وفاة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع 14 رجب 1385 هـ (1965م):
يعد الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع أحد أبرز رواد التعليم الديني على مستوى السعودية وقطر والجزيرة العربية، كان رحمه الله رحالة عصره في طلب العلم والاستزادة منه من مصادره المتنوعة فقد جمع في تكوينه العلمي بين أربعة مدارس علمية هي نجد ومصر والشام والعراق.
كان رحمه الله أحد أبرز علماء عصره، ومسيرته حافلة بالعلم والمعرفة والتدريس ومكافحة التنصير، ويصدق عليه الوصف أنه كالغيث أينما حل نفع، وهذه صفة العلماء الحريصين على أداء رسالة العلم ونشره فقد بارك الله في أعماله في البحرين وقطر والسعودية وقد بارك الله في أوقات حياته لنفع الخلق، ونشر العلم تعلما وتعليما وإفتاء وتدريسا ونشرا للكتب النافعة.
نشأته :
اسمه : محمد بن عبد العزيز بن محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن مانع الوهبي التميمي النجدي.
وُلد في عنيزة ـ المدينة الشهيرة بالقصيم ـ عام 1300هـ، فلما بلغ السابعة أدخله والده كُتَّابًا ليتعلم القرآن، وكان والده مريضًا إذ ذاك، وهو قاضي بلدة عنيزة وإمامها وخطيب جامعها الكبير، وبعد مدة قصيرة توفي والده.
فقرأ القرآن، ثم اشتغل بطلب العلم، فقرأ مختصرات العلوم الشرعية والعربية – ككتاب التوحيد، ودليل الطالب، وبلوغ المرام، وشرح الشنشوري على الرحبية، والآجرومية على علماء عنيزة وبريدة.
يروي الشيخ “محمد المانع” -رحمه الله- عن بداياته في طلب العلم، قائلاً: “لما توفي والدي كنت صغيراً فقالت والدتي اذهب إلى تلميذ جدك وشيخ أبيك الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم” في بريدة فاقرأ عليه، قال فذهبت إليه في بريدة فرحب بي وأكرمني واعتبرني كأحد أبنائه، ولازمته حتى توفي -رحمه الله-، وكنت في سن الشيخ عمر بن الشيخ محمد بن سليم فكنا نتنافس أينا يسبق الآخر في أخذ حذاء الشيخ محمد بن سليم فيقدمها له عند خروجه من المسجد”.
وكان الشيخ “المانع” كثير التحدث عن شيخه الشيخ “محمد بن عبد الله بن سليم” ومجالسه وسعة علمه وورعه، وكان يصفه بالبحر.
رحلاته في طلب العلم
لما بلغ الثامنة عشر من عمره عام 1318 هـ سافر إلى بغداد واتصل بالعلامة السيد محمود شكري الألوسي فقرأ عليه وعلى ابن عمه السيد علي بن السيد نعمان أفندي الألوسي وقرأ على غيرهما من مشاهير العلماء ببغداد فقرأ في النحو والصرف والفقه والفرائض والحساب ،و ظل في بغداد أربع سنوات.
ثم توجه إلى مصر 1323 هـ فأقام في الأزهر مدة قرأ فيها الروض المربع شرح زاد المستقنع وبعضاً من شرح دليل الطالب وقرأ النحو والعلوم السائدة في الأزهر على الشيخ محمد الذهبي أحد المدرسين برواق الحنابلة. واتصل ببعض علماء ذلك العصر كالشيخ: محمد عبده والشيخ رشيد رضا وغيرهما، و جلس في مصر إلى سنة 1328 هـ.
ثم سافر إلى دمشق الشام ولازم الشيخ جمال الدين القاسمي وسمع عليه صحيح البخاري وحضر دروس الشيخ بدر الدين الحسني محدث الشام التي كان يلقيها بالجامع الأموي وحضر دروس العلامة الشيخ عبد الرزاق البيطار.
ثم رجع إلى بغداد ولازم القراءة على العلامة محمود شكري الألوسي فقرأ عليه كثيراً من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وقرأ عليه في المعاني والبيان والبديع كثيراً من الرسائل المختصرة في هذه الفنون وقرأ عليه شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وشرح السيوطي وقرأ “مجيب الندا شرح قطر الندى” للفاكهي وشرح العقائد الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية وقرأ عليه بعضاً من تفسير البيضاوي وقرأ إيضاح المبهم من معاني السلم للدمنهوري ومغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام.
وقرأ على الشيخ عبد الوهاب أفندي النائب أمين الفتوى في بغداد في بعض كتب آداب البحث والمناظرة، وقرأ على الشيخ عبد الرزاق الأعظمي دليل الطالب في الفقه الحنبلي وشرح الأزهرية في النحو في المدرسة المرجانية، وقرأ على السيد يحيى بن قاسم الوتري المدرس في المدرسة الأحمدية في بغداد شرح العلوي على السلم وحاشية زين الدين المرصفي على شرح المقولات العشر وشرح نظم الورقات في أصول الفقه.
