جسدي عربة دائمة للحرب
[wpcc-script type=”8056ea29c571f5e724e5afc9-text/javascript”]
نما جسدي، وتصلبت عظامه، وصار لي وجه حليق وأنا أدخل الكلية، بانتظار اليوم الذي أصير فيه مهندسًا في بلدية المدينة، وحين صرت في الثانية والعشرين من العمر، صارت بشرتي داكنة، بفعل الشمس القاتمة، وربما كنت نحيلاً بدون أن أدري، كنت متيبس العروق بفعل الجفاف، أما أمّي فهي مريضة الآن، قالوا لها إنها الشيخوخة. ولكنّ أمّي في الأربعين لا غير، وعندما أرسلتني كي أشتري لها من مكتبة بابل كتاباَ للأدعية، تلقفتني الحرب وأنا في طريق العودة، قلت لها وأنا أنظر في عينيها الحادتين كنصل سكين أعمى:
ـ أنا مثل أمّي، لست أحبك!
لم أعرف أنّ الحربَ صمّاء بكماء لا تحسن اللغة، ولا تسمع نباح القذائف، فسحبتني بعنف نحو معسكر التدريب، وهناك وجدت أمّي بانتظاري، قالت لي:
ـ خذ الكتاب بقوة؛ وتذكر أنّ الحرب لا تحسن الدعاء..
في فجر اليوم التالي صار جسدي أقوى، برزت عضلات جسمي، وازدادت عظامي صلابة، قال لي صاحب الحرب:
ـ أنت من المحظوظين؛ لأنّ جسدك يصلح عربة للحرب.
قلت له وأنا أنظر في عينه العوراء:
ـ أنا أكره الحرب!
فصفعتني الحرب بقوة، حتى سقطت في الأرض الحرام، كان جسدي ملوثاً بالدم وبقايا الفضلات، حاولت أن اقوم واقفاً، لكنّ الجندي القتيل الذي بجانبي الأيمن سحبني برفق، وقال لي:
ـ خذ كتاب الأدعية هذا قبل أن تقوم
قلت له وأنا أنظر في عينيه الباسقتين:
ـ أنا أكره الحرب، أريد أن أرجع إلى أمّي..
فقال لي:
ـ عليك أن تقرا بعض الأدعية قبل أن ترجع. هذا ما أوصتني به أمّي.
لم يعــــرف الجنديّ القتيل أنّ كتابه قد احترق وهو في جيبه، أما أنا فما زلت في الحرب، أبحث عن كتاب أدعية أضعه في جيب الجنديّ القتيل، كي تقرّ به عين أمه.
٭ شاعر وقاص من بابل / العراق