وفاة الشيخ الدكتور عبد العظيم المطعني 27 رجب 1429 هـ ( 2008 م )
الدكتور عبد العظيم المطعني علم من أعلام الأزهر، و نجم من نجومه الساطعة، فارس من فرسان الأمة المخلصين، ولسان من ألسنتها الناطقة، وعقل من عقولها المفكرة، الذين حملوا لواءها بكل صدق وحب وأمانة وتفان في خدمة لغة القرآن الكريم والدفاع عن الإسلام والمسلمين.
ساهم إسهاماً كبيراً في صد الغارات الفكرية والثقافية الوافدة، والرد على العلمانيين والحداثيين وتلامذة الاستعمار، كما شارك أيضاً في كثير من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية عبر مسيرة امتدت أكثر من نصف قرن من الزمان.
خاض عشرات المعارك دفاعاً عن الإسلام وثقافته وحضارته حيث كان له جدالات كثيرة مع رؤوس التطرف العلماني في مصر.
إنه يمثل رحلة طويلة في العمل الإسلامي والأكاديمي والكتابة المعتدلة و المشاركة الصحفية والإذاعية والفضائية التي مثَّلت منهجًا فريدًا في دقّة التناول ووسطية الطرح ورقي الأسلوب.
مولده ونشأته
الشيخ الدكتور عبد العظيم بن إبراهيم بن محمد المطعنى ولد بتاريخ 15 مايو1931م، في قرية المنصورية مركز كوم أمبو محافظة أسوان أقصى جنوب صعيد مصر.
وحفظ القرآن الكريم في الكتاب، وفي أثناء الزيارات التي كان يقوم بها علماء الأزهر والأوقاف يجوبون فيها أرجاء القطر المصري للتعليم والوعظ والإرشاد وجد أحد الشيوخ الأزهريين في الطفل عبد العظيم نباهة وحبًّا للعلم؛ قلَّ أن يوجد لدى أقرانه، فنصحه بالالتحاق بالأزهر الشريف، وبالفعل سافر إلى القاهرة في الأربعينيات ولكن فاته امتحان القبول للتأخر عن الوقت، فصمَّم على عدم العودة إلى القرية مرةً أخرى.
وبدأ الدراسة عن طريق جلسات الاستماع التي يقيمها العلماء ولكنهم لا يمتحنون من يستمع إليهم؛ فهي دراسة حرة، مما هيَّأ الطالب أكثر للدراسة والاستيعاب، والتحق رسميًّا في العام التالي، وبدأ المشوار العلمي، وحصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية وكان في كل عام ينجح بتفوق ملحوظ ثم التحق بمعهد القاهرة الثانوي الأزهري وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات متواصلة وتخرج منه في بداية الستينيات.
دراسته في جامعة الأزهر
في عام 1962 التحق بكلية اللغة العربية في جامعة الأزهر الشعبة العامة وتخرج فيها عام 1966، والتحق بالدراسات العليا في الكلية قسم البلاغة والنقد قدم فيها بحثا للحصول على درجة التخصص الماجستير وكانت بعنوان “سحر البيان في مجازات القرآن” وحصل عليها بتقدير ممتاز.
ثم حصل على درجة الدكتوراه وكان موضوع أطروحته للعالمية “خصائص التعبير في القرآن الكريم.. سماته البلاغية” وقد نجح فيه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى
وفي عام 1974 عين مدرسا في كلية اللغة العربية بالأزهر، وفي عام 1981 حصل د. عبد العظيم المطعني على درجة الأستاذية في البلاغة والنقد.
مسارات جهاده العلمي والدعوي
كان الدكتور المطعني من علماء الأزهر القلائل الذين لم يقتصروا علي طريقة واحدة في تبليغ دعوتهم، فقد كان يحاضر، ويدرس، ويكتب الكتب، ويكتب في الصحافة مثل الأهرام والنور وآفاق عربية والمساء، كما كان ضيفا ً ثابتًا علي برنامج إذاعة القرآن الكريم، وضيفا بين الحين والآخر في بعض القنوات الفضائية الإسلامية.