ثم رجع إلى بلده مدينة عنيزة سنة 1329هـ وقرأ على قاضيها الروض المربع شرح زاد المستقنع وغير ذلك
ثم توجه إلى بلدة الزبير من أعماق العراق سنة 1330هـ وقرأ على الفقيه الحنبلي المشهور في بلدة الزبير محمد العوجان في الفقه الحنبلي والفرائض والحساب.
حياته العملية
في البحرين
عمل الشيخ “محمد المانع” -رحمه الله- في مجال مكافحة التنصير في البحرين إبان النفوذ البريطاني في الخليج، بدعوة من التاجر النجدي المعروف “مقبل الذكير” عام 1331هـ، والذي فتح مدرسة النادي الأدبي الإسلامي لمقاومة حركة التنصير التي يقودها القس زويمر على أطراف منطقة الخليج العربي، لما رأى في الشيخ ابن مانع من الحرص على الذود عن حياض الإسلام وغزارة علمه وتنوع مصادر ثقافته.
كما كتب الشيخ المانع لمجلة المنار المصرية مقالا بعنوان “دعاة النصرانية في البحرين وبلاد العرب” تحت اسم مستعار هو (سائح ناصح) وكان يرأس تحريرها الأستاذ رشيد رضا، وكان المقال يستعرض الدوائر التنصيرية التي تتربص بالمجتمعات الخليجية بدءاً من البحرين وسجل فيه تحذيرات من الخطر المحدق وما يجب حياله.
حضر الشيخ المانع من البصرة إلى البحرين حاملاً معه خبرة أساتذته في مقاومة التبشير الذين تتلمذ على أيديهم في مصر والعراق والشام، وتسلم الشيخ منصبه كمدير للنادي الأدبي الإسلامي بمجرد وصوله، وعرض “مقبل الذكير” على الشيخ “محمد المانع” أن يجعل له مدرسة للتعليم الإسلامي تكون ملحقة بالنادي الإسلامي، وكان النادي مقابل مكتبة الإرسالية الأمريكية في سوق المنامة، وجلس الشيخ المانع في البحرين قرابة 4 سنوات.
في قطر
وفي عام 1334هـ طلبه حاكم قطر الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني، فرحل إليه، ليقوم بالإشراف على القضاء في الإمارة ونشر العلم والتعليم فيها، فسعى فور وصوله إلى إنشاء «المدرسة الأثرية» التي تخرج فيها جملة من رجال القضاء والتعليم والعديد من الشعراء والأدباء.
تولى الشيخ المانع خلال ثلاث وعشرين سنة قضاها في قطر القضاء والتدريس والخطابة والفتيا وتزوج في قطر وأنجب أبناءه الثلاثة الشيخ عبد العزيز وأحمد وعبد الرحمن، ورحل إليه الطلاب من سائر بلدان الخليج، وأخذوا عنه أثناء هذه الفترة الطويلة خاصة من خلال المدرسة الأثرية التي كان يديرها.
المدرسة الأثرية
أسسها العلامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع برعاية الشيخ عبد الله بن جاسم آل ثاني رحمه الله.
وقد استمرت هذه المدرسة تؤدي رسالتها من عام 1913م إلى عام 1938م وكان من رعيلها الأول الشيخ عبد الله بن تركي السبيعي، والشيخ عبد الله الأنصاري، والشيخ فالح بن ناصر، والشاعر محمد بن عثيمين، والشاعر أحمد بن يوسف الجابر، وقاسم بن درويش فخرو، ومبارك بن سيف الناخي من الشارقة، وفيصل بن عبد العزيز آل مبارك، والشيخ فالح بن ناصر آل ثاني، والشيخ ناصر بن خالد آل ثاني رحمة الله عليهم جميعا و غيرهم كثير.
وكان لهؤلاء أثرهم الواضح في سير الحركة التعليمية والثقافية والأدبية في البلاد، وقد استمر الشيخ ابن مانع في أداء رسالته في خدمة العلم والشريعة إلى عام 1358 هـ حيث غادر قطر عائدا إلى المملكة.
في السعودية
قدم الشيخ إلى الأحساء في عام 1358 هـ لزيارة بعض أصدقائه ومحبيه، فالتقى بالشيخ عبد الله السليمان وزير المالية ذلك الوقت، وأشار عليه بالقدوم على الملك عبد العزيز فذهب للرياض وقابله وأكرمه، ثم عينه مدرسا في المسجد الحرام، فكان يدرس بعد صلاة المغرب والفجر وكان من تلاميذه عبد الله بن زيد آل محمود و علي الهندي و عبد العزيز بن ناصر الرشيد وغيرهم.
ثم عينه الملك عبد العزيز رئيسًا لثلاث هيئات، هيئة تمييز الأحكام الشرعية وهيئة الأمر بالمعروف، وهيئة الوعظ والإرشاد في الحرمين، فكان رئيسًا لهذه الدوائر الثلاثة في آن واحد مع عمله بالتدريس في المسجد الحرام.
