كشف الشيخ رائد صلاح (رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948م) الذي أُفرِج عنه من سجون الاحتلال الصهيوني قبل أسابيع، أن دولة العدو ماضية في تنفيذ خطة «زاموش» لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم.
والأسرى في سجون الاحتلال يتعرضون إلى مضايقات شديدة جداً؛ أخطرها التحرش الجنسي، والاعتداء على الحريات الدينية.
ذلك وغيره نتعرف عليه من خلال الحوار التالي:
* أشرتم سابقاً إلى الظروف الصعبة التي يمر بها الأسرى داخل السجون، هل لكم أن توضحوا المعاناة اليومية التي يعيشها الأسرى في السجون الصهيونية؟ size=3>size=3>
بداية أؤكد أن المعاناة تختلف من سجن لآخر؛ فما يعانيه الأسرى السياسيون (أو من يجب أن يطلَق عليهم أسرى حرب) في سجن «جلبوع» على سبيل المثال، يختلف عمَّا يعانونه في سجن «نفحة»، أو في سجن «الرملة»، أو في سجن «بئر السبع»، ولكن جامع صور هذه المعاناة واحد، إلى درجة أنَّ بعض الأسرى يتعرضون إلى التفتيش عراة، والأطفال منهم قد يتعرضون للاغتصاب، والأسيرات قد يتعرضن أيضاً إلى التفتيش عاريات من قِبَل سجَّانات، وقد تُقمع الحقوق الدينية للجميع، وجرى الاعتداء على القرآن الكريم في بعض السجون، وهناك مئات من هؤلاء الأسرى يعانون من أمراض خطيرة مزمنة تهدد حياتهم، وهم في عداد من يعاني من الموت البطيء التدريجي في هذه الأيام، وهناك بعض الأسرى الذين تُقتحَم غُرَفهم بعد منتصف الليل، وتدخل فرق سيئة الذكر تسمى «متسادا» تقوم بتفتيش غرفهم والعبث فيها عبثاً فوضوياً تخريبياً عن سبق إصرار، فيخلطون الأَرُز مع العدس مع السكر، وينثرون لوازم الأسير (سجين الحرب) بشكل مقصود لتخريبها، وخلال التفتيش قد يُكرَه الأسرى على الانتظار في الساحات في البرد القارس لساعات طويلة، والأبشع من ذلك أنَّ هناك من الأسرى مَن يتعرضون إلى التحرش الجنسي من قِبَل بعض السجانات، وأنا أعلم روايات مخزية صدرت عن بعض السجَّانات بدوافع التحرش الجنسي بالأسرى السياسيين، والله – تعالى – هو الحافظ واللطيف بهم.
بالإضافة إلى ذلك يُمنَع دخول الكتب – وبشكل خاص الكتب الدينية – على كثير من الأسرى، وهناك أوامر تمنع إدخال الصحف على كثير من الأسرى، وهناك بعض الأسرى ممن يعانون من سياسة العزل لسنوات طويلة، لدرجة أنَّ بعضهم قد تجاوز أكثر من عشر سنوات وهو في عزل، وهناك من الأسرى من يُعاقَبُون وهم داخل السجن؛ بمعنى أن يجري نقلهم عقوبة لهم من غرف السجن إلى زنازين ذات ظروف قبيحة جداً، تفوق كل تصور في مأساويتها؛ فقد يعيشون مع الفئران في هذه الزنازين التي لا يوجد فيها أدنى الظروف الصحية؛ فلا يوجد مرحاض، بل يستخدمون دلواً كبيراً لقضاء حوائجهم، وذلك في هواء منتن بارد في الظلام، فكل ما أذكره هو جوانب من المعـاناة التي لا تزال سياسة لمديرية السجون، ولكنها – كما قلت – يطبق قسم منها في هذا السجن، وقسم آخر في سجن ثانٍ، وقسم ثالث في سجن ثالث وهكذا، فالمأساة كبيرة والمعاناة مؤلمة جداً، وأنا لا أتحدث عن مائة سجين ولا عن ألف؛ إنما أتحدث عن قرابة سبعة آلاف سجين (أسير حرب) من شعبنا الفلسطيني ومن عالمنا العربي والإسلامي، يعيشون الآن وراء قضبان السجون الصهيونية على خلفية الصراع (الفلسطيني – الصهيوني)، أو (الصراع الإسلامي العربي – الصهيوني).
