وفاة شيخ قراء لبنان العلامة حسن دمشقية 23 جمادى الأولى سنة 1412 هـ(1991م):
العلامة الشيخ حسنبنحسن دمشقية البيروتيشيخالقراء في الديار اللبنانية.
كان مجلسه عظيم الفائدة؛ لا يغشاه إلاّ العلماء والصلحاء، وكانمحبا للكتب؛ متابعا لما يصدر منها، حريصا على اقتنائها، وقد حوت مكتبتهذخائركتب مع المعرفة التامة بمضامينها وكانقد افتتح داره الرحبة في وجه طلاب العلم، وخصص – في منزله – غرفة للإقراء سمّاها “الزاوية “.
كان مرجعا للمفتينوالعلماء؛ يستفتونه في الملمات، وعند الخلاف؛ فيجيبهم بذهن حاضر، ويستحضرالفتاوىبسرعة عجيبة من ذاكرته.
اسمه ونسبه:
حسن بن حسن بن عبد المجيد بن مصطفى بن عبد الرزاق ابن الشيخ أحمد دمشقية، أبو محمد البيروتي الضرير.
والشيخ أحمد دمشقية جده الأعلى دمشقي المولد، مدني الأصل، هاجرت عائلته من المدينة المنوَّرة إلى دمشق أيام حصار تيمورلنك لدمشق، فجاءت تلك العائلة نجدة لأهل دمشق. ثم هاجر بعد ذلك الشيخ أحمد إلى بيروت ومعه أهل بيته في القرن الحادي عشر الهجري، واستقر فيها، وكان إماماً للجامع العمري الكبير زهاء 70 عاماً حتى توفاه الله عز وجل.
مولده ونشأته:
ولد الشيخ حسن في بيروت سنة 1337هـ/ 1918م، توفي والده وهو حمْل فولد يتيما فكفله جده.
أصيب بعلّة أفقدته بصره وهو في الثانية من عمره، فحزن عليه أهله أشد الحزن. لكن الله عوّضه منهما البصيرة النيرّة المتوقدة والذاكرة القوية. فأكبّ على كتاب الله تعالى حفظاً واستظهاراً، حتى أتم حفظه وهو في مراحل الطفولة الأولى، وظهرت عليه ملامح النجابة والذكاء.
طلبه للعلم
بدأ بطلب العلم وهو حدث، وكان أول عمله حفظ القرآن الكريم على الشيخ يوسف بن حسين سوبرة البيروتي وفي الثالثة عشرة من عمره ختم القرآن.
ثم بدأ بتلقِّي العلوم الدينية على عدد من كبار العلماء، وحفظ المتون على العلامة الشيخ مختار بن عثمان العلايلي أمين الفتوى السابق ببيروت، فأخذ عنه الفقه والتوحيد والمنطق والفرائض والمعاني والبيان والبديع والأصول والتفسير.
وأخذ عن الشيخ محمد العربي العزوزي المغربي أمين الفتوى كذلك كتب الحديث والمصطلح والرجال والتاريخ.
وأخذ عن الشيخ خليل القاطرجي إمام الجامع العمري علمي الصرف والنحو.
رحلته العلمية إلى الشام
هيّأالله للشيخ موجهين صالحين، فنصحوهبالرحلةإلى الشام لطلب علم القراءات على مشايخ دمشق وحلب وحمص وحماة، فرحل عام 1937 إلى دمشق فدرس على شيوخها، وخلالرحلتهالعلمية حفظ الكثير من المتون والكتب العلمية.
و لم يدع علما من العلوم النافعة، إلا وحفظ فيه متنا أو أكثر، و قرأ شروحه على الشيوخ، وكان يداوم على مراجعتها باستمرار، ويضع لمراجعتها برنامجا، وكان يحب أن يقرأها على الطلبة لما في ذلك من الاشتغال بها، ونشرها، ودوام استحضارها.
ومن محفوظاته من المتون تحفة الأطفال، والجزرية في التجويد، والشاطبية في القراءات السبع، والدرة في القراءات الثلاث المتممة للعشرة، والرائية في علم الرسم المسماة “عقيلة أتراب القصائد”، والجوهرة والسنوسية في العقيدة والآجرومية وألفيَّة ابن مالك في النحو والصرف، والسمرقندية في علم البيان ثم الجوهر المكنون في المعاني والبيان ثم عقود الجمان في ألف بيت للحافظ السيوطي في المعاني والبيان والبديع، ومتن السُّلَّم في علم المنطق،ومتن الرحبية في علم الفرائض والمواريث، والبردة والهمزية للبوصيري في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما مصطلح الحديث فمتن البيقونية ثم متن ألفيَّة الحافظ العراقي ألف بيت في مصطلح الحديث، أما الكتب الحديثية التي سمعها ورواها فصحيح الإمام البخاري، وصحيح مسلم، وسنن ابن ماجة، وموطَّأ الإمام مالك، ومُسنَد الإمام أحمد بن حنبل، ومعاجم الإمام الطبراني الكبير والصغير والأوسط وغير ذلك من المسانيد والجوامع الحديثة التي أُجيز بروايتها.
وأخذ الإجازة من الشيخ راغب الطباخ الحلبي صاحب كتاب “أعلام النبلاء في تاريخ حلب الشهباء” في أسانيد الحديث.
شيوخه الّذين أخذ عنهم القراءات:
1– الشيخ عبد الحميد بن حسن العيتاني، أخذ عنه رواية حفص عن عاصم من الشاطبية، ثم السبع من طريقها.
2– الشيخ محمد سليم الحلواني أخذ عنه في دمشق القراءات العشر الصغرى من الشاطبية والدرة وأجازه بها عن والده الشيخ أحمد الحلواني الكبير بالإسناد إلى الإمام الشاطبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما تلقى عليه رائية الشاطبي في الرسم المسماة عقيلة أتراب القصائد.
3– الشيخ عبد القادر قويدر العربيني (ت 1379) الذي أخذ عنه القراءات العشر الكبرى من طريق طيبة النشر، والرائية في الرسم المسماة “عقيلة أتراب القصائد”.
وكان الشيخ دمشقية قد بدأ على شيخه العربيلي القراءة في 23 صفر 1359هـ وأتم عليه العشر في 4 شوّال 1359هـ في قرية عِربين.
4– الشيخ توفيق الباشا الدمشقي الأستاذ في كلية المقاصد، قرأ عليه متون علوم القراءات العشر.
حياته العملية
بعد رحلته في طلب العلم إلى دمشق وحلب عاد إلى بيروت وأخذ بنشر العلم وتدريس القرآن، فكان مما قام به:
– تدريس القرآن الكريم، والحديث الشريف، والتفسير، والبلاغة، في الكلية الشرعية (أزهر بيروت)، مدة 18 عاماً، وتخرجعلى يديه المشايخ والمفتون والقضاة.
– درَّس القرآن، والحديث، والفقه، والتوحيد في مدرسة جمعية المحافظة على القرآن الكريم مدة 6 سنوات.
– كان يدرس ويخطب ويعظ في مساجد بيروت، ويعطي دروساً خاصة في البيوت، ومنها بيوت الوزراء وأعيان بيروت.
– بعدما تقدم به السن، اعتزل التدريس في الكلية والمدرسة، واتخذ من بيته غرفة يُدرّس فيها الراغبين في تعلم القرآن، والقراءات، والعلوم الشرعية، واللغة العربية .
– عيّن عضوا محكما في مسابقة القرآن الكريم بمكة المكرمة، ونال شهادة تقدير والوسام المذهب من وزارة الحج والأوقاف بالمملكة العربية السعودية في الاحتفال السنوي الأول لتلاوة القرآن الكريم وتجويده بمكة المكرمة عام 1399هـ، كما منحه رئيس الجمهورية اللبنانية في 12/4/1990 وسام المعارف المذهب تقديرا لجهوده في الحقلين التربوي والديني لأكثر من 55 عاما.
تلاميذه
أمّا تلاميذ الشيخ فقد تلقى عنه ما لا يقل عن الألف، أجاز منهم :
1- الشيخ محمد بن عبد النبي الرّهاوي المصري؛ أخذ عنه القراءات العشر الكبرى والصغرى.
2- الشيخ عبد السلام سالم؛ أخذ عنه العشر الصغرى.
3- الشيخ محمد سليم المناصفي؛ أخذ عنه العشر الصغرى.
4- الشيخ رشيد قاسم الحجار؛ اخذ عنه القراءات السبع من طريق الشاطبية.
5- الشيخ سعد رمضان؛ أخذ عنه رواية حفص وورش وقالون من طريق الشاطبية.
6- الشيخ الحاج محي الدين سليم استامبولي؛ أخذ عنه الدوري عن أبي عمرو البصري من الشاطبية.
7- الشيخ يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي؛ أحذ عنه رواية حفص عن عاصم من الشاطبية، وقرأ عليه ألفية العراقي في علوم الحديث مع شرحها للحافظ العراقي،
8- الشيخ حسين عسيران أخذ عنه رواية ورش من طريق الشاطبية.
9- الشيخ رمزي سعد الدين دمشقية أخذ عنه رواية حفص من طريق الشاطبية.
وأخذ عنه رواية حفص عن عاصم عدد كبير جدا من الطلاب والعلماء.
مؤلفاته:
لديه عدة مؤلفات منها:
1- هداية المبتدئين إلى تجويد الكتاب المبين.
2- الحفاظ من الصحابة والتابعين وأئمة القراءات العشر.
3- رسالة في قراءة أبي عمرو بن العلاء من رواية حفص الدوري.
4- تقريب المنال بشرح تحفة الأطفال.
وفاته:
بعد عمر مبارك في خدمة كتاب الله وعلوم الشرع الحنيف، ألم به مرض عضال توقف بسببه ستة أشهر عن إعطاء دروسه المعتادة، ثم كانت وفاته يوم الخميس 23 جمادى الأولى سنة 1412 الموافق 18 نوفمبر 1991 فنعته دار الفتوى وجمعية المقاصد ومديرية الأوقاف وغيرها من المؤسسات الإسلامية.
وصلي على جثمانه الطاهر عقب صلاة الجمعة 24 جمادى الأولى بجامع الإمام الأوزاعي ودفن في مقبرته رحمه الله رحمة الأبرار وأحسن مثواه في دار القرار.