تنوع المدارس الفنية في منجز العراقي عضيد طارق
[wpcc-script type=”c5fb6edc0945dfcc9350a867-text/javascript”]

تتعدد المدارس والرؤى الفنية في منجز التشكيلي عضيد طارق، وفق مسالك جمالية متنوعة، وأساليب تشكيلية تتميز بمقومات فنية، وتفاعليات جمالية مختلفة، سواء على مستوى البناء الفضائي، أو على مستوى التقنيات العالية الموظفة، أو على مستوى الاستعمالات المضامينية، والجهاز المفاهيمي بكل مقوماته.
وتفضي المادة الفنية في مجملها إلى صناعة مجموعة من العلاقات التحاورية، لبسط أنماط تعبيرية مغايرة للمألوف، يؤطرها المبدع بمجموعة من التقنيات والأدوات، وباستعمالات علاماتية. فيبني فضاءات أعماله الواقعية، باعتماد الشخوصات كركيزة بورتريهية، ويروم التعبير وفق نسيج لوني ورمزي وعلاماتي، يتم توظيفه وفق أبعاد وقيم اجتماعية وثقافية وفنية، بمسالك يتوخى من خلالها بسط الصيغ الجمالية المتنوعة، باعتبار واقعية الشخوصات التي تروم السيولة التعبيرية لدى المبدع، ما يجعل من بعض التوظيفات العلاماتية واللونية أدوات أيقونية تفصح عن دلالات ورؤى ومعاني متعددة، وتعبر عن خلجات الفنان وأحاسيسه بسحر فني لائق، بل إنها تضمر في طيها أبعادا فلسفية وقيمية، تتفاعل مع مقومات العمل التشكيلي المعاصر، وتنسجم مع سياقات المجال التعبيري التعددي الذي يشتغل عليه. إنها مساحة كبيرة خصبة تحتوي مجموعة من المدارس والمعارف التشكيلية والمعالم الفنية من الواقعية، وفن البورتريه والتكعيبية، وكلها تندرج ضمن نسيج ثقافي واجتماعي وفني، ورصيد معرفي تشكيلي، يتحكم المبدع في تدبيره بالشكل الأمثل، وإدارته رسما وتعبيرا، ويوظفه بشكل منظم ودقيق، مع الاعتناء بقيم السطح إلى حد كبير. إن أعمال الفنان عضيد طارق، تنطق برؤى فلسفية متناسقة، تؤكدها التعددية الأسلوبية المتفردة، وهي تعكس بشكل جلي ثقافته التشكيلية الموسوعية، واجتهاداته الرصينة المبنية على الموهبة، وعلى أسس فنية قويمة، ما يشكل ارتقاء بالعمل الإبداعي إلى التمرد على الجاهز، وتجاوز المألوف. وعملا بقاعدة النقد التشكيلي، فإن المبدع يعتمد الصياغات اللونية المتنوعة في سياقات منسجمة، يصنع من خلالها مجالا تشكيليا يتأسس على ثوابت تصورية، ورؤى فنية عالمة، فيوزع المادة التشكيلية في مختلف أعماله – بتنوعها وتعدديتها – بين الفراغ الذي يعتبر قيمة فنية تعبيرية في المنظومة التشكيلية المعاصرة، والكثافة. فيتقيد بتصاميم وفق منظور فني معاصر، ما يجعل البعد الجمالي مثقلا بالتعابير والقيم الإنسانية، وتتبدى فيه اجتهادات كبيرة، تربط أعماله ككل بالمادة التشكيلية الصرفة، التي يقاربها بماهية إنتاجاته المتعددة ذات تعابير من عصره، ومواد من بيئته، وبذلك تتخطى أعماله حدود الواقع بالمقاييس التشكيلية، التي يعتمدها كأدوات فنية بنائية، وكمقومات جمالية خالصة، ما يصنف أعماله في خانة صفوة الفنون التشكيلية المعاصرة ذات الطابع الجمالي الصرف. فهو يلامس المادة التعبيرية، سواء من خلال المادة التكعيبية أو الواقعية، أو من خلال فن البورتريه، أو الفيكيراتيف بمؤهلات وكفاءة عالية، ومهارات كبيرة، يحرك بها النسق اللوني، والمجال التعبيري، ويحول المادة من الواقع إلى فلسفة فنية، ثم إلى دلالات أخرى تحرك مشاعر القارئ. بأساليب تحاورية، وأدوات تحولية، وتداخلات قيمية وجمالية.

فمجمل الاستعمالات اللونية منتقاة بدقة عالية وموظفة بانتظام، وهو يروم من خلال كل ذلك صنع مساحة إبداعية أكثر شمولية، وأكثر موسوعية، مرورا بمسالك تشكيلية تقوم على تصوراته الإبداعية، ورؤاه الفنية، ما يفسح المجال لنسج طقوس تعبيرية ذات معنى، بأبعاد جمالية متعددة، وبتوظيف مفردات تشكيلية صرفة، وقيم جمالية، وتنوع في المضامين، لإرساء مقومات العمل الفني المرتكز على أسس بنائية وخزان من الأشكال والألوان، على نحو إبداعي رصين ومعاصر.
إن تشخيص صور واضحة المعالم ورصد مختلف التتابعات الفنية في تحولاتها المرتبطة بالظواهر الاجتماعية والثقافية والفنية؛ يشكل بؤرة فنية وجمالية بقدر من الإسكابات، التي يضفيها المبدع على منجزه، ووصولا إلى إدراك الحقيقة المعرفية التي يتوخاها من خلال العملية الإبداعية، التي تحمل حزمة من المغازي والإيحاءات، والإشارات الرمزية، تقود إلى معان معينة، وترتبط أساسا بسيميولوجية المبدع، وبفلسفته الخاصة في بعدها الصريح المتجانس مع مختلف مقومات التشكيل المعاصر. لهذا تتمظهر أعماله المتعددة المدارس والاتجاهات في مواجهة إيجابية مع القارئ، من خلال المقاربة الإبداعية بالواقع المتنوع المضامين، لذلك تتبدى مملوءة بالمعاني السامية، والدلالات المتنوعة. إنها سمات تغذي أعماله الفنية، فهي تحاكي الواقع الاجتماعي بكل تفاصيله، والواقع الثقافي في مختلف حيثياته، والجمال الفني في أبهى صوره، فيعبّر بشخوصات صادقة وأشكال باسقة وألوان رائقة، حمالة أوجه من المفاهيم ذات مغاز عميقة، ودلالات تشكل رسائل واضحة إلى القارئ.
إن نهج مسالك متعددة الاتجاهات في هذا المنجز الفني يُعد طفرة تقدمية مائزة في التشكيل المعاصر، تعكس احترافية المبدع العالية، وهي تنبثق أساسا من مجاله التعبيري، ورصيده الثقافي والمعرفي التشكيلي، الذي يشكل رصيدا قويا وأرضية خصبة في تدبير إبداعاته الفنية التي تشكل أنموذج الارتقاء والتطور، لا من حيث التقنيات أو الأساليب أو التصورات والرؤى، أو من حيث فلسفة الأعمال ككل، حيث إن تدفق اللون المعاصر، وترادف الألوان والتوليف بين المبنى والمعنى وصنع مجال زماني ومكاني، وفسح المجال للربط بين مختلف التصورات والمفردات الفنية، والعناصر التشكيلية، والمادة التشكيلية في عمقها الفني بنوع من التوازن والتكامل والانسجام؛ يشكل إنجازا فنيا حضاريا معاصرا، يرقى بفن المبدع إلى صفوة الفن المعاصر العالمي، الذي يبحر نحو وجهة جديدة بمقومات حضارية معصرنة، يرصد من خلالها عوالم جديدة، ويؤثث بها لمسالك فنية تفاعلية يمتزج فيها التعبير الرؤيوي بالمنحى السيميائي الذي يروم الرؤية البصرية، وهو بذلك ينسج مساحة فنية عالمية باختيارات غاية في التنظيم والتدقيق والبناء المحكم، وتلك سمة تلوح بوادرها في إبداعاته التي تؤكد حضوره في الوسط التشكيلي المعاصر.
٭ كاتب مغربي
