فاطمة عواد الجبوري
يبحث اللبنانيون عن فرصة أمل بين الركام والخراب ويحاولون التشبث بالمستقبل وإن لم تكن هناك مؤشرات تدفع للتفاؤل. شكّل تكليف نجيب ميقاتي (رجل الأعمال اللبناني) بتكشيل الحكومة بارقة أمل لدى اللبنانيين للتخلص من طوابير الذل وأزمة الكهرباء والخبز والأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان ما بعد تفجير بيروت.
إلا أننا لا نرغب بإعطاء صورة سوداء عن الواقع اللبناني وذلك لإن المواطن اللبناني اليوم يعيش أسواء أيامه منذ الحرب الأهلية واجتياح لبنان في العام 1982 من قبل إسرائيل، إلا أن قول الحقيقة وإن كانت جارحة في بعض الأحيان تدفع للتفكير بحلول أعمق وأكثر واقعية.
إن التوافق على نجيب ميقاتي جاء من خلال رؤوساء الحكومة السابقين من الطائفة السنية، على رأس هؤلاء الرئيس سعد الحريري، الذي بدوره استقال من تشكيل الحكومة بسبب خلافات مع الرئيس عون. من هذا الجانب ما الذي تغيّر؟
لم يتغير شيء، لإن الحريري لن يتنازل عن المطالب السابقة في تشكيل الحكومة وإن كان المكلف بتكشيلها هو نجيب ميقاتي. على الطرف الأخر ونحن نقصد هنا الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل، وهنا أيضا لم تحدثت تغيرات، إذ أن ما لم يمنحه الرئيس عون للحريري لن يمنحه لميقاتي. الثلث المعطل الذي يصر عليه رئيس الجمهورية يعتبر ركنا أساسيا في مطالب رئيس الجمهورية والتي لن يتخلى عنها أبداً.
وإن كان الجميع يصرّ على أن مشاكل لبنان اليوم هي نتيجة عدم وجود حكومة معتمدة تدير الأزمة الاقتصادية وتتواصل مع المجتمع الدولي لتلقي المساعدات، إلّا أننا نرى بأن مشاكل لبنان اليوم هي في مكان آخر وبالتحديد فهي في الانتخابات البرلمانية التي تحضرت لها الأحزاب منذ أشهر مضت.
ففي الوقت الذي تنشغل فيه الأحزاب الرئيسية في البلاد (حزب التيار الوطني الحر، حزب المستقبل، حزب الله وحركة أمل) في معضلة تشكيل الحكومة، يتحرك حزب القوات اللبنانية بفاعلية في المناطق المسيحية والسنية لتحقيق مكاسب في الانتخابات البرلمانية المقبلة. ففي ظل خلاف مع باقي الأحزاب اللبنانية كحزب المستقبل والكتائب والحزب التقدمي الإستراكي، يتوقع حزب القوات انخفاضاً حاداً في عدد المقاعد النيابية في الانتخابات المقبلة. ونذكر مثالا واحدا فقط على المنافسة الشرسة التي تنتظر القوات في كسروان وهي وجود شخصية ك”نعمة أفرام” الذي ترشح عن التيار الوطني الحر ثم ما لبث أن قدم استقالته في 2019 ليبدأ بالترويج لمشروع مستقل. ويخشى القوات من هذه التحركات بشكل كبير.
إن من يدعم القوات هم السعودية والإمارات، وتظن هذه الدول بأن المشاكل المستعصية مع سعد الحريري غير قابلة للحل ولذلك لا بد من الدعم المعنوي والمادي لسمير جعجع والقوات اللبنانية. وسمير جعجع يسعى لتقوية دوره السياسي المستقبلي من خلال الوقوف بعيداً عن مناوشات تشكيل الحكومة وهو ينتقد باقي الأحزاب ويعتبر نفسه خارج الطبقة السياسية الفاسدة (وكأنه لم يكن شريكا في السلطة). يعتبر مشروع جعجع السياسي مشروع معقد للغاية إذ يعمل الرجل على محورين الأول في الانتخابات البرلمانية القادمة وتقوية موقع الحزب على الساحة البرلمانية والثاني مشروع رئاسة الجمهورية وأخذ مكان ميشال عون الذي طالما حلم به.
ولكن السؤال المهم هنا هو لماذا كل هذه المشاريع ولماذا كل هذا الدعم الإماراتي-السعودي؟
الإجابة باختصار هي انخراط جميع الأطراف السابقة في حرب غير تقليدية مع المقاومة، وذلك في محاولات لفصل المقاومة عن القاعدة الشعبية التي تدعمها ومن ثم القضاء على أهم أعداء إسرائيل في المنطقة. ما لا يحتاج إلى توضيح هو أن الدول الخليجية وعلى رأسها الإمارات والسعودية لا تخطو أي خطوة دون أوامر من الولايات المتحدة. والولايات المتحدة منذ العام 1982 لا تتحرك خارج سياق حماية إسرائيل وحفظ تفوقها الإقليمي. ففي كل مرة تتغلب فيها المقاومة على إسرائيل تظهر الولايات المتحدة بمشاريع جديدة تتضمن العقوبات أو الانخراط في مشاريع لتقويض الدول الداعمة للمقاومة. ولا نستغرب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعاني منها دول العراق، لبنان، إيران وسوريا هذه الأيام.
باختصار، قد يكون تكليف نجيب ميقاتي مسكن آلم لجروح اللبنانيين الذين يعانون هذه الأيام يعانون من نقص الدواء والكهرباء والخبز وكل شيء، إلا أن المعادلة أكبر من مجرد تشكيل حكومة. المعادلة تأخذ صوراً متعددة في الانتخابات البرلمانية والتحضير للسيطرة على كرسي الرئاسة وتتم هذه المشاريع (وللأسف) بأيدي داخلية. الهدف من كل هذا هو إخراج لبنان من معادلة الصراع والكرامة وتصوير أزمة لبنان على أنها أزمة اقتصادية بحتة يتم حلها بمجرد تهميش أكثر أحزابه شعبية ومكانة في لبنان ونحن نقصد حزب الله.
بعد كل هذا الكلام، فهل من متعض؟
كاتبة وباحثة عراقية
@fatimaaljubour تويتر
Source: Raialyoum.com