الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ، وبعد :
ففي الدورة الثالثة لمجلس هيئة كبار العلماء المنعقدة فيما بين 1/4/1393 هـ و 17/4/1393 هـ، وبناء على ما جاء في الفقرة الثانية من القرار رقم ( 7 ) الصادر من هيئة كبار العلماء في الدورة الثانية لمجلسها المنعقدة في النصف الأول من شهر شعبان عام 1392 هـ من إرجاء تحديد الممنوع إحياؤه من ديار ثمود حتى يقدم للمجلس بحث مستوفى من قبل اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعد تطبيق ذلك على واقع الأرض بواسطة أهل الخبرة في تلك الجهات ، وبالاشتراك مع بعض الفنيين لرسم ذلك ؛ ليتم البت في تحديد الممنوع إحياؤه من غيره .
وبناء على البحث المقدم من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بعد شخوصها إلى أرض الحجر ومشاهدتها إياها ، واتصالها بأهل الخبرة في تلك الجهات ، وما اشتمل عليه البحث من وصف كامل لمشاهدتها ومن خارطة تقريبية لها ، ولما فيها من آثار وجبال ووديان ومزارع وغير ذلك في الدورة الثالثة لمجلس الهيئة – جرى استعراض النصوص الواردة في ذلك ؛ والتي يمكن أن يستند عليها في التحديد ، وهي ما يلي :
قال تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). سورة الأعراف الآية 74.
وقال تعالى : (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ) سورة الفجر الآية 9.
وروى البخاري في [ صحيحه ] بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحجر قال : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم أن يصيبكم ما أصابهم ، إلا أن تكونوا باكين . ثم قنع رأسه ، وأسرع السير حتى أجاز الوادي. صحيح البخاري المغازي (4157),صحيح مسلم الزهد والرقائق (2980),مسند أحمد بن حنبل (2/117).
وروى أيضا بسنده عن نافع ، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره : أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر ، واستقوا من بئرها ، واعتجنوا به ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا من بئارها ، وأن يعلفوا الإبل العجين ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة . صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3199),مسند أحمد بن حنبل (2/117).
وأخرج معلقا بصيغة الجزم ، قال ابن حجر في [ الفتح ] : وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه : أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فأتوا على واد ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم بواد ملعون ، فأسرعوا ، وقال : من اعتجن بمائه أو طبخ قدرا فليكبها الحديث ، وروى مسلم في [ صحيحه ] بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجر : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم ، إلا أن تكونوا باكين ، حذر أن يصيبكم مثل ما أصابهم ثم زجر فأسرع حتى خلفها . صحيح البخاري الصلاة (423),صحيح مسلم الزهد والرقائق (2980).
قال النووي في شرحه ، قوله : ( ثم زجر فأسرع حتى خلفها ) أي : زجر ناقته ، فحذف ذكر الناقة للعلم به ، ومعناه : ساقها سوقا كثيرا حتى خلفها وهو بتشديد اللام ، أي : جاوز المساكن .
وروى الإمام أحمد في [ المسند ] بسنده عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود ، فاستقى الناس من الآبار التي كان يشرب منها ثمود ، فعجنوا منها ، ونصبوا القدور باللحم ، فأمرهم رسول اله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا القدور ، وعلفوا العجين الإبل ، ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا قال : إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، فلا تدخلوا عليهم . مسند أحمد بن حنبل (2/117).
قال ابن كثير في [ البداية والنهاية ] بعد سياقه هذا الحديث : وهذا الحديث إسناده على شرط الصحيحين من هذا الوجه ولم يخرجاه . اهـ .
وبناء على ذلك ، وحيث إن موارد النهي من هذه الأحاديث تأتي على أمرين :
أحدهما : دخول مساكنهم ، سواء ما كان منها في الجبال أو كان في السهول مما في تلك الأرض .
الثاني : الاستقاء من آبارهم ، وقد وجد بين الآثار في الجبال والسهول آبار قديمة تواترت الأخبار فيما بين أهل المنطقة أنها آبار ثمودية .
كما أن بعض هذه الأحياء يدل على الأمر بالإسراع في الوادي عند المرور به حتى يتم اجتيازه وعلى التقنع فيه .
وحيث إن الهيئة لم تجد نصوصا صريحة تحدد المنقطة تحديدا لا يكون للاجتهاد فيه مجال ، وحيث إن ما ذكره بعض أهل العلم بالتفسير والسير – كابن إسحاق وغيره – من تحديد أرض الحجر بثمانية عشر ميلا أو بخمسة أميال لا يمكن الاعتماد عليه في تحليل أو تحريم ما لم يكن معتمدا على ما ثبت من كتاب أو سنة .
وحيث إن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل ينقل ذلك الأصل عن حكمه .
بناء على ذلك فإن الهيئة تقرر ما يأتي :
أولا : منع الإحياء والسكني فيما يلي :
أ – ما كان فيه آثار من جبال وسهول .
ب – الآبار الثمودية .
ج – مجرى الوادي ومفرشه .
وبناء على ما جاء في وصف اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ضوء مشاهداتها لتلك المنقطة ، ما ذكرته في وصفها من آثار ومسميات وجبال ووديان ومساحات وآبار ، وحيث إن آخر بئر ثمودية ظهرت في الجهة الجنوبية من أرض الحجر هي البئر التي بجوار أحد جبال الصينيات ، وأن آخر بئر ثمودية ظهرت في الجهة الشمالية هي ( بئر مزيلقة ) وأن آخر جبل من الجهة الشرقية فيه آثار قائمة هو ( جبال الأثالث ) وأن آخر أثر سكني ظهر في الجهة الغربية هو في ( جبال الخريمات ) وحيث إن الوادي يأخذ مسماه بعد التقاء روافده السبعة ، فيكون تحديد الممنوع إحياؤه والسكني فيما يلي :
يحد جنوبا بجبل الصينيات ، ويمتد الحد شرقا بانعطاف إلى الشمال حتى يتصل بجبال الأثالث ، بحيث تكون هي وجبال الصانع وبثينة وأبو لوحة وغيرها مما فيه آثار داخلة في الحد ، ثم يمتد الحد من الشرق إلى الشمال بشكل دائري متمش مع حافة مفرش الوادي حتى يتصل بآخر بئر من آبار مزيلقة ، بحث يكون مفرش الوادي وآبار مزيلقة داخلين في هذا الحد ، ثم يمتد الحد غربا بانعطاف نحو الجنوب حتى يتصل بحافة الوادي الشمالية ، ثم يمتد حتى يتصل بمجمع روافد الوادي السبعة ، ويكون هذا الملتقى حدا غربيا للممنوع ، ثم ينعطف الحد نحو الشرق ، ممتدا مع حافة الوادي الجنوبية ، حتى يتصل بمفيض الوادي إلى أرض العذيب ثم يتجه الحد جنوبا مارا بجبال الخريمات بحيث تكون داخلة في المحدود حتى يتصل بجبال الصينيات .
أما بئر الناقة فقد وردت الأحاديث الصحيحة في جواز الاستقاء منها والنزول حولها للاستقاء ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نزل بأصحابه عندها ، واستقوا من مائها ، وكذلك المرور من أرض الحجر فقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم ومعه كثير من أصحابه في طريقهم إلى تبوك ، إلا أنه ينبغي الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فقد قنع رأسه ، وزجر راحلته حتى اجتاز الوادي .
ثانيا : ما عد ذلك مما كان خارجا عما هو منوه عنه أعلاه وداخلا في محيط سلسلة الجبال القائمة – فإن الهيئة تقرر بالأكثرية جواز إحيائه والسكنى فيه ؛ لأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد دليل الحظر ، وبالله التوفيق .
وصلى الله على محمد ، وعلى آله وصحبه وسلم .
هيئة كبار العلماء
رئيس الدورة الثالثة…عبد الله بن حميد
عبد الله خياط … محمد الأمين الشنقيطي…
عبد العزيز بن صالح … عبد المجيد حسن …
عبد الرزاق عفيفي لي وجهة نظر
عبد العزيز بن باز … إبراهيم بن محمد آل الشيخ … عبد الله بن منيع
سليمان العبيد … محمد الحركان … محمد بن جبير
صالح بن لحيدان: إنني متوقف فيما زاد عن ما حدد بمنطقة الآثار إلى مجتمع الأودية من الجهة الغربية وموافق على ما فيه الآثار والآبار.
راشد بن خنين …
عبد الله بن غديان مع توقف فيما زاد عن المحدود داخل سلسلة الجبال المحيطة.
صالح بن غصون لي وجهة نظر:
الحمد لله : خلاصة رأيي في موضوع ديار ثمود .
بعد البحث والمراجعة أرى أن ما تناولت الأحاديث النبوية لا يجوز إحياؤه ولا سكناه ، غير أنه لم يظهر لي من الأحاديث ما يقضي بتحديد منقطة معينة ؛ لأن الأحاديث ليست صريحة ، ولأن الأصل الإباحة ، ولأن أهل العلم لم يذكروا حدودا معلومة ، ولأن بئر الناقة من أبرز المعالم الموجودة في المنطقة ، ولم أقف على دليل بتعيينها ، ولأنه لا يجوز الحكم مع وجود شك أو تردد .
لهذا وغيره من الاعتبارات حررت رأيي ، وأسأل الله للجميع التوفيق ، وصلى الله على محمد ، وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . صالح بن علي بن غصون.