وفاة الشيخ محمد التاويل شيخ المالكية بالمغرب 16 جمادى الآخرة 1436هـ (2015م)
الشيخ محمد التاويل من أبرز علماء الفقه والأصول في المغرب، ذو ملكة فقهية متينة وخبرة علمية دقيقة بقضايا الفقه القديمة والحديثة، تميز بغزارة العلم والاجتهاد الفقهي المتميز والفهم الثاقب والذاكرة الحافظة. وإليه المقصد في الفتاوى المنضبطة المحرَّرة على مذهب إمام المدينة مالك بن أنس رحمه الله، وله العديد من الكتب المطبوعة.
بذل الشيخ التاويل جهودا كبيرة في التدريس الجامعي، وفى نشر العلوم الشرعية والثقافة الإسلامية واللغة العربية، حيث تخرج على يديه الآلاف من طلاب العلم في فروعه المتعددة الشرعية واللغوية، نظرا لطول مدة تدريسه التي وصلت إلى أكثر من 50 سنة.
كان رحمه الله أحد أركان جامعة القرويين في فاس، وعضو المجلس العلمي الأعلى في المملكة المغربية، وتقلد مناصب ومهمات غاية في الأهمية، كما كان مرجعا للاستشارات العلمية من قبل مؤسسات عديدة في النوازل الفقهية المعاصرة.
اسمه ونشأته:
اسمه: أبو حميد محمد بن محمد بن قاسم التاويل
ولد سنة1353هـ/ 1934م بمدينة (عين باردة) قرب فاس، بالمغرب.
وهذه المنطقة عرفت بتحفيظ القرآن الكريم، ودراسة بعض العلوم الشرعية.
و كان أن يسر الله له رحلة علمية كبيرة وواسعة، أخذ فيها العلوم الشرعية على علماء عصره في مسقط رأسه وفي فاس العاصمة العلمية للمغرب.
أخذ عن والده محمد بن قاسم، الذي كان عالما في القراءات القرآنية، وحفظ القرآن وهو صغير، وبدأ دراسة العلوم على يد الشيخ محمد العربي المساري الذي كان يدرس النحو (الآجرومية والألفية)، والفقه (المرشد المعين ومختصر خليل وتحفة ابن عاصم)، والفرائض وعلوماً أخرى، ثم التحقَ بجامع القرويين، فقضى فيه سنوات تميزت بالجد والاجتهاد والتحصيل العلمي المتواصل.
ومن بركات الله عليه أن رزقه بذاكرة قوية، وفهم ثاقب، وذكاء منقطع النظير، مما أهله أن يكون من المبرزين بين أقرانه طيلة مدة دراسته، وكان دائما في المراكز الأولى بين الطلاب، كل هذا أكسبه عطف أساتذته واعتناءهم به، وتفرسوا فيه أنه سيكون عالما كبيرا.
وأما محفوظاته فكثيرة منها: التلخيص للإمام القزويني، وجمع الجوامع لابن السبكي، وتحفة ابن عاصم، وألفية ابن مالك التي حفظها في عشرة أيام بمعدل 100 بيت في اليوم.
ولما مات والده محمد بن قاسم التاويل سنة 1376هـ /1956م، اضطر محمد التاويل إلى مغادرة جامع القرويين والخروج من فاس إلى عين باردة، حيث مسقط رأسه وذلك بأمر من أمه التي أصبحت أرملة محتاجة إليه.
وتحرك مع مجموعة من أعيان منطقته وبتنسيق مع السلطة لتأسيس مدرسة فرعية تابعة لمجموعة مدارس غفساي، وأصبح محمد التاويل في هذه الفرع معلما مساعدا ينوب فيها عن المدير الذي يوجد بالمدرسة المركزية بغفساي.
وفي سنة 1377 هـ/ 1957م شارك انتسابا في امتحان العالمية بجامع القرويين، فوفقه الله، وقد عين إثر نجاحه في الامتحان وحصوله على شهادة العالمية، أستاذا بالمعهد التابع لجامع القرويين بالجديدة.
أساتذته وشيوخه:
وقد مكنته الدراسة بجامع القرويين من تحصيل علوم عديدة وامتلاك ناصيتها على يد شيوخ تلك المرحلة خاصة:
– التفسير وعلومه وقد تلقاه من شيوخ عديدين منهم العلامة العربي الشامي.
– الحديث وعلومه وتفقه به على يد العلامة عبد العزيز بلخياط.