وفي عام 1364هـ صدر مرسوم ملكي كريم بتعيينه مديرًا عامًا للمعارف، ثم أسند إليه رئاسة دار التوحيد بالطائف عام 1366 هـ، وما زال مديرًا للمعارف حتى شكلت وزارة المعارف سنة 1373 هـ ، وأسندت وزارتها إلى سمو الأمير فهد بن عبد العزيز خادم الحرمين، وصار الشيخ بن مانع مستشارا برتبة وكيل وزارة إلى عام 1377هـ.
إلى قطر ثانيا
وفي عام 1377هـ طلبه حاكم قطر حينذاك الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني من حكومة المملكة، فرحل إلى قطر وصار مشرفًا على سير التعليم فيها وإصلاح مناهجه.
أقام في قطر فصار هو المستشار لحكومتها في الأمور الدينية، فحصل من ثمرة هذه الثقة به أن قامت الحكومة القطرية الكريمة برعاية الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني بطبع أكثر من 90 كتابا من الكتب العلمية النافعة بمشورة الشيخ المانع وتحقيقه وتعليقاته، كانت هذه الكتب في التفسير والحديث والتوحيد والفقه والأدب، وكان توزيعها على أهل العلم بالمجان.
تلاميذه
درّس الشيخ خلال تنقله في دول المنطقة عددا كبيرا من الطلاب الذين لازموه سواء في بلده عنيزة أو في البحرين أو بعد ذلك في قطر، أو في الحرم المكي.
وقد بارك الله في وقته، وتخرج على يديه طلبة كثيرون من أبرزهم: الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي علاّمة القصيم، الشيخ عثمان بن صالح القاضي، الشيخ محمد بن عبد الله بن مانع – ابن عمّه -، الشيخ عبدالله بن عمر بن دهيش – رئيس المحكمة الكبرى بمكة -، الشيخ “عبدالله بن زيد المحمود -رئيس محاكم قطر-، الشيخ “عبدالله بن إبراهيم الأنصاري” -مدير الشؤون الدينية في قطر-، و الشيخ قاسم بن درويش من أعيان قطر، والشيخ “عبدالعزيز بن حسن بن عبدالله آل الشيخ” الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف في المملكة، والشاعر الكبير محمد بن عثيمين شاعر نجد الكبير، وفيصل بن عبد العزيز المبارك وغيرهم.
مؤلفاته:
ترك الشيخ العديد من المؤلفات والحواشي والتعليقات والتحقيقات والرسائل ومن هذه المؤلفات :
[1] الكواكب الدرية لشرح الدرة المضية للسفاريني (مختصر شرح عقيدة السفاريني) كان الفراغ من تبييضه سنة 1334هـ.
[2] حاشية على عمدة الفقه.
[3] تعليقات على دليل الطالب.
[4] رسالة في آداب البحث والمناظرة.
[5] تحديق النظر في أخبار المهدي المنتظر.
[6] كشف الغطا عما في إعلام الورى من الخطا.
[7] إرشاد الطلاب إلى فضيلة العلم والعمل والآداب.
[8] إقامة الدليل والبرهان على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن. كتبها في 14 شوال 1337 هـ
[9] الأجوبة الحميدة على الأسئلة المفيدة للشيخ عبد الرحمن بن حسن.( 1336 هـ)
[10] سبل الهدى في شرح شواهد شرح قطر الندى ( ألفه في بغداد ).
[11] “مختصر عنوان المجد في تاريخ نجد ” صدر ببغداد عام 1338 هـ.
.[12] القول السديد فيما يجب لله تعالى على العبيد.
[13] الإعلام فيمن ولي عنيزة من الأمراء و القضاة الأعلام.
[14] تحفة الإخوان في بيان أن الحق والصواب ما قرره الشيخ سليمان بن سحمان.
[15] بطلان قول الملحدين أن الاستدلال بكلام الله ورسوله لا يفيد العلم واليقين.
وغيرها وقد طبعت وزارة الأوقاف القطرية وفقها الله عام 2017 م مجلدا بعنوان (المنتقى من أعمال الشيخ محمد بن مانع رحمه الله).
وفاته:
أُصيب الشيخ في أواخر حياته بمرض البروستاتا، فسافر إلى بيروت لإجراء عملية جراحية في مستشفى دار الصحة، لكنه توفي – رحمه الله -عقب العملية بالمستشفى يوم الخميس 14 رجب 1385هـ، الموافق 7 نوفمبر 1965م، وقد صلى عليه في بيروت جمع من أهل العلم والفضل والحكم والسفراء من رجالات لبنان والعالم الإسلامي، ثم نقل جثمانه إلى الدوحة بالطائرة، حيث تمت الصلاة عليه بجامع الشيوخ نهار السبت السادس عشر من رجب، ودفن في المقبرة الشرقية بالدوحة رحمه الله رحمة واسعة.