حديث “…قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية, يقتلون أهل الإسلام..”
رأيت حديثاً منسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يتداول على المواقع حتى اني سمعت بعض “المشياخ” يذكرونه في خطبهم وطبعاً يزعمون ان الحديث يصف الاسلامين المتشددين أو الاخوان المسلمين في مصر.
الحديث المزعوم:
“يأتي في آخر الزمان قوم: حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، كث اللحية (غزيرو اللحية)، مقصرين الثياب، محلقين الرؤوس، يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء.”
وأيضاً “يحملون هذه الصفات: يقرؤون القرآن لا يتجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرَّميَّة، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة. فإن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.”
ويزعم أن المصدر صحيح البخاري و مسلم وعدد من المراجع! عندما سمعت الحديث كعادتي ذهبت لاتحقق منه و الغريب انه ملفق من عدة أحاديث صحيحة !! بناءً على ذلك، يبدو ان الذي ألف الحديث شخص درس الاحاديث النبوية ومن المؤكد أنه على علم بالحديث الصحيح: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) – صحيح البخاري.
كما ذكرنا هذه النص ملفق من ألفاظ صحيحة في روايات صحيحة, ومن ألفاظ أخرى مختلقة غير موجودة في النصوص أصلًا، ومن ذلك لفظة “مقصرين الثياب” فلا وجود لها البتة في ألفاظ الحديث في كل المراجع والموسوعات. و “كث اللحية” انما هي في وصف الرجل الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم.
ففي صحيحي البخاري عن أبي سعيد الخدري قال: “بعث علي – وهو في اليمن – إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة في تربتها, فقسمها بين الأقرع بن حابس الحنظلي ثم أحد بني مجاشع, وبين عيينة بن بدر الفزاري, وبين علقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب, وبين زيد الخيل الطائي ثم أحد بني نبهان, فتغيظت قريش والأنصار, فقالوا: يعطيه صناديد أهل نجد ويدعنا, قال: إنما أتألفهم, فأقبل رجل غائر العينين, ناتئ الجبين, كث اللحية, مشرف الوجنتين, محلوق الرأس, فقال: يا محمد, اتق الله, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فمن يطيع الله إذا عصيته, فيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنونني, فسأل رجل من القوم قتله – أراه خالد بن الوليد – فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم, فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من ضئضئ هذا قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم, يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية, يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد.”
وأخرجه غيرهما بألفاظ منها:
“إن بعدي من أمتي أو سيكون بعدي من أمتي قوم يقرءون القرآن لا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقة.” (صحيح مسلم)
ومنها:
“يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة.” (السنن الكبرى للبيهقي)
وجاء في الأحاديث المختارة عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “سيكون في أمتي اختلاف وفرقة, قوم يحسنون القيل, ويسيئون الفعل, يقرؤون القرآن, لا يجاوز تراقيهم, يحقر أحدكم صلاته مع صلاته, وصيامه مع صيامه, يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية, ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقهم, شر الخلق والخليقة, طوبى لمن قتلهم وقتلوه, يدعون إلى كتاب الله, وليسوا منه في شيء, من قاتلهم كان أولى بالله منهم, قالوا: يا رسول الله, ما سيماهم؟ قال: التحليق. ” قال الإمام أحمد: “وقد حدثناه أبو المغيرة عن أنس عن أبي سعيد ثم رجع. إسناده صحيح.”
والمراد في هذه الأحاديث – كما ذكر العلماء – الخوارج الذين خرجوا على علي, واستحلوا دم أهل الإسلام, وكل من يأتي بعدهم على منهجهم, بل إن بعض العلماء عده في حق كل من خرج على أئمة الهدى وجماعة المسلمين – كالرافضة ونحوهم – قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
فهؤلاء أصل ضلالهم اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل, وأنهم ضالون, وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم, ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفرًا, ثم يرتبون على الكفر أحكامًا ابتدعوها, فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم في كل مقام, تركوا بعض أصول دين الإسلام حتى مرقوا منه, كما مرق السهم من الرمية, وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد: يقتلون أهل الإسلام, ويدعون أهل الأوثان, لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد, وهذا نعت سائر الخارجين – كالرافضة ونحوهم – فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين؛ لأن المرتد شر من غيره, وفي حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس سيماهم التحليق, قال: هم شر الخلق, أو من شر الخلق, تقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق, وهذه السيما سيما أولهم, كما كان ذو الثدية؛ لأن هذا وصف لازم لهم.
والله أعلم.