وهو يختلف عن غيره من علماء الأزهر، فهو عالم موسوعي يهتم بالقضايا المعاصرة، ويشتبك مع واقع مجتمعه وآفاته، كما يهتم بالعلوم الأكاديمية وخاصة العلوم البلاغية وتفسير القرآن الكريم .
ولذلك كانت كتاباته شديدة التنوع والثراء، وتجمع بين الواجب الشرعي والواقع العملي، كما كانت مسارات جهاده العلمي تتمثل في:
1- الندوات والمؤتمرات المشتبكة مع القضايا الإسلامية.
2- الاشتباك مع أعداء الفكرة الإسلامية من العلمانيين وغيرهم من أصحاب الملل الأخرى.
3- مواجهة شبهات المشككين ببيان حقائق الإسلام المشرقة المنيرة.
4- الفتاوى المشتبكة مع ثوابت الأمة.
5-التدريس الجامعي والإشراف العلمي.
6- التأليف المتخصص في البلاغة
إطلالة على بعض كتبه
في كتابه “افتراءات المستشرقين على الإسلام.. عرض ونقد” يكشف المطعني عن أربعين طعنًا من طعون المستشرقين، وناقش شبهاتهم وكشف عن زيفهم ، فبعد أن فشلت الحروب الصليبية في النيل من الإسلام، وضعت أوروبا عدة بدائل للقضاء على هذا الدين، إن أمكن، أو تحجيمه في دائرة ضيقة وتشويه حقائقه، وكان من أبرز تلك البدائل، التبشير ضد الإسلام، ثم الاستشراق والمستشرقين، وهم تلاميذ المبشرين حيث ارتدت دعاوى الاستشراق رداء العلم المجرد والبحث عن الحقيقة وانطلت بعض دعاواهم على السذج في أرض المسلمين، وإمعانًا في الزيف والتشويه، يقولون كلمة حق ثم يتبعونها بالأباطيل والطعن في الإسلام وقلب الحقائق حتى تنطلي الأكاذيب.
وفي كتابه “سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله، والعلاقات الإنسانية منهاجًا وسيرة”.أوضح المطعني سماحة الدعوة إلى الإسلام بالوسائل السلمية، بعدما أشاع أعداء الدين الحنيف أنه دين دموي وإرهابي، ولا يقبل من الأمم والشعوب الأخرى إلا واحدة من اثنين: إما أن يسلموا أو أن يقتلوا، وهذه أكاذيب والإسلام بريء منها.. بل على العكس، فإن ما يقومون به هو الإرهاب بعينه، والدليل ما حدث في البوسنة والهرسك والهند والصومال وفلسطين والعراق وغيرها من البلاد، مستخدمين الأسلحة الفتاكة؛ لتدمير بلاد الإسلام وإهلاك المسلمين، فاستباحوا لأنفسهم هتك الأعراض واغتصاب النساء وقتل الأطفال وهدم المساجد مستخدمين ما دأبوا عليه من إلصاق التهم والمفتريات بالإسلام والمسلمين.
لقد شرح المطعني سماحة الدعوة في القرآن الكريم في العهد المكي، ثم في العهد المدني، ثم حرية الاعتقاد، ويسرد سماحة الدعوة في النشاط النبوي، ثم في السنة القولية والسنة العملية، ثم بيَّن متى ولماذا شرع القتال في الإسلام، وضوابط ممارسة القتال وأخلاقياته، وماهية العلاقة بين المسلمين وغيرهم، مع مراعاة التركيز والإيجاز ووضوح الدليل على سماحة الإسلام وقوة الاستدلال عليها.
مؤلفاته :
أثرى الدكتور المطعني المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والتي عم نفعها في مجال الفكر الإسلامي والفقه واللغة والبلاغة، بأكثر من 40 كتابًا من مؤلفاته القيمة
ففي مجال البلاغة وإعجاز القران الكريم صدر له عدة كتب منها:
– المجاز في اللغة والقرآن الكريم بين الإجازة والمنع.. عرض وتحليل ونقد”.
– «خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية».
– ساعة مع القرآن العظيم : دراسة موجزة في أساليب القرآن البيانية.
– «من قضايا البلاغة والنقد».
– و«البديع من المعاني والألفاظ».
– علم البيان ، التشبيه البليغ هل يرقي إلي المجاز؟.
– التشبيه والتمثيل بين الإمام عبد القاهر والخطيب.
