تراجيديا الموت والمدينة في تجارب تشكيلية مصرية
[wpcc-script type=”7b3b98bfb668cc58357cc40f-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي» : على الرغم من كثرة المعارض الفنية في القاهرة، سواء في قاعات مملوكة للدولة، وتابعة لوزارة الثقافة المصرية، أو القاعات الخاصة التي تروّج لأعمال فنانيها، حيث تختص أغلب القاعات الخاصة بمجموعة من الفنانين دون سواهم.
رغم كثرة المعارض، إلا ان قِلـــة منها يبــــدو عليه أن هناك شيئا بالفعل خلف هذا العمل أو ذاك، بخلاف الأسماء الكبــيرة ـ سنا ـ التي أصبحت تكـــرر تجربتها التي توقفت منذ سنوات طويلة.
ومن خلال كل من معرضي «أديم الأرض» ومعرض «أوكتاجون» يمكن اكتشاف تجارب تحمل الكثير من الصدق الفني، ومحاولة الابتكار والتفكير، من خلال المواد والتقنيات المختلفة، لإضافة الجديد ولو بمقدار، حسب رؤية الفنانين أصحاب الأعمال.
كلا المعرضين ــ أولهما فردي والآخر جماعي ــ تبدو الرؤيا التراجيدية وتتجسد فيهما عبر اللوحات، وما بين موت الجسد الإنساني، وضياع معالم المديــــنة وغرقها بالمعنى الأدق في تفاصيل التشوهات المتواترة، يمكن عقد مقارنة أو وضع مُسمى أعم لهذا الإحساس الطاغي بالموت والفناء، رغم اختلاف الأسلوب والرؤية.
أديم الأرض
في معرضها المقام في كلية الفنون الجميلة في القاهرة، التي اختارت له عنوان «أديم الأرض» تحاول الفنانة أماني فهمي أن تتوسل في تجربتها الجديدة بقصيدة أبي العلاء، وأبياتها الشهيرة: «خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد» و«تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد». لم تكتف الفنانة باستلهام أبيات أبي العلاء، بل إنها تقيم علاقة بين اللوحات والنص نفسه، بأن تتضمن اللوحات العديد من عبارات أبي العلاء، وكأن العبارات نفسها مكتوبة ــ حسب الخامة المستخدمة في اللوحة ــ وكأنها حكمة بليغة فوق شواهد القبور. حالة الزهد في الحياة هذه، أو التساؤل الوجودي عن معنى الرحلة ــ رحلة الإنسان ــ وما يريده ويُعانيه في سبيلها، تحمله كل لوحة، حيث تمثل كل لوحة حالة من حالات الشعور والتفكير. هذه الفجوة التي يقترب منها المتلقي وكأنها فوّهة القبر الذي ينتظره. وعلى الرغم من الحِس التراجيدي إلا أن فكرة اللون نفسها تحمل قدرا من سخرية، فهناك مساحات كبيرة يحتلها اللون الأبيض، وقد يماثل الكفن، أو شدة نصوعه تماثل الوصول إلى المطلق، أو اكتشاف المعنى فجأة، رغم احتواء اللوحة على عدة خامات، بعضها من عناصر التربة والشجر، للإيحاء بملمس اللوحة الخشن، وكأنه بالفعل جزء لا يتجزأ من الأرض/الطبيعة. وهناك تماثل آخر يمكن اكتشافه، هو ما بين الموت والميلاد، رحم الأرض الذي أنجب وأعطى وانتظر العودة. ففي هذه المساحة الصغيرة تكمن الرحلة الإنسانية، وتراجيديتها، طالما أنها نابعة من رؤية تتمثل في كلمات أبي العلاء.
على الرغم من الحِس التراجيدي إلا أن فكرة اللون نفسها تحمل قدرا من سخرية، فهناك مساحات كبيرة يحتلها اللون الأبيض، وقد يماثل الكفن، أو شدة نصوعه تماثل الوصول إلى المطلق
إن أفضل ما يثيره المعرض في المتلقي هو الإحساس بالتساؤل عن جدوى ما نعيشه، أو بمعنى أدق جدوى حروبنا الحياتية، الضالة والتافهة جدا. من ناحية أخرى تجاوزت الفنانة العديد من الأفكار والأساليب السهلة، التي أصبحت في عِداد المراهقة الفنية، والتي قد نجدها عند الكثير من الفنانين، وهي أن ترتمي في أحضان التعابير والادعاءات الصوفية، وما شابه من هذه التهويمات، التي في أغلبها موضة وأكل عيش ليس أكثر، إلا أنها لم تأبه إلا لما تشعر به ونقلته عبر لوحاتها إلى المتلقي، مها كانت الرؤية قاسية وصادمة في الوقت نفسه.
أوكتاجون
تحت اسم «أوكتاجون» ــ الشكل الهندسي ثماني الأضلاع ــ يتشارك 8 فنانين، من مختلفي المدارس والأساليب الفنية، وهم .. عمرو الكفراوي، حازم المستكاوي، إبراهيم الدسوقي، إسلام زاهر، محمد عبلة، محمد رضوان، نجيب معين، وصلاح المر. ومع اختلاف التجارب والقنيات من تصوير ونحت، تأتي بعض الرؤى والأعمال المتميزة، من حيث الأسلوب واللون. سنستعرض بعضا من هذه الأعمال ونبدأ بالمدينة وكيف يراها الفنان الآن، وكيف يمكن أن تكون عنوانا لشاهد كبير يضم موتاها. نرى ذلك في العديد من أعمال الفنان عمرو الكفراوي، حيث تناول المدينة وعالمها وتشوهاتها في عدة معارض أقامها مسبقا، ومن خلال تقنيات ما بعد حداثية يلتقط بعض الصور لبنايات تظن أنها واثقة من وجودها، كما المدينة التي تحتويها، لكن الفنان يرى مدى التشوه الذي أصابها، وجعلها تشيخ في انتظار الموت. المدينة وصخبها واختناقها بالبنايات المتراصة تناولها محمد عبلة أيضا في عدة لوحات، لكن عند عبلة يبدو الأمر أبسط، وكأنه استعراض أكثر منه هما حقيقيا يعانيه ــ كمعظم أعماله ــ وشتان ما بين رؤية كل منهما وإحساسه بالموضوع. فكرة الموت نجدها أيضا في لوحات الفنان إسلام زاهر، فالجسد المُسجى فوق منضدة كلاسيكية ــ لم تعد للزينة أو للتعبير عن فئة مترفة ــ لا ينفصل عنها، ويبدو أن موتا يلاحق هذه الفئة أو مَن ينتمون إليها ــ الأمر لا يتعدّى التأويل ليس أكثر ــ ورغم التقنية وتركيبة اللون، وإضاءة اللوحة، التي توحي بأن المشهد داخل مقبرة، خشونة الملمس وكأنها جدران قديمة، أصبحت تليق بهذا الجسد أكثر، رغم ان ديكوراته البسيطة توحي بأنها مجرد حجرة في المنزل. فلا فارق بين حياة وموت. رغم هذه البساطة، إلا أن أعمال زاهر لا تخلو من بعض الاستعراض أو التقليد لأساليب فنية غربية، لكن الفكرة وتمثيلها في العمل الفني تنجو بالعمل من هذا المأزق قدر الإمكان.