وفاة الدكتور مصطفى سعيد الخن 23 محرم 1429هـ(2008م):
هو العالم المربي، وشيخ علم أصول الفقه في بلاد الشام مصطفى بن سعيد بن محمود الخن، الشافعي، الميداني، الدمشقي، ولد سنة 1923م بدمشق في حي الميدان من أسرة دمشقية عريقة، كان لها منذ عهود العمادة والمرجعية في الميدان كله.
نشأ الشيخ مصطفى الخن في كنف والديه في جو أسري يسوده الصفاء والهيبة والاحترام، وألحقه والده بالكتاب، ثم ألحقه بمدرسة الجمعية الغراء الابتدائية، ثم انتقل بعدها إلى المدرسة الرسمية في الميدان.
وفي عام (1350هـ -1931م) اكتشف شيخه محمد زرزور علائم النجابة والأهلية عند مصطفى الخن، الذي كان أحد التلاميذ المنتسبين إلى مكتبه لتعلم القرآن والخط والحساب؛ واصطحبه شيخه إلى دروس الشيخ حسن حبنكة في جامع منْجك، ثم التحق الشيخ الخن بمدرسة الشيخ حسن حبنكة بالقسم المسائي، وأعجب به شيخه حسين خطاب؛ لما لمس عنده من مخايل الحفظ والذكاء، ونقل إعجابه إلى الشيخ حسن، فأوصى به خيرًا.
ولم تمض مدة حتى حبب إلى التلميذ النجيب طلب العلم، فقرر الانتقال إلى القسم الصباحي.
سيرته العلمية
شب مصطفى الخن في جامع منجك، وغدا طالبًا مجدًّا نشيطًا، متعلمًا في الصباح، ومعلمًا في المساء، ثم انتقل الأستاذ مصطفى للتدريس في مدرسة الناشئة التابعة لمعهد التوحيد الإسلامي فأسهم الجمع بين مهمتي التعلم والتعليم في صنع الشخصية العلمية للشيخ مصطفى الخن، وكان لتوجيه الشيخ حسن حبنكة الأبوي التربوي أثر كبير في التناغم والتآلف والتكامل بين المهمتين.
لقد شارك الشيخ مصطفى في مختلف العلوم الشرعية، ولكنه تخصص في النهاية، وتميز بعلم أصول الفقه، وبعلوم العربية.
وفي مطلع عام (1369هـ -1949م) وصل الشيخ مصطفى إلى القاهرة وانتسب لجامعة الأزهر وقبلوه في السنة الثالثة من كلية الشريعة، ثم حصل على الليسانس بتقدير ممتاز.
وقد تعرف الشيخ على عميد كلية الشريعة د.عيسى منون، ود.عبدالله موسى، ود.مصطفى عبدالخالق، وأخيه د.عبدالغني عبدالخالق، وأفاد منهم كثيرًا في تخصصه، كما تزود بثقافة إسلامية عالمية، ومنهجية واضحة الطريق والهدف، ومسلك تربوي رصين الفكرة والتطبيق.
عاد الشيخ بعدها إلى دمشق وعمل مدرسًا حتى حصوله على شهادة الدكتوراه بموضوع «أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف العلماء».
وفي أثناء ذلك اشتغل بالتدريس في كلية الشريعة بجامعة دمشق محاضرًا، بين عامي (1375هـ – 1382هـ)، وأعير لكلية الشريعة واللغة العربية، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في الرياض، مدرسًا، بين عامي (1382هـ ـ -1386هـ).
عين بعدها مدرسًا ورئيسًا لقسم العقائد والأديان في كلية الشريعة، بالإضافة إلى تعيينه مدرسًا في كلية التربية بجامعة دمشق، وبقي في الجامعة حتى سنة ( 1404 هـ = 1983م )، وأسهم إذ ذاك في تأليف الكتب الجامعية منها: التفسير العام، وفقه المعاملات، ومبادئ العقيدة الإسلامية.
وبعد إحالته إلى التقاعد سافر الشيخ إلى المملكة العربية السعودية للمرة الثانية، فعمل مدرسًا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم عين أستاذًا في كلية التربية للبنات، وعضوًا في المجلس العلمي لجامعة الإمام، وبقي حتى عام (1413هـ=1992م)، وأشرف في هذه المدة على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه.
وعاد الحنين بالشيخ إلى دمشق مجددًا؛ ليصبح بيته مقصد طلاب العلم والمحبين ودرس بقسم الدراسات العليا التابع لجامعة أم درمان بدمشق، ومركزه مجمع أبي النور التعليمي، كما درس بقسم التخصص التابع لمعهد الفتح الإسلامي، وتدريس مادة أصول الفقه لطلاب السنوات الثلاث في الكلية.
وشهدت غرفته الخاصة في جامع الدقاق تاريخًا حافلًا بنشاط علمي غزير، تحتوي على مكتبة زاخرة بأمهات الكتب. ومن روادها: الشيخ عبدالعزيز الرفاعي، د.محمد سعيد رمضان البوطي، الأستاذ محمود المارديني، ود.موفق دعبول.
من مؤلفاته
بدأ الشيخ مصطفى الخن الكتابة في وقت مبكر، فكان تحصيله وافرًا، وكان صدره يتسع للمشاركة مع غيره من الأقلام، تأليفًا وتحقيقًا، وكان منها ما هو خاص به
ومن مؤلفاته الخاصة :
– أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء.
– عبد الله بن عباس – حبر الأمة وترجمان القرآن.
– دراسة تاريخية للفقه وأصوله – والاتجاهات التي ظهرت فيهما.
– الحسن بن يسار البصري – الحكيم الواعظ الزاهد العالم.
– الأدلة التشريعية وموقف الفقهاء من الاحتجاج بها.
– أبحاث حول أصول الفقه الإسلامي (تاريخه وتطوره).
– الكافي الوافي في أصول الفقه الإسلامي.
ومنها ما هو مشترك مع غيره من العلماء.
المؤلَّفات المشتركة:
1 – نزهة المتَّقين شرح رياض الصَّالحين من كلام سيِّد المرسلين)، وقد شارك بالتَّأليف: الدكتور مصطفى البغا، و الدكتور محيي الدين مستو، و الأستاذ علي الشربجي، والأستاذ محمد أمين لطفي.
2 – الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي)، وقد شارك بالتَّأليف: الدكتور مصطفى البغا، و الأستاذ علي الشربجي.
3 – العقيدة الإسلامية : أركانها- حقائقها- مفسداتها، وقد شارك بالتَّأليف: الدكتور محيي الدين مستو.
4 – الإيضاح في علوم الحديث والاصطلاح ، وقد شارك بالتَّأليف: الدكتور بديع اللحام.
وفاته:
توفي الشيخ (23 من المحرم 1429هـ، 1 فبراير2008م)، في جامع العلامة الشيخ حسن حبنكة الميداني، وخطيب الجامع يخطب على المنبر، ليكون الذكر الحكيم آخرَ ما يطرق سمعه في دنياه، وأنعم بها من خاتمة ونهاية تكون في أحب بقاع الأرض إلى الله فرحمه الله ورفع درجته مع النبيين والصديقين والشهداء والعلماء العاملين.