وقبل أسبوع، كانت قنبلة “الولد الصغير” قد فجرت في هيروشيما، وتبعتها قنبلة “الرجل السمين” التي ألقيت على ناغازاكي.
وكان هذان الهجومان الأولان والوحيدان اللذان استخدم فيهما السلاح النووي، وأوديا بحياة نحو 200 ألف شخص.
لكن لو تغيرت الأمور قليلا، لكان هناك هجوم ثالث لا يقل ضخامة عنهما، إن لم يكن أكبر منهما.
وبعدما أثبتت القنبلة النووية في ناغازاكي أن الضربة في هيروشيما لم تكن خطأ، استسلمت اليابان في الحرب العالمية الثانية، وتحديدا في 15 أغسطس 1945.
وبثت الإذاعة اليابانية خطابا مسجلا للإمبراطور هيروهيتو يعلن فيه رضوخه لمطالب قوات الحلفاء.
الموت في المختبر
وكانت هذه المرة الأولى التي يسمع فيها اليابانيون على نطاق واسع صوت واحد من أباطرتهم، لكن بالنسبة إلى العلماء النوويين في مختبر “لوس ألاموس” في ولاية نيو مكسيكو كان للأمر أهمية أكبر.
وأدرك هؤلاء أن قلب القنبلة الذرية التي أطلقوا عليها اسم” جوهر الشيطان”، البالغ 6.2 كيلوغرام ومكوّن من البلوتونيوم المكرر والغاليوم لن يكون ضروريا في المجهود الحربي بعد استسلام اليابان، بحسب تقرير لموقع “سيانس أليرت” العلمي الذي استذكر الحادثة في تقرير نشر، الخميس.
وكان من المقرر أن تفجر القنبلة الثالثة فوق مدينة يابانية خلال 4 أيام، ولحسن الحظ ذلك لم يتم.
وجرى الاحتفاظ بأدوات هذه القنبلة في المنشأة الأميركية لمزيد من الاختبارات، وخلالها اكتسبت هذه القنبلة هذا الاسم.
وبينما قتلت وجرحت القنبلتان الأولى والثانية مئات الآلاف من اليابانيين، أصابت لعنة الثالثة العلماء الأميركيين.
ووقع الحادث الأول بعد أقل من أسبوع على استسلام اليابان، وبعد يومين من إلغاء الموعد إلقاء القنبلة الثالثة.
خرق الإجراءات
وكان العلماء يدركون المخاطر التي تحدق بهم بسبب “جوهر الشيطان”، خاصة عندما أجروا تجارب معها، بعضها كان في غاية الخطورة مثل وسيلة قياس مستوى البلوتونيوم إلى مستوى يطلق فيها تفاعل نووي يؤدي إلى انفجار الاشعاع المميت.
وطالت “نيران الوحش النائم” عالم الفيزياء، هاري دغليان.
وفي مساء 21 أغسطس 1945، عاد دغليان إلى المختبر بعد تناول العشاء، ولم يكن معه علماء، باستثناء حارس أمن، وهو ما يعد انتهاكا لقواعد السلامة.
وفي أثناء العمل، أحاط كرة البلوتونيوم بالطوب المصنوع من مادة “كربيد التنجستن”، وهو ما يساعد في الوصول إلى النقطة الحرجة، وبعد أن وضع طوبة وراء أخرى، أظهرت آلة مراقبة النيوترونات الخاصة بالبلوتونيوم كان على وشك أن يصبح فوق الحرج إذا وضع المزيد.
وسحب الطوب بعيدا بشكل مرتبك، وفي أثناء ذلك، وقعت طوبة على الجزء العلوي من الكرة، مما ولد ضوء أزرق وموجة حرارة كبيرة.
وبعدها، بدأ يشعر بالألم في يده، وكانت تلك إشارة بأنه تلقى جرعة قاتلة من الإشعاع، وبسرعة انتشرت التقرحات على يده، وفي النهاية دخل في غيبوبة بعد أيام من الغثيان والألم.
وتوفي بعد 25 يوما. وتلقى حارس أمن كان في المكان جرعة إشعاع لم تكن مميتة.
لكن “جوهر الشيطان” لم يتوقف هنا.
ضربة ثانية
وبعد وفاة دغليان، أجرت السلطات المعنية تغييرات على إجراءات السلامة، لكنها لم تمنع حادثا مميتا في العام التالي.
وفي 21 مايو 1946، كان زميل دغليان، الفيزيائي لويس سلوتين، يجري تجربة مماثلة.
ووقع في خطأ طال قلب قنبلة نووية عندما خفّض قبة البريليوم عليها، وهو ما أدى إلى عكس حركة النيوتورنات في القلب النووي ودفعه إلى المرحلة الحرجة، لكن القبة سقطت على القلب وأدى ذلك إلى نشوء فقاعة بريليوم.
واستدر عالم آخر كان في الغرفة، رايمر شرايبر، عند سماع الصوت، وشعر بالحرارة ورأى وميضا أزرق.
وتعرض سلوتين وسبعة آخرون كانوا في المكان بينهم المصور وحارس أمن إلى إشعاع، لكن سلوتين هو الذي قتل من جراء الحداث.
وبعد نوبة أولية من الغثيان والتقيؤ ، بدا في البداية أنه يتعافى في المستشفى ، ولكن في غضون أيام كان يفقد الوزن ويعاني من آلام في البطن ، وبدأت تظهر عليه علامات الارتباك العقلي.