– علم الفقه الذي أخذه على يد العلامة أبي بكر جسوس، والعلامة محمد العمراني الزرهوني، والعلامة عبد الكريم الداودي.
– علم الأصول على يد العلامة الحبيب المهاجي.
– علوم الآلة:كعلم النحو الذي أخذه على العلامة عبد الهادي اليعقوبي خبيزة.
– وعلوم البلاغة الذي استفاده من شيخه العلامة محمد العمراني.
– والمنطق والعقيدة الذي درسه على يد العلامة ابن عبد القادر الصقلي.
– الأدب وتلقاه على يد العلامة عبد الكريم العراقي.
– والتاريخ على الشيخ العلامة الغمري.
وأخذ علوماً أخرى كثيرة عن غير هؤلاء.
الشهادات التي حصل عليها
– شهادة العالمية من جامع القرويين بفاس سنة 1377هـ/1957م.
– دبلوم الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية سنة 1415هـ/1995م.
– شهادة الدكتوراه من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سنة 1419هـ/1999م.
الوظائف:
– أستاذ بالمعهد الأصيل بالجديدة بعد حصوله على شهادة العالمية بسنة، وكان ذلك 1378هـ/1958م، ومنذ ذلك الوقت وهو يدرس إلى أن تقاعد سنة 1415هـ/1994م.
– وبعد إنشاء التعليم العتيق حوالي 1409 هـ/1988م، بجامع القرويين التابع لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عين أستاذا لهذا النوع من التعليم إلى 2012م.
– عضو اللجنة الملكية الاستشارية لمراجعة مدونة الأسرة.
– عضو في صياغة مشروع مدونة الوقف بتكليف من وزارة الأوقاف.
– عضو لجنة التحكيم في جائزة محمد السادس للفكر والدراسات الإسلامية.
-عضو المجلس العلمي الأعلى بالرباط.
– مشارك في إعداد برامج التعليم العتيق بمديرية التعليم العتيق وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
مؤلفاته:
للشيخ محمد التاويل مؤلفات عديدة وبحوث فقهية رصينة تعالج قضايا فقهية معاصرة، ومن هذه المؤلفات:
1 – الوصايا والتَّـنزِيل في الفقه الإسلامي.
2 – موقف الشريعة الإسلامية من اعتماد الخبرة الطبية والبصمة الوراثية في إثبات النسب ونفيه.
3 – اللباب في شرح تحفة الطلاب، (نظمه وشرحه، في علم الفرائض).
4 – وأخيراً.. وقعت الواقعة وأبيح الربا (الفوائد البنكية).
5 – مشكلة الفقر، الوقاية والعلاج في المنظور الإسلامي.
6 – إشكالية الأموال المكتسبة مدة الزوجية(رؤية إسلامية).
7 – الوصية الواجبة في الفقه الإسلامي.
8 – من خصائص المذهب المالكي.
9 – لا ذكورية في الفقه.
10 – الشركات وأحكامها في الفقه الإسلامي.
11 – مع عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في حياتها الأسرية ومسيرتها العلمية.
12 – زكاة العين ومستجداتها.
13 – منهجية عمر بن الخطاب في الاجتهاد مع النص.
14- شذرات الذهب فيما جد في قضايا النكاح والطلاق والنسب (مجموعة بحوث).
15- العذب الزلال في فقه الأموال.
16- دعوى المساواة في الإرث.
17- زراعة الأعضاء من خلال المنظور الإسلامي.
وفاته:
توفي العلامة محمَّد التاويل عصر يوم الإثنين 16 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 6 أبريل 2015 م، عن عمر يناهز 80 سنة، وقد شيع جثمانه في جنازة مهيبة عصر يوم الثلاثاء ودفن بمقبرة القباب بباب الفتوح بمدينة فاس حيث جرت العادة بدفن علماء جامع القرويين، رحمه الله وغفر له وأعلى درجته في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
ورثاه الدكتور محمد الروكي بقوله
بادٍ عليك توتر وذهــــــــــــــــولُ ماذا عساك وقد دُهيتَ تقولُ
يا فاسُ مالي قد أراك حزينــــةً وعلى وجوه السالكين ذبول
قالت كأنك ما علمت مصيبتـي قد بَرَّحت بي فالمصاب جليل
أَوَ ما علمتَ بأنني مكلومــــــة مفجوعة إن الحمام يصــــــول
أَوَ ما سمعت من النعيّ نـداءه مات الفقيه العالم التاويـــــل.