حكايات إفريقية ملونة في أعمال الكونغولي «نزاو»

قيدت النظرة الكولونيالية، الفن الإفريقي لزمن طويل، ضمن الإطار السحري والغرائبي، بل خصصت له متاحف عديدة كإنتاج بدائي للشعوب المتخلفة والمتوحشة، ضمن ما يسمى: «الفن الأسود»، نافية عنه إبداعيته المستحقة، فثمة من اعتبره ثقافة مغايرة وهابطة، ومن اعتبره إرثا بدائيا، ومجرد وسيلة لإغناء السياق الجمالي الغربي. هكذا تم حصر وظيفة التماثيل والأقنعة الإفريقية في مرافقة […]

حكايات إفريقية ملونة في أعمال الكونغولي «نزاو»

[wpcc-script type=”013ed4f13aa6c457cb5154a0-text/javascript”]

قيدت النظرة الكولونيالية، الفن الإفريقي لزمن طويل، ضمن الإطار السحري والغرائبي، بل خصصت له متاحف عديدة كإنتاج بدائي للشعوب المتخلفة والمتوحشة، ضمن ما يسمى: «الفن الأسود»، نافية عنه إبداعيته المستحقة، فثمة من اعتبره ثقافة مغايرة وهابطة، ومن اعتبره إرثا بدائيا، ومجرد وسيلة لإغناء السياق الجمالي الغربي.
هكذا تم حصر وظيفة التماثيل والأقنعة الإفريقية في مرافقة الطقوس السحرية والشعائر الدينية، وتم اجتثاثها من سياقها التاريخي والثقافي، لتتحول إلى مجرد «تحف» تحرك فضول الغربي المتحضر، على الرغم من تشكيلاتها التي أسهمت في تثوير صيرورة الفن المعاصر، عبر أعمال بيكاسو.. ماتيس.. ودوران وغيرهم.


من هنا تبدو أهمية ربط الجمالي بالتاريخي ضرورية لأي مقاربة جمالية تروم رد الاعتبار للفن الإفريقي، الذي يثير اهتمام العديد من الدارسين والمجلات والمتاحف العالمية.
ويعتبر الفنان الكونغولي نزاو، من المصورين الفوتوغرافيين المعاصرين الذين يحاولون قلب الصورة وتقديم إفريقيا جديدة، مبدعة ومتحركة، فإلى جانب مشاركاته العالمية، نشرت مؤخرا المجلة السويسرية المعروفة «الزمن»، عددا من صوره، احتفاء بتجربته الفنية التعبيرية. يشتغل نزاو على الصورة الفنية، التي لم يقلل من إبداعيتها ظهور الصور الرقمية، لارتباطها الوثيق بالقضية الإنسانية، في أبعادها الذاتية والوجودية واعتماد أدواتها على الحس والتجربة المباشرة، بكل ما تتضمنه من ابتكار وإبداع ومغامرة، بعيدا عن الحس التزييني والسطحي البارد.. فالفن في الأخير أداة لمقاومة كل أشكال التفاهة والتنميط. لم يعد نقل الواقع ومحاكاته بالشيء المهم في مشروع نزاو الفوتوغرافي، لأن الصورة أصبحت سندا حاملا لزخم من الدلالات والرموز، أو ما يمكن تسميته «تفكيرا بالصورة». ولأن صوره تخبر وتفضح كما تطمس وترمز، تظل مشرعة على المقاربة الاستيطيقية والسيميائية.
تصبح الصورة في أعمال نزاو عملا فنيا وتفكيرا جماليا، وهي تضيف للواقع لمسة الفنان، عبر التركيب والتوزيع «الإخراج». إنها لمسة الذكاء التي تظهر حسب زاوية التصوير ووقته ومكانه.. نظرته هي التي تصنع الصور، نظرة فريدة تبدع بمعيشها وصيرورتها، والصور هنا تترك الكثير من الحرية لمبدعها في جانبها التقني، بالولوج للتعديلات التقنية: جودة الصورة.. الضوء.. الظل.. إنها القدرة على تغييرالواقع وتأثيث الصورة بالدلالات، فإن ترى حسب ريجيس دوبريه، ليس معناه أن تتلقى وتستقبل، ولكن هو ترتيب للمرئي وتنظيم للتجربة.

يصور نزاو الجسد الإفريقي، في علاقته بالطبيعة التي تفضح الواقع وهشاشته.. جسد في حركة دائمة، تعبيرا عن إفريقيا تتحرك في اتجاه مستقبلها، تحاول التسامي بالفن عن قسوة الواقع وتحتفل، ملونة جراحها، لأن الألوان الإفريقية هي مرادف الفرح.

المشروع التصويري للفنان، يقدم الوجه الآخر لإفريقيا، كما يعيشها ويأملها نزاو، لا كما يصورها المخيال الغربي: كجغرافيات غريبة ومتوحشة وفقيرة. كل صورة هي تكثيف علاماتي ورمزي، ضمن صيرورة تبرز القيم الجمالية الأصيلة لموطنه. إبداعه ينبع من اقتناص حركية الشوارع والأزقة والأسواق، بإخراج لا يصير فيه الجسد العابر بعفويته دالا، إلا في حدود علاقته بالمكان والزمان.
يستلهم نزاو جماليات الفضاء، سواء في موطنه «كونغو برازافيل» أو في منفاه في جنوب إفريقيا، كمسافر جوال بين المكانين، وعلى هذا البرزخ الجغرافي المنهك بالحروب والهروب، يحول نزاو ذاكرته المشبعة بروائح الأمكنة والذكريات إلى ورشة مفتوحة لترميم الجرح الإفريقي وتأثيث الحكايات. فكل صورة هي قصة.. يقول الفنان :»أنا شغوف بإظهار اليومي من زاوية أخرى، شاعرية وتراجيدية، مختلفة عن عمل الأستوديو والريبورتاج.. أعمالي هي مشاهد من الحياة اليومية والشخصيات على الصور هي شخصيات عادية بقصص مثيرة وغير عادية».
نزاو وكالكثيرين من الأفارقة، يتبنى المقاربة النيتشوية للمأساة، بالإقبال على الحياة، رغم ما فيها من قسوة. يقول: «لا يفرط الإفريقي في فن العيش، رغم الحروب والجراح والتسلط.. ولأنه لا يملك إلا جسده، فهو يرقص.. يغني.. يسبح ويلاحق صيحات الموضة» لحظات الفرح هذه، هي ما يحاول الفنان أن يقبض عليه داخل المأساة الإفريقية.
يصور نزاو الجسد الإفريقي، في علاقته بالطبيعة التي تفضح الواقع وهشاشته.. جسد في حركة دائمة، تعبيرا عن إفريقيا تتحرك في اتجاه مستقبلها، تحاول التسامي بالفن عن قسوة الواقع وتحتفل، ملونة جراحها، لأن الألوان الإفريقية هي مرادف الفرح. يقول نزاو: «إفريقيا هي الألوان وتصويرها بالأبيض والأسود تقريبا غير مقبول» ويضيف: «الصورة مهمة لإفريقيا، لأن الصور الأولى عنها كانت سلبية، وعملي اليوم هو محاولة لإلقاء الضوء على الجوانب الجميلة والإيجابية، بتوظيف الجسد واللون وتطوير تصويرية تعبيرية، تجترح شقوقا للنور والجمال، رغم كل شيء».

٭ كاتب وفنان مغربي

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *