية الدولية و لن تُسّلِّمَ لها أصاغر أو أكابر مجرميها. لكننا نرى في السودان إنقلاباً مثل إنقلاب البشير عام 1989، بيدَ أنه اعتمدَ الإتجاهَ المعاكس. لكل نظامٍ عثراتٌ يسميها توريةً وطنيةَ القرارِ المستقل، ويكشفُها الزمان على حقيقةٍ مغايرة، ولسوفَ نرى كما نرى.

كاتب اردني

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *