‘);
}
الاستجواب
وردَت للاستجواب في اللغة عِدَّة تعريفات، منها: أنّ الاستجواب: هو مصدر الفعل استَجوَبَ، وهو عبارة عن استخلاصٍ للحقيقة، أو للمعلومات من خلال التحقيق، والمُساءلة بشكلٍ قانونيّ، أو هو فَتْح باب النِّقاش حول قضيّة ما، واستجواب المُتَّهَم يعني: طَرْح الأسئلة عليه، واستنطاقِه؛ للوصول إلى الحقيقة،[١] والاستجواب: هو طلب الإجابة على سؤال ما، فيكون الجواب هو الردُّ على ذلك السؤال،[٢] والاستجواب لغة: مأخوذ من الفعل جَوَبَ، وهو المُراجَعة للكلام، كما أنّ من أسماء الله الحسنى المُجيب: وهو الذي يَردّ على السائل بإجابة دعائه، وإعطائه سُؤلَه، ويُقال فيه أيضاً استجوبَه، واستجابَه، واستجاب له، أي أجابَه، أوأجاب على سؤاله، وتجاوبوا: أي جاوبَ بعضهم بعضاً.[٣][٤]
أمّا اصطلاحاً فيُعرَّف الاستجواب بأنّه: مُناقَشة المُتَّهَم بتفاصيل مُهمَّة بشَأن قضيَّة ما، ومُواجهته بالأدلَّة، أو الشهود بهدف البَتِّ في الاتِّهام المُوجَّه إليه، سواء بالإثبات، أو النَّفْي، ومن خلال هذه المُناقَشة يتمُّ سَماع أقوال المُتّهَم فيما يُنسَب إليه من أفعال، وإعطاؤه الفرصة لدَفْع أوجُه الاتّهام المُوجَّه له، أو اعترافه بالاتّهام المُوجَّه إليه، كما تتمُّ دراسة ما تقدَّم به المُتّهَم من اعتراف، ومُطابَقَته مع الأمور التي تَوصَّل إليها التحقيق، ويُعَدّ الاستجواب طريقة من طُرُق التحقيق التي تُمكِّن من الوصول إلى الحقيقة التي تُثبِت الحقّ في الدعوى،[٢] أمّا فُقهاء القانون، فقد قَسَّموا الاستجواب إلى قسمَين: حقيقيّ: وهو توجيه التُّهمة إلى المُتَّهَم، ومُناقَشته حولها بالتفصيل، ومُناقَشة أيِّ دليل ضِدّه، وحُكْميّ: وهو أن تتمَّ مُواجَهة المُتَّهَم بالمُتَّهَمِين الآخرين، أو الشهود عليه.[٤]
‘);
}
الاستجواب في النِّظام القانونيّ
تعَدَّدت تعريفات الاستجواب في كُتُب القانون، ومنها: أنّ الاستجواب عبارة عن إجراء مُهمٍّ من إجراءات التحقيق، يهدف إلى الوصول إلى حقيقة التُّهمة المُوجَّهة إلى المُتَّهَم، والتوصُّل إلى اعترافٍ يُدينُه، أو ينفي التُّهمة عنه، وهو أحد إجراءات التحقيق، وفيه يتمُّ توجيه التُّهمة إلى المُتَّهَم، ومُواجَهته بالأدلَّة التي تُدينُه، ثمّ تتمُّ مُناقَشته فيها بشكلٍ تفصيليّ، ويُطلَب منه تفنيدها إن أنكرَ التُّهمة المُوجَّهة إليه، ومن خلال الاستجواب، يَعترِف المُتَّهَم بالتُّهمة إن كان مُذنِباً بالفعل، ويُمكِن القول بأنّ الاستجواب وسيلةٌ تُمكِّن المُحقِّق من الوصول إلى الجاني الحقيقيّ، كما أنّه طريقة تُمكِّن المُتَّهَمِين من الدفاع عن أنفسهم، وتفنيدِ جميع الأدلَّة المُوجَّهة إليهم بالتفصيل.[٥]
شروط الاستجواب
للاستجواب شروط يجب مُراعاتها من قِبَل الشخص الذي يُنفِّذه، أو المُحقِّق، وتَتمثَّل هذه الشروط في شَكْل الاستجواب، والضمانات المُتعلِّقة به، وفيما يأتي نَبذةٌ عن كلٍّ منها، وما يَترتَّب على عدم مراعاتها:
شكل الاستجواب
يُمكِن القول إنّه لم يتمّ تحديد شَكْل مُعيَّن للاستجواب من قِبَل القانون، وإنّما تُرِك هذا الأمر إلى الفِقه، والقضاء لتقديره، ومن الأمور التي تمّ اعتِمادها في شكل الاستجواب: أن يكون الاستجواب شفويّاً؛ ويعني ذلك أن يجريَ الاستجواب بشكلٍ شفهيّ بين المُحقِّق والمُتَّهَم، كما يجب أن يكون باللغة الرسميّة للدولة التي يجري فيها؛ حيث إنّه يُعيَّن مُترجِم خاصٌّ للمُتَّهَم إن لم يكن على دراية بلغة الدولة ولا يَفهمُها، وعلى المُترجِم أن يحلفَ اليمين بأن يكون صادقاً فيما يُترجِم، أمّا إن كان المُتّهَم أصمّ أو أبكم، فيتمّ تعيين خبير يساعده لفَهْم ما يُطرَح عليه من أسئلة، ونَقْل ما يودُّ قولَه أمام المُحقِّق، وأمام المحكمة.[٢]
كما يجب أن يُدوَّن الاستجواب للرجوع إليه؛ لأنّ في تدوينه حماية لأطراف الدعوى القائمة، ومَنْع لما قد يحدث للاستجواب من تغيير أو تحريف، وعند تدوين الاستجواب، يجب عدم تَرْك فراغات بين الكلام؛ لمَنْع حَشْو الكلام في الفراغات بعد الانتهاء من الاستجواب، وفي حال إضافة أيّة أسئلة، أو أدلَّة، أو أقوال من المُتّهَم، فإنّه لا بُدّ من أن يُوقِّعَ المُحقِّق، والمُتَّهَم، والكاتب على الاستجواب، إشارةً إلى أنّه تمَّت إضافة أمور جديدة عليه.[٢]
ضمانات الاستجواب
يُعَدّ الاستجواب أمراً مُهمّاً وخطيراً يتجلَّى الهدف منه في الوصول إلى الحقيقة؛ لذلك لا بُدّ من أن يكون هناك ضمانات تتمّ مراعاتها في الاستجواب، وهي للأشخاص الذين يتمّ استجوابهم، حيث يتمّ توفير الظروف المُناسِبة للتحقيق، دون الضغط على المُتّهَم أو التأثير فيه،[٢] ويُمكِن تعريف ضمانات الاستجواب بأنّها: مجموعة الإجراءات التي تُحدِّدها الشريعة الإسلاميّة، والأنظمة التي تَكْفل حقوق المُتَّهَم في مرحلة مُعيَّنة من مراحل التحقيق معه، وعادة ما يترتَّب على مُخالَفة هذه الضمانات بُطلان التحقيق، أو المحاكمة،[٥] ومن هذه الضمانات:[٢]
- عدم جواز تحليف المُتَّهَم اليمين القانونيّة، وقد اختلفت وُجْهات نَظَر التشريعات والقوانين الدوليّة في هذا الأمر، ومن الأمثلة على ذلك:
- أجازت التشريعات الأنجلوسكسونيّة للمُتّهَم أن يجلس في المقعد الخاصّ بالشهود، وأن يدليَ بأقواله بعد أن يحلف اليمين، مثل القانون الإنجليزيّ؛ حيث سمح بأن يتمَّ استجواب المُتَّهَم بعد أداء اليمين، على أن يقول الحقيقة، وإذا حلفَ ولم يقل الصدق، فإنّه يُعرِّض نفسه للعقوبة التابعة لشهادة الزُّور.
- رأت التشريعات اللاتينيّة عدم جواز تحليف المُتَّهَم اليمين عند استجوابه.
- ذَهَب الفِقه والقضاء إلى أنّ تحليف المُتَّهَم اليمين يُعَدّ وسيلة من وسائل الضَّْغط الأدبيّ عليه، وفي الأمر تأثير في إرادته، وأقواله، حيث إنّ حلف اليمين يُحتِّم عليه إمّا أن يُضحِّيَ بنفسه إن وُجِدت بعض الأدلَّه ضِدَّه، أو أن يكذب؛ ولذلك يُعتبَر إكراهاً معنويّاً، والجدير بالذِّكر أنّه حتى وإن وُجِد فيما يقول الشاهد بعض الأقوال ضِدَّه، فإنّه يتمّ استجوابه في جلسة مُنفصِلة تختلف عن جلسة الشهادة.
- يُقيِّد القانون السعوديّ تحليف المُتَّهَم، وذلك بعد أن يُحقِّق المُدَّعي دعواه ويتأكَّد من جِدِّيتها إن كانت التُّهمة في حقوق العباد، أمّا إن كانت في حقِّ الله، كتجاوز حدود الله، مثل: الزنا، وشرب الخمر، فهنا لا يتمّ تحليف المُتَّهَم اليمين، لأنّ في حَلف اليمين إثباتها، والشرع الإسلاميّ يريد الإسقاط وليس الإثبات، أمّا إن كانت التُّهمة هي القَذْف، فيجوز التحليف؛ لأنّ القَذْف من حقوق العباد، وهذا رأي بعض الفُقهاء، في حين رأى أصحاب المذهب المالكيّ أنّ التحليفَ لا يجوز إلّا في القسامة، واللعان، أمّا في السرقة، فقد أجاز كلٌّ من الشافعيّة، والحنابلة، والأحناف تحليف اليمين للمُتَّهَم.[٥]
- حماية المُتَّهَم من الإكراه، حيث صدر قانون عن جمعيّة الأُمَم المُتَّحِدة، يقضي بعدم تعذيب المُتَّهَم، سواء نفسيّاً، أو جسديّاً؛ لإجباره على الإدلاء بأقوال تقتضي بتجريمه.
- إعطاء الحقّ للمُتَّهَم بالصَّمت، حيث يتفرَّع هذا الحقُّ من حقِّه في الإدلاء بأقواله بحُرِّية، ويحقُّ له الصَّمت، ولا يُعتبَر في ذلك أيّ دليل ضدّه، فالأَصْل هو براءة المُتَّهَم ما لم تَثبُت إدانَتُه، وقد استقرَّت أغلب القوانين على هذا الحقِّ.
- إعطاء الحقّ للمُتَّهَم في تعيين محامٍ خاصٍّ به بمُجرَّد أن يصبح مُتَّهَماً بقضيّة ما.
- إحاطة المُتَّهَم بالقضيّة والتُّهمة المُوجَّهة إليه، كما يَتوجَّب على المحاكم أن تضمنَ وجود محامٍ للدفاع عن المُتَّهَم، في حال عدم وجود محامٍ يدافع عنه.
- الإسراع في الاستجواب؛ ليَتمكَّن المُتَّهَم من إثبات براءته، كما يُمكِّن ذلك من الوصول إلى الحقيقة بسرعة، ومُحاسَبة المجرمين، حيث إنّ أقوال المُتَّهَم خلال وقت قريب جدّاً من الجريمة، تكون أقرب إلى الحقيقة.
- عدم اللجوء إلى طُرُق غير مشروعة خلال الاستجواب؛ حيث إنّه من السهل إجبار المُتَّهَم على الإدلاء بأقوال مُعيَّنة، إلّا أنّه من الصعب الوصول إلى الحقيقة بتلك الطريقة.
الآثار المُترتِّبة على مُخالَفة ضمانات الاستجواب
يترتَّب على مُخالَفة الضمانات بُطلان الاستجواب، ويكون هذا البُطلان إمّا نِسبيّاً، أو مُطلَقاً، ويكون البُطلان مُطلَقاً إذا كانت المُخالفة لقاعدة جوهريّة تتعلَّق بالنظام العامّ وليس بمصلحة الخَصْم، فإذا تمَّت مُخالَفة القواعد التي تُحدِّد ولاية السُّلطة القائمة بالاستجواب، فإنّه يَبطُل بُطلاناً مُطلَقاً، أو إذا تمَّ إخضاع المُتّهَم إلى أيٍّ من الأمور التي تُؤثِّر في إرادته، كإكراه مادِّي، أو معنويٍّ، فإنّ الاستجواب يَبطُل بُطلاناً مُطلَقاً أيضاً، ويُمكِن القول إنّه إذا كانت المُخالَفة مُتعلِّقة بصِفة القائم على الاستجواب، أو بسلامة إرادة المُتَّهَم، فإنّ هذه المُخالَفة تُعَدّ مُرتِبطة بالنظام العامّ، وعليه فإنّه يُمكِن للمحكمة البَتُّ في البُطلان تلقائيّاً، حتى وإن لم يصدر عن المُتَّهَم أيّ شكوى، وحتى إن تنازل عنها أيضاً، ويجب أن يكون هناك قرار قضائيّ في البُطلان ليكون له أَثَر.[٥]
أمّا البُطلان النسبيّ، فهو كلُّ بُطلان ليس مُطلَقاً، مثل عدم دعوة محامٍ للدفاع عن المُتَّهَم لأيِّ سببٍ كان، أو عدم تبليغ المُتَّهَم أوإحاطته عِلماً بالاتّهامات المُوجَّهة إليه، ويُمكِن القول بأنّ البُطلان النسبيَّ هو البُطلان الذي لا يتعلَّق بالمصلحة العامَّة، وإنّما يتعلَّق بمصلحة الخصوم، والدفاع عن حقوقهم، ومنه أنّه يجب إعلام المُتَّهَم بأنّ له الحُرِّية في الإدلاء بما يشاء من أقوال، وله الحُرِّية في الاتّصال بمحاميه، وللمحامي الحقُّ في حضور الاستجواب، وإطلاع المُتَّهَم على مَلفِّ الدعوى، كما أنّه يُسمَح للمُتَّهَم بالاتّصال بمحاميه دون رقابة في حال كان موقوفاً.[٥]
المراجع
- ↑“تعريف و معنى استجواب في معجم المعاني الجامع”، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-6-9. بتصرّف.
- ^أبتثجحد. هناء اسماعيل ابراهيم ، استجواب المتهم ونتائجه، صفحة 255-256، 260-266. بتصرّف.
- ↑خالد بن محمد المهوس، الاستجواب الجنائي وتظبيقاته في النظام الإجرائي السعودي ، صفحة 22. بتصرّف.
- ^أبد. محمد بن علي الكاملي (2015)، إشكالات في إجراءات التحقيق الجنائي (الطبعة الأولى)، الرياض- المملكة العربية السعودية: مكتبة القانون والاقتصاد، صفحة 69. بتصرّف.
- ^أبتثجسعيد بن عبدالله الزهراني ، الاستجواب والمواجهة في نظام الإجراءات الجزائية السعودي ، صفحة 29-32، 77، 82، 113-116. بتصرّف.