* كيف تتعامل شرطة السجن مع الأسيرات والأطفال والمرضى، وهل معاناتهم مضاعفة عن بقية زملائهم الأسرى؟size=3>size=3>
دعني أقول: إنَّ المرضى يعانون من خطر الموت البطيء، وحدث أن مات بعض الأسرى داخل السجون، وحدث أن استشهد بعض الأسرى داخل السجون، وهم شهداء الحركة الأسيرة، هكذا يعرَّفون. والنساء يؤذَين بكل الوسائل التي يُؤذى بها الرجال بدون تمييز، والشيء نفسه يقال بالنسبة للأطفال؛ فهم يعانون مما يعاني منه السجناء والسجينات أيضاً، مع خطر أن يتعرض بعض الأطفال للاغتصاب، ومن الأطفال مَن لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات، يعيشون في ظروف مأساوية، يكبرون داخل السجون مع الآلام والحصار بدون أي رعاية طبية أو نفسية؛ ولذلك قد يبلغ هذا الطفل وهو يعاني من أزمات وصدمات نفسية خطيرة جداً على مسيرة حياته في بيته ومجتمعه، إلى درجة أن من النساء سُجنَت وكانت حاملاً، فقُيدت داخل السجن، ووضعتْ طفلها وهي مقيَدة، فهذا الرضيع ولد سجيناً دون أي ذنب، وعاش سجيناً منذ نعومة أظفاره، ورضع من أمه وهو سجين، وبلغ سنوات أيضاً وهو على هذا الحال بلا أي ذنب اقترفه. هذا هو النهج الصهيوني الظالم القبيح الرديء مع كل أسرانا السياسيين على اختلاف سنوات محكومياتهم، وفي كافة سجونهم؟
* كيف كان يقضي الشيخ رائد يومه في السجن، وهل تمكنتَ من كسر حالة العزل التي فرضتْها عليك إدارة السجون؟size=3>size=3>
أنا – والحمد لله رب العالمين – حوَّلت العزل إلى نعمة كبرى، لدرجة أنني كنت أشعر بضيق الوقت وأنه لا يكفي لكل برنامج حياتي اليومي الذي وضعته لنفسي؛ فأنا – بحمد الله رب العالمين – إن أردت أن أفصِّل برنامجي اليومي، فهو هكذا: كنت أستيقظ قبل صلاة الفجر في الوقت المبارك، فأصلي ما شاء الله – تبارك وتعالى – ثم أقرأ المأثورات، وبعد ذلك أصلي صلاة الفجر، ثم أنام لوقت قصير، وبعد أن أستيقظ أصلي صلاة الضحى، وأقرأ وِردِيَ القرآني وأبدأ بكتابة ذكريات كلِّ يوم يمرُّ عليَّ في داخل السجن، ثم أنتقل إلى قراءة الكتاب الذي كنت قد بدأت به، بعد ذلك أخرج إلى جولة يومية لوحدي للساحة بحكم أني في عزل، وتستغرق هذه الجولة عادة ساعة، ثم أعود إلى الغرفة أمسح الغرفة، ثم أغسل ما أحتاج لغسله من ثيابي، ثم أغتسل، ثم أصلي صلاة الظهر، ثم بعد ذلك أنام القيلولة لوقت قصير جداً، ثم أقوم وأواصل القراءة في الكتاب حتى صلاة العصر، عادة ما أبدأ قبل صلاة العصر بقليل بإعداد وجبة طعامي اليومية، وإذا كنت صائماً فهي بطبيعة الحال عبارة عن إفطار، وخلال إعداد وجبة الإفطار أواصل القراءة، ثم أقرأ المأثورات مرة أخرى إلى صلاة المغرب، عند صلاة المغرب بطبيعة الحال كنت أؤذن بنفسي في بعض الأوقات، ولكن في معظم الحالات كان هناك من يؤذن من الإخوة في قسم العزل، جزاهم الله خيراً. ثم أصلي صلاة المغرب، وإذا كنت صائماً كنت أسبق ذلك بتناول حبَّات من التمر وشربة ماء، ثم أصلي المغرب، ثم بعد ذلك أتناول وجبة الإفطار، وبعد ذلك أواصل كتابة ذكرياتي اليومية إلى صلاة العشاء، فأصلي العشاء ثم أواصل القراءة، وفي هذه الفترة كنت أحرص أن أشاهد الأخبار في أكثر من فضائية مما تيسر من الفضائيات العربية الموجودة، وهي محدودة جداً، وكنت أحرص بشكل خاص ومقصود أن أسمع الأخبار في إحدى المحطات العبرية، بالذات القناة الثانية، بعد ذلك كنت أواصل القراءة أو نظم الشعر، وأبقى على هذا الحال إلى منتصف الليل، حيث أقوم فأتوضأ وأنام بحمد الله رب العالمين، إلى ما قبل صلاة الفجر؛ حيث يبدأ برنامجي مرة ثانية، وكنت خلال هذا السرد الذي ذكرته أحرص على أوراد أخرى من الذكر، أواظب عليها خلال جولتي في الساحة، وكنت عندما أخرج إلى الساحة أحرص على التجول على قدمَي طوال الوقت مدة ساعة، وكنت أمرُّ على كل أوراد الذكر اليومية، بحمد الله رب العالمين، وهذا ما جعلني – بتوفيق الله – أنجح بقراءة موسوعة البداية والنهاية لابن كثير، وقرأت أول أربع مجلدات من تفسير الشيخ الشعراوي، وبدأت بالخامس ولكن لم أستطع إكماله. لقد قرأت كتباً مختلفة، وعندما مُنِعت عني الكتب في فترة ما، بدأت أقرأ ما تيسر من الكتب الموجودة في مكتبة السجن، قرأت كتبَ أدب عالمي، وقرأت أيضاً قصصاً لكتَّاب عرب وعالميين.
وخلال كل هذه الفترة التي تحدثت عنها نجحت – بحمد لله رب العالمين – بإعداد ثلاثة كتب: الكتاب الأول كان عبارة عن ديوان شعر باسم «أسطول الحرية» سيصدر عما قريب؛ فقد انتهت مرحلة التنقيح وبقيت مرحلة الطباعة، وأيضاً هناك كتاب سأسميه «خواطر سجين» وهو في مرحلة الطباعة كذلك، وثمة كتاب ثالث سميته «تأملات في مواقف مشرقة» أيضاً هو الآن تحت الطباعة، وسيخرج – إن شاء الله تعالى – إلى النور مع بقية الكتب. وأستطيع أن أقول: إنَّ واقع السجن الذي عشته كان «خيراً» بلا حدود، ونعمة كبرى أحمد الله – تعالى – عليها طوال الوقت.
*تعرضتم قبل شهور إلى محاولة اغتيال على ظهر سفينة مرمرة، ثم تبعها تغييبكم في السجن، واستمرار مَنعِكم من زيارة المسجد الأقصى والقدس… هل تعكس هذه الإجراءات الصهيونية تجاهكم المؤامرة التي تحاك ضد المسجد الأقصى المبارك؟ size=3>size=3>
نعم، هذا صحيح هي تعكس حجم المؤامرة ومدى وحشية الاحتلال ضد القدس وضد المسجد الأقصى المحتلَّين؛ لأنَّ الاحتلال الإسرائيلي يحرص أن يُعاقب كل واحد من أهلنا يرى فيه عاملاً لنصرة القدس والمسجد الأقصى؛ ولذلك هناك مئات من أهلنا يعيشون في السجون، وهناك ممنوعون من دخول المسجد الأقصى، أو من دخول القدس وهم بالمئات كذلك، وهناك من جرى ترحيلهم من بيوتهم الموجودة بالقدس على الرغم من أنهم بنوا هذه البيوت بأيديهم من أموالهم الحلال، وآخر من أُبعِد عضو المجلس التشريعي الشيخ محمد أبو طير، وتبعه إبعاد أحد أهل سلوان يسمى عدنان غيث، وهناك الآن من هم مهدَّدون بالإبعاد، وهم عضوان في المجلس التشريعي ووزير القدس السابق الذي كان في فترة الحكومة الفلسطينية التوافقية بين حماس وفتح وبقية الفصائل الفلسطينية، هؤلاء من ذكرت أسماؤهم مهددون بالإبعاد، وهم الآن يعيشون في خيمة الاعتصام، في مقرِّ الصليب الأحمر في القدس، زيادة على ذلك هناك من يتعرضون للضرب والأذى الشـديد، وقد ينقَلون إلى المسـتشـفيات، لا لسبب إلاَّ أنهم ينتصرون لقضية القدس والمسجد الأقصى، فأنا شخصياً من ضمن هؤلاء الذين تعرضوا للإيذاء، وأؤكد وأقول لقد تحوَّل الإيذاء في حياتنا إلى وضع عادي؛ لذلك لن يكسر معنوياتنا، بل على العكس سيزيدنا صلابة، وتمسكاً بعدالة القضية التي ننتصر لها، قضية القدس والمسجد الأقصى المحتلَّين، التي تمثل الحق الإسلامي العربي الفلسطيني المنتصر رغم أنف الاحتلال الإسرائيلي، بإذن الله تعالى.
* كيف كان الشيخ رائد صلاح يتابع أخبار القدس والمسجد الأقصى من داخل سجنه ويتفاعل معها؟size=3>size=3>
لقد تابعت أوضاع القدس والأقصى من خلال ما تيسر من الفضائيات العربية محدودة العدد، التي كان يُسمَح ببث برامجها في قسم العزل الذي كنت فيه والذي يعرف باسم «أيالون»، كان هناك فضائية «العربية»، والفضائية الأردنية، وفضائية فلسطين، وفضائية الـ mbc، بالإضافة إلى ذلك القنوات العبرية: رقم 1، ورقم 2، وكنت أحرص لدى زيارة الأهل والمحامين أن أسمع كلَّ ما هو جديد، وبهذه الصورة – بفضل الله رب العالمين – اجتهدت أن أتابع كل التفصيلات التي كانت تجري على أرض القدس والمسجد الأقصى المحتلَّين، أو حتى في المحيط الفلسطيني عامة، ثم المحيط العربي والإسلامي بشكل أعمَّ.
* لماذا تقوم إسرائيل اليوم باستبدال بعض حجارة أسوار الحرم بحجارة منقوش عليها عبارات عبرية؟size=3>size=3>
نحن حذرنا من مثل هذه الأساليب العدوانية، منذ عام 2006م عندما كشفنا لكل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني عن مخطط يسمى «مخطط زاموش»، أو مخطط «القدس أولاً»، الذي تقوم عليه المؤسسة الإسرائيلية الاحتلالية، حذرنا من مثل هذه الأساليب العدوانية منذ ذلك الوقت عندما كشفنا لكل الأمة الإسلامية والعالم العربي والشعب الفلسطيني عن المخطط المذكور، الذي يسعى إلى السيطرة الكلِّية على المسجد الأقصى، وعلى الحياة في المسجد الأقصى، وعلى كل أبواب المسجد الأقصى؛ بهدف تغيير واقعه، من مبنى إسلامي عربي فلسطيني، إلى طمع أسود كيما يكون تجسيداً لمبنى احتلالي إسرائيلي، هو وما يقع حوله من مبانٍ وأسوار، ونحن شرحنا في حينه عن خطورة مخطط زاموش، ونقلنا ما قرأناه في مذكرة صدرت عمَّن يقفون من وراء هذا المخطط، نقلناها بالتفصيل بعد ترجمتها ترجمة دقيقة، وأرسلناها إلى كل العناوين الرسمية، والمنظمات العالمية في العالم الإسلامي والعربي، واجتهدنا أن نتحدث عنها عبر مؤتمر صحفي عقدناه مرة، ثم عبر لقاءات صحفية في فضائيات كثيرة مرَّات كثيرة، ومرة أخرى أقول: ما يجري تحت أرض المسجد الأقصى، أو حول المسجد الأقصى، أو داخل المسجد الأقصى، أو ما يجري الآن لأسوار القدس القديمة: هو جزء من هذا المخطط المعروف باسم «مخطط زاموش» الذي يطمع في آخر مراحله السوداوية – التي لن تتحقق إن شاء الله تعالى – بما يطمع به المشروع الصهيوني منذ القديم، وهو بناء هيكل أسطوري كاذب على حساب المسجد الأقصى.