تجارة الرقيق : هل يتجه العالم نحو رقٍّ من نوع جديد؟

أنهت معظم الدول حول العالم في الوقت الحالي ممارسات الرق إلى غير رجعة، وأصبحت تجارة الرقيق من مخلفات الماضي، لكن هل يعود الرق بشكلٍ مختلف عن ما عهدناه؟

Share your love

تجارة الرقيق إحدى أفحش الممارسات التي اقترفها الإنسان في حق أخيه الإنسان منذ زمن بعيد، وهي إن دلت فإنما تتدل على قدرة بني البشر على التنازل إلى حد بعيد عن إنسانيتهم في مقابل أموال تدرها عليهم مثل هذه الممارسات. وقد عرفت مناطق عدة من العالم هذا النوع من التجارة ألزمتهم إليها طبيعة النظام الاجتماعي آنذاك. إذ كان النظام الاجتماعي ينبني في كثير من الأحيان على مبدأ السادة والعبيد أو الرقيق، حيث السيد هو المنوط به الإدارة والسياسة والتفكير والتنظير وكل ما يستلزم جهدا ذهنيا، بينما العبد هو المنوط به العمل والجهد العضلي أيا يكن سواء في الحقل أو الرعي أو أي من الصناعات على اختلاف أنواعها والتي تستلزم جهدا بدنيا.

تجارة الرقيق بين الماضي والحاضر

الرق في الحضارات القديمة

عرفت الحضارات القديمة النظام الاجتماعي الطبقي. وكان نظام الرق أو العبودية أحد صور النظام الطبقي، ومن ثم لازم هذا النظام الحاجة إلى تجارة الرقيق كأداة لتوفير هذه السلعة المطلوبة والحيوية في هكذا نظام. ويكون هؤلاء الأرقاء إما أناس مشردون أو أسرى حروب أو أبناء لرقيق أيضا… إلخ.

تجارة الرقيق في شبه الجزيرة العربية

وقد ازدهرت هذه التجارة في شبه الجزيرة العربية فيما قبل الإسلام وفي العصور الأولى للإسلام أيضا، حيث تتم تجارة الرقيق في الأسواق وعلى من يرغب في شراء عبد ما عليه إلا التوجه إلى السوق وتفحُّص السلعة فحصا دقيقا، وبالأخص إن كانت أنثى/ أمة.

تجارة الرقيق في الحضارة البابلية

أما الحضارة البابلية فقد شهدت أيضا هذا النوع من الممارسات التي كان أظهرها السبي الجماعي لليهود للعمل عندهم كعبيد فيما عرف بعد ذلك بالسبي البابلي.

تجارة الرقيق في الحضارة اليونانية

وفي الحضارة اليونانية كان نظام الرق ومن ثم تجارة الرقيق معروفا ومستقرا بل ومباركا من قبل أعظم مفكري اليونان في العصر القديم… أرسطو، حيث أن الفكر اليوناني أعلى من شأن التنظير ومن ثم المنظرين، وحط من شأن العمل ومن ثم من يقومون به. فأراد أرسطو (ذلك الفيلسوف الذي أوقف العقل البشري لما يقرب من عشرين قرنا من الزمان) أراد أن يعكف الفيلسوف على النظر والتفكير، والحاكم على الإدارة والقيام على شؤون المدينة، أما الأعمال اليدوية والعضلية فمن شأن العبيد الأرقاء.

تجارة الرقيق من الإمبراطورية الرومانية إلى عصر النهضة الأوربية

وعرفت من بعد ذلك الحضارة الرومانية ما عرفته الحضارات السابقة عليها من نظام الرق وما يستتبعه من تجارة للرقيق. وبعد انهيار الحضارة الرومانية غرقت أوربا في النظام الإقطاعي الذي لم يكن ليتاجر في الرقيق، وإنما أجبر الناس جميعا من دون السادة والنبلاء على العمل في الأرض فيما عرف بنظام القِنانة. أي أن الجهد العملي يقوم به القِن، وهو ليس بالعبد تماما، وإنما هو يعمل مقابل مأكله وملبسه ومسكنه. وقد اضطر الناس إليه اضطرارا آنذاك بحكم طبيعة الاقتصاد الذي فرضته النظم الجديدة الحاكمة للمقاطعات المنحلة من الإمبراطورية الرومانية، وهو اقتصاد زراعي قائم على نظام السيد والقن. واستمر هذا النظام إلى مطلع عصر النهضة.