– علم الأسلوب في الدراسات الأدبية.
– من أسرار النظم القرآني في سورتي الفتح والواقعة.
– دراسات جديدة في إعجاز القران.
– لطائف وأسرار الرسم العثماني للمصحف الشريف.
– المجاز عند ابن تيميه وتلاميذه بين الإقرار والإنكار.
– وكان آخر ما خطت يداه في هذا المجال كتاب بعنوان «التفسير البلاغي للاستفهام» في أربعة أجزاء.
وفي مجال الفقه والدعوة والثقافة الإسلامية ترك وراءه:
– «الفقه الاجتهادي الإسلامي بين عبقرية السلف ومآخذ ناقديه.
– «الجائز والممنوع في الصيام».
– ملاحظات موضوعية حول فتوى إسلام المرأة دون زوجها وهل يفرق بينهما؟.
– مناسك الحج والعمرة علي ضوء المذاهب الأربعة.
– تغيير المنكر في مذهب أهل السنة والجماعة : دعامة الفقه الإسلامي المعتدل.
– نقل الأعضاء البشرية بين الجواز والمنع.
-العلمانية وموقفها من العقيدة والشريعة.
– المرأة في عصر الرسالة بين واقعية الإسلام وأوهام المرجفين.
– حقوق المرأة والطفل بين الإسلام والوثائق الدولية.
– الفراغ وأزمة التدين عند الشباب المعاصر.
– أدب الإسلام في السياسة و الرياسة.
– الخطأ و الصواب في كتابات النجار عن التنمية في مصر.
– تدابير الأمن في الإسلام.
– ” توفيق الحكيم ” في حديثه مع الله ومدرسة المتمردين علي الشريعة.
– مبادئ التعايش السلمي في الإسلام منهجا وسيرة.
– الشفاعة حق لا ريب في الرد علي منكر الشفاعة (الدكتور مصطفي محمود)
– الهمزية في مدح خير البرية رائعة البوصيري عرض وشرح وتحليل.
و في إطار رد الشبهات عن الإسلام وأهله فكتب:
– مواجهة صريحة بين الإسلام وخصومه.
– افتراءات المستشرقين علي الإسلام عرض ونقد.
– عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين.
– أوروبا في مواجهة الإسلام.
– سماحة الإسلام في الدعوة إلى الله والعلاقات الإنسانية.
– الإسلام في مواجهة الأيدلوجيات المعاصرة.
– التبشير العالمي ضد الإسلام أهدافه وسائله طرق مواجهته.
– استدراكات مراد هوفمان علي الإسلام عرض وتقويم.
– أسباب زواج النبي بأمهات المؤمنين ومواجهة افتراءات المغرضين.
– الإسلام في مواجهة الاستشراق العالمي.
– أخطاء وأوهام في أضخم مشروع تعسفي لهدم السنة النبوية.
– المشروع الإسلامي البديل لوثائق الأمم المتحدة.
– الحداثة سرطان العصر أو ظاهرة الغموض في الشعر العربي الحديث.
– مصادر الإبداع بين الأصالة والتزوير.
– أبي آدم قصة الخليقة بين الخيال الجامح والتأويل المرفوض.
– المسيحيون والمسلمون في تلمود اليهود غرائب وعجائب.
– جوانيات الرموز المستعارة لكتاب أولاد حارتنا، أو نقض التاريخ الديني النبوي.
– هذا بيان للناس : الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية.
– جريمة العصر : ” قصة احتلال المسجد الحرام، رواية شاهد عيان”.
– لماذا لابد من دين الله لدنيا الناس؟.
وفاته:
بعد رحلة عمر حافلة بالعطاء رحل الشيخ الدكتور عبد العظيم المطعني في يوم الأربعاء 27 من شهر رجب 1429 هـ، الموافق 30 من يوليو 2008م، عن عمر ناهز 77 عاما و ذلك في مستشفي المقاولون العرب بالقاهرة، وتمت الصلاة عليه في مسجد النور بالعباسية، ولا نجد أحسن من الدعاء له أن يتغمده الله تعالي برحمة واسعة كفاء ما جاهد بفكره وعلمه وقلمه ولسانه في سبيل الإسلام والمسلمين.