أعرف إنساناً مندَهشاً. إن قلتُ له إن اليوم هو الثلاثاء تتسع عيناه. لو أخبرته أنّ الليمون مفيد للزكام، كرّرها ورائي مثل من يسمع أول مرة أن هناك جمهورية للموز. مستعد هو للدهشة إن فاز ريال مدريد على الأنصار اللبناني، أو إذا انخفض سعر الليرة أو الجنيه أمام الدولار، ويحتاج وقتاً غير محدد لاستيعاب أن دولاً غير عربية تنتج النفط، وأن سجادة الصلاة مصنوعة في الصين.
أخشى أنّي قد أسأتُ لصديقي المندهش، فبدا لكم ساذجاً محدود الثقافة، لا يعرف الألف من كوز الذرة، ويظنّ أن الفرق بين البحر الأبيض والبحر الأحمر، في لون الماء فقط. لا، فإنّ معرفتي القديمة به تتيح لي أن أجزم لكم أنّه مثقف أكثر من صحيفة حزبية نصف شهرية، ومطلع أكثر من مسؤول رفض الكشف عن هويته، ولن أبالغ إن قلتُ لكم إنه يعرف حتى ما في جراب الحاوي.
لكنه، صديقي المندهش، وجد أنّ ملامحه معتمة، وأن عينيه خاملتان، ربما شعر أيضاً بصعوبة في فتح فمه، ومشقة في الحياة. يبدو أنه أحال كل ذلك إلى بلادته أثناء الاستماع إلى آخر فتوحات الهواتف الذكيّة، ولاحظ أنّ عشر فوائد مدهشة لشرب الماء بالعسل لم تعد تدهشه، كما أن أنباء اقتراب الحرب ما عادت تعنيه، منذ أن صار عاجزاً عن تتبع خرائط التحالفات وهي تتبدل من موجز إلى نشرة مفصّلة.. حتى أنه في الحرب الأخيرة اختار الاصطفاف مع أيسلندا.
وهكذا أصبح صديقي مندهشاً مثل طفل في الخامسة يمكن أن تبهره أداة حفر الكوسا. بل إنه استعاد الدهشات التي شعر بها عندما كان مراهقاً، فكم يدهشه الآن في العام العشرين بعد العشرين، أنه كان لجهاز التسجيل بابان، ويتذكّر بانفعال كيف أن ميرفت أمين كانت توجد عند الثانية ظهراً في بيت أبيه في الأنبار وبيت عمّه في الحسكة. تفتحت ملامح صديقي، ويمكن الآن أن تجحظ عيناه حين يأتي نبأ السلام قبل الحرب.
استعنتُ بوصفة صديقي.. فأنا الآن مستعد للدهشة إذا فاز برشلونة على شباب الأمعري، يمكن أن أقول سبحان الله إن رأيتُ حافلة من طابقين في شوارع القاهرة. سأضرب كفاً بكف حين أعرفُ أن الحروب لها أجزاء مثل المسلسلات، وأن جمهوريات الموز شقيقة. سأفتح فمي على اتساعه لما أسمع شيوعياً يكفر بالثورة، وأخرج إلى الشارع حافياً لألمح الديمقراطية التي تحدّث عنها المذيع بصفة العالم الذي يؤخذ منه العلم.. وأشعر بعدم اليقين والريبة والشكّ في القدرات المذهلة للشاي الأخضر.