تجارة الرقيق منذ عصر النهضة

لكن بحلول عصر النهضة في أوربا (مع القرن الخامس عشر تقريبا) كان النظام الإقطاعي -ومن ثم نظام القِنانة- قد تفكك على يد كبار التجار البورجوازيين الأوربيين. وقبل عصر النهضة لم يكن للتجار كبير دور في النظام الاجتماعي الأوربي نظرا لطبيعة ذاك النظام المغلقة الاكتفائية التي لم تكن قد عرفت النزعة الاستهلاكية بعد. ولكن وبطرق يطول سردها استطاع التجار تفكيك هذا النظام لصالحهم مع تعاظم دورهم ومكانتهم وتأثيرهم في المجتمع. كما دعم التجار أيضا حركات الكشوف الجغرافيا مما أدى لانفتاح خزائن العالم أمام القارة الأوربية بتجارها وحكامها وعسكرييها.

ومما لدى خزائن العالم الجديد للقارة الأوربية -الرقيق، وقد تم هذا الاسترقاق عبر عمليات واسعة من الاختطاف المنظم من القارة الأفريقية والأمريكية عبر أساطيلهم الجائبة عبر البحار، ومن ثم إرسالهم قسرا إلى بلدانهم في أوربا للعمل في فلاحة الأرض بالسخرة.

مارس البرتغاليون تجارة الرقيق منذ منتصف القرن الخامس عشر، إذ كانوا يرسلون إلى بلدهم زهاء 800 عبدا سنويا من الساحل الغربي الأفريقي.

وفي القرن السادس عشر لحقت إسبانيا بجارتها البرتغال لتسير سيرتها في تجارة الرقيق ، إذ كانت تختطفهم من ذويهم وتدفع بهم للعمل في مستعمراتها بأمريكا اللاتينية ليقوموا بالعمل في الزراعة بالسخرة.

وفي منتصف القرن السادس عشر اقتحمت بريطانيا ذات المضمار، ليس ذلك فحسب، وإنما ادعت حق إمداد الرقيق للمستعمرات الإسبانية، ثم تلاها بعد ذلك في دعواها كل من فرنسا والبرتغال وهولندا والدنمارك. إذ تم إيصال أول دفعة من الرقيق إلى أمريكا الشمالية سنة 1619م عن طريق السفن الهولندية للعمل الشاق في المستعمرات الإنجليزية في العالم الجديد، سيما في الجنوب الأمريكي.

نهاية القرن الثامن عشر وانتصار إنسانية الإنسان

وقد شهد أفول القرن الثامن عشر -إشراق النوازع النورانية داخل الإنسان متمثلا في حكومات الدول التي مارست هذا النوع من الإتجار اللاإنساني… تجارة الرقيق. فكانت الدنمارك هي السباقة في مجال إلغاء الرق ومن ثم تجارة الرقيق عام 1792م، ولحقت بها بريطانيا، ثم أمريكا التي بدأت بفرض بعض الحقوق المدنية للرقيق وذلك عقب الثورة الأمريكية، وكان ذلك إيذانا بمنعها أيضا للاسترقاق والتجارة بالرقيق.

ثم شهد عام 1814م في العاصمة النمساوية “فينا” عقد مؤتمر شاركت فيه كل الدول الأوربية للإقرار والتوقيع على معاهدة منع تجارة الرقيق. وعام 1848م عقدت إنجلترا معاهدة ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لمنع هذه التجارة. وبعد هذه المعاهدة كانت القوات البحرية البريطانية والفرنسية تطارد سفن مهربي الرقيق.

قامت فرنسا بعد ذلك بتحرير الرقيق لديها، ثم تبعتها في هذا هولندا، ثم تبعتهما جمهوريات جنوب أمريكا باستثناء البرازيل، حيث ظل الرق فيها حتى عام 1888م.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية مطلع القرن التاسع عشر، كان الرقيق يتمركزون بمعظمهم في ولايات الجنوب الأمريكي حيث اتساع رقعة الأراضي الزراعية مناط عمل الرقيق. ولكن بعد الاستقلال الأمريكي اعتبر الرق شرا لا يتفق ومبادئ وروح الاستقلال، فنصّ الدستور الأمريكي عام 1865م بإلغاء العبودية.

وفي العام 1906م، تقرر منع تجارة الرقيق وإلغاء الرق بشتى أشكاله في مؤتمر العبودية الذي عقدته عصبة الأمم.

هل يتجه العالم نحو رق جديد؟

بعدما أطلت شمس الإنسانية من تحت غمام الجبلة البشرية النزّاعة للأنانية والسطنة، هذه الإنسانية التي أحمى جذوتها فلاسفة التنوير الأوربيين من أمثال روسو وفولتير وكانط، عادت غمامات الجبلة البشرية مرة أخرى لتحجب هذه الشمس من جديد لندخل في نفق مظلم من من أنفاق المطامع البشرية متعددة الأشكال والألوان والأغراض.

فقد أطل برأسه القبيح من جديد شبح الاسترقاق بشكل مختلف عن ذي قبل، ولأغراض مختلفة عن ذي -قبل تنحصر في معظمها ما بين أعمال الدعارة القسرية وعمليات بيع الأعضاء… ياللهول!

تجارة الرقيق الجديدة باتت تلقى رواجها في أسواق أوربا على وجه العموم وإيطاليا على وجه الخصوص، كما لها قواعدها في روسيا وإسرائيل وشرق آسيا حيث الصين وكوريا الشمالية، ووسط آسيا حيث أوزبكستان. كما أن من كبريات الدول الفاعلة في تجارة الرقيق موريتانيا ونيجيريا. وللأسف، فإن مصر أيضا لم تسلم من مثل هذه الممارسات، وكذلك سوريا لها من تجارة الرقيق الذين يستخدمون في عمليات نقل الأعضاء حظ عظيم.

تشير تقارير الخارجية الأمريكية إلى تزايد حجم التجارة في النساء حول العالم إلى نحو 700 ألف امرأة سنويا. كما تشير تقارير أخرى أن نحو 3.12 مليون إنسان يعيشون شكلا من أشكال الرق حول العالم اليوم، ونحو 98% من هذه التجارة موجهة للفتيات والأطفال. كما تقدر أرباحها بحوالي 28 مليار دولار أمريكي سنويا.

تجارة الرقيق في إسرائيل

تظهر تقارير حديثة عن تجارة الرقيق عالميا بأنه في إسرائيل وحدها يقدر حجم الإتجار في النساء سنويا بما يقرب من المليار شيكل أي ما يعادل 235 مليون دولار أمريكي؛ لذا تعد إسرائيل أكبر سوق للرقيق الأبيض في العالم. حيث أقرت لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الإسرائيلي والتي قد أعدت هذا التقرير -أقرت بأنه وخلال السنوات الماضية قد تم تهريب حوالي 3000- 5000 امرأة إلى إسرائيل للعمل في الدعارة. وأشار التقرير إلى أن المرأة الواحدة كان يتراوح سعرها شرائها بين ثمانية آلاف دولار وعشرة آلاف دولار أمريكي. ولقد ازدهرت هذه التجارة مع ارتفاع معدل الهجرة الروسية إلى إسرائيل، حيث انتهز التجار التسهيلات التي قدمتها حكومة إسرائيل لاستقدام الروس في إطار مخططها بتكثيف الهجرة. فاستغلوا بهذه الوفرة المتاحة من المهاجرين ضائقة الكثير من الفتيات وجهلهن بخفايا المجتمع الإسرائيلي. وتشير بعض التقارير أن مافيا الإتجار بالنساء في إسرائيل لم يكتفوا بالعمل داخل إسرائيل وحسب، بل تبين أن ثمة تجارا إسرائيليين هم أعضاء في شبكات عالمية للإتجار بالنساء، إذ يرسلون الفتيات إلى كندا لإرغامهن على العمل هناك في الدعارة.

