إيهودا شاؤول* – (مجلة 972+) 3/2/2020

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

كجندي سابق في الجيش الإسرائيلي، أسهمت في فرض نظامين قانونيين منفصلين، وواحد للإسرائيليين وآخر للفلسطينيين. وتريد خطة ترامب أن تجعل هذا الوضع حقيقة دائمة.

  • * *
    في مقابلة مع محطة (سي إن إن)، صرح جاريد كوشنر، أحد مهندسي “صفقة القرن” التي أصدرها الرئيس دونالد ترامب حديثاً، بالقول: “الواقع هو أن إسرائيل هناك (في الضفة الغربية)، ولن يغادروا… أنا لا أنظر إلى العالم كما كان في العام 1967. أنا أنظر إلى العالم كما هو في العام 2020”.
    وقد كررت هذه الملاحظات دعوات كوشنر المتكررة للفلسطينيين إلى التخلي عن تاريخهم وقبول حقائق اليوم الماثلة على أرض الواقع. هذا وحده، كما يقول، هو الذي سيمكِّن الفلسطينيين من المضي قدما نحو مستقبل مزدهر.
    أود أن أحث كوشنر على أن يتابع حقاً ما يدعيه عن رؤية الواقع وأن يقوم بإلقاء نظرة عن كثب على “الواقع” الذي يدعي أنه يراه.
    في الـ181 صفحة التي تتضمن خطة ترامب، لم يتم إفساح أي مجال، ولو لمرة واحدة، للكلمة التي تصف الطبيعة الحقيقية للحالة التي من المفترض أن تعالجها الخطة: “الاحتلال”. هذا المصطلح، على الرغم من كونه جافاً وقانونياً في جوهره، هو الذي يلخص الأعوام الـ52 الماضية بالنسبة لكل فلسطيني يحاول كوشنر وترامب الآن إملاء مستقبله عليه.
    يعرف أي فلسطيني يعيش في الضفة الغربية -سواء في نابلس أو رام الله أو في أي من قرى وبلدات جنوب الخليل أو غور الأردن- معنى العيش مع الآثار الكبيرة والصغيرة للاحتلال العسكري على حد سواء.
    وعلى الرغم من أنني لا أعرف بالضبط كيف يكون العيش تحت الاحتلال، إلا أنني أعرف ما يعنيه القيام بتنفيذ هذا الاحتلال، حيث خدمت كجندي في جيش الدفاع الإسرائيلي في المجتمعات الفلسطينية التي أخضعَتها إسرائيل للحكم العسكري لأكثر من نصف قرن.
    لقد وقفت عند نقاط التفتيش التي تقسم المناطق المختلفة في الضفة الغربية. ودخلت منازل العائلات في منتصف الليل للقيام بعمليات اعتقال، وإجراء عمليات تفتيش، وفي أغلب الأحيان، ببساطة “لخلق شعور لدى السكان الفلسطينيين بانهم مطاردون” -باستخدام اللغة الرسمية لجيش الدفاع الإسرائيلي.
    وقد أطلقت النار بشكل عشوائي على الأحياء السكنية باستخدام مدفع رشاش رداً على إطلاق النار على المستوطنات في الخليل. وفي أي منطقة معينة -وأحياناً في الشارع نفسه- فرضت نظامين قانونيين منفصلين: نظاماً مدنياً يعطي حقوقاً كاملة للمستوطنين الإسرائيليين، ونظاما عسكرياً من دون مواطنة أو أي حقوق أساسية للفلسطينيين.
    هذا هو الواقع السائد على الأرض في العام 2020. وعلى الرغم من زعم كوشنر أنه يرى العالم كما هو، فإن هذا الواقع، الذي يعرفه كل فلسطيني مقيم وجندي إسرائيلي في الضفة الغربية، يبقى غير مرئي بطريقة ما.
    والآن، تأمل خطة ترامب في أن تجعل هذا الواقع حقيقة دائمة للحياة. ومن خلال ضم جزء كبير من الضفة الغربية إلى إسرائيل، ووصف الأجزاء المجزأة المتبقية بـ”دولة فلسطين”، تحاول الخطة الحصول على موافقة المجتمع الدولي على إنشاء بانتوستانات معاصرة جديدة.
    بل إن البيت الأبيض قام حتى بمحاولة تستحق الرثاء لإخفاء تجزئة هذه “الدولة”، كما هي بائنة على خريطته المفاهيمية، من خلال رسم سلسلة من الأنفاق والجسور المحتملة لربط أراضيها المنفصلة المتشظية.
    هذه البنية التحتية، كما تفترض الخطة، ستعوض التقسيم الدائم للضفة الغربية، وحقيقة أن قوات الأمن الإسرائيلية ستحتفظ بسلطة اتخاذ القرارات التي يُسمح للفلسطينيين على أساسها بحرية الحركة كأتباع خاضعين؛ تماماً كما يحدث اليوم، وإنما إلى الأبد.
    لقد نظر نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أيضاً إلى إنشاء البانتوستانات كحل لوضعه الديموغرافي-السياسي. وقد اعتقدوا أن هذه هي الحيلة المثالية للحفاظ، ضمن منطقة واحدة مفردة، على نظام تتمتع فيه مجموعة ما بحقوق مدنية كاملة بينما تعتاد المجموعة الأخرى العيش إلى الأبد بما هو أقل بكثير من ذلك. وقد رفضت جميع دول العالم “نظام” الفصل العنصري ذاك.
    الآن، يريد ترامب إلغاء القوانين والقواعد الدولية الملزمة لإضفاء الشرعية على “حل” الفصل العنصري لإسرائيل وفلسطين. وعلى هذا النحو، لم تكن هناك خطة سلام في البيت الأبيض نهاية الشهر الاضي: لقد أعطى ترامب ببساطة لإسرائيل الضوء الأخضر للتحرك نحو الضم.
    ومع ذلك، ثمة عزاء واحد في عرض واشنطن الديستوبي: لقد تم تحطيم مغالطة “الوضع الراهن”. يجب على المجتمع الدولي أن ينفض عن كاهله الهلوسة الخطيرة التي دفع بها الرئيس الأميركي. ويجب أن ينضم إلى الإسرائيليين والفلسطينيين الذين يكافحون من أجل مستقبل مختلف وأن يساعدوا على إنقاذنا من الفصل العنصري.
    أما إذا لم يأخذ المجتمع الدولي زمام الأمور بيده ويعمل على وقف خطة ترامب، فإن إمكانية خلق واقع من الحقيقة والعدالة والسلام لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين، سوف يتحول، مثل هذه الأرض المقسمة نفسها، إلى دخان.

*كان قائدا في قوات الدفاع الإسرائيلية خلال الانتفاضة الثانية، وهو عضو مؤسس لمنظمة “كسر الصمت”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Jared Kushner does not see the brutal occupation I helped carry out