تجارة الرقيق في أوربا

ما بين 200- 500 ألف فتاة وامرأة دون الثلاثين ضمتهم أسواق الرقيق في أوربا للعمل في الدعارة، ينحدرن في معظمهن من دول روسيا والبلقان والبلطيق وأوكرانيا وأرمينيا وروسيا البيضاء وبولندا وتشيكيا ورومانيا وبلغاريا وسلوفاكيا وكرواتيا وسلوفاكيا ومقدونيا والبوسنة وألبانيا وصربيا. إذ أن الظروف العصيبة للفتيات البيض جعلت المافيا المتاجرين بالبشر يستغلونهن عبر المتاجرة بأحلامهن، فيقومون بتهريب نحو أربعة آلاف امرأة سنويا من خلال بريطانيا للعمل في الدعارة.

ومن أوكرانيا وحدها يقدر ما قامت بتهريبه عصابات المافيا خلال العشر سنوات الماضية بنحو 400 ألف امرأة دون سن الثلاثين. حيث يعملن رغما عنهم في الجنس، ويتم وشمهن بالإجبار بوشم سماسرة الجنس تأكيدا لملكيتهن قبل البيع، إذ تصبح المرأة سلعة يتم بيعها وشرائها عبر هذا الرمز الإلكتروني “باركود” والذي تضمن المختطفات أيضا.

تجارة الرقيق في إفريقيا

في نيجيريا وحدها هناك ما بين 660- 750 ألف إنسان يعيشون في حالة رق، حتى احتلت المركز الرابع عالميا للإتجار في البشر، والذي تحتل موريتانيا المركز الأول في هذا الترتيب. ونحو 15% من رقيق العالم الآن جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى.

وقد قررت بوكو حرام تنفيذ تهديداتها ببيع النيجيريات في سوق الرق الإيطالية حيث يعملن في صناعة الجنس العالمية تحت تهديد العنف، أو يتم بيعهن داخل نيجيريا ذاتها للزواج والعمل في ذات الآن وإعطاء زوجها راتبها اليومي قسرا، لتصبح نيجيريا عاصمة الإتجار بالبشر ومن ثم يتم نقل ضحاياها إلى أوربا وخاصة إيطاليا. والأعجب أن بوكو حرام تتحجج بأن هؤلاء الفتيات يتلقين تعليما غربيا حيث محط غضب هذه العصابة!

ومع بالغ الأسى والأسف، فإن ما كافحت الحضارة الإنسانية من أجله عبر عمليات تهذيب كثيرة للإنسان، فإن كل ما قامت الحضارة بفعله عبر هذا التاريخ الطويل يذهب الآن أدراج الرياح أمام نوازع الهمجية الأولى في الإنسان الضاربة بجذورها في أعماقه… لا تبرحها.

وها بعض التقارير تسفر أيضا عن عمليات اختطاف قسري تقوم بها عصابات مصرية على أرض مصر عن طريق اختطاف مجموعة من الأفارقة وتهريبهم عبر سيناء ومنها إلى إسرائيل حيث يتم استغلالهم كعمالة قسرية مجانية ولا يدفعون عنها تأمينات ولا ضرائب. هذا فضلا عن سماسرة الزواج الموسمي للقاصرات المصريات من رجال السياحة الخليجية وغير الخليجية. وفضلا أيضا عن مافيا التجارة في الأعضاء البشرية. ومافيا الأعضاء البشرية ليست في مصر وحدها من دول المنطقة، وإنما في سوريا أيضا هذه الأيام مزدهرة جدا هذه التجارة بسبب كثرة القتلى والجرحى الذين يتم اختطافهم في مراكب صيد كحافظات لقطع غيار بشرية!

Source: ts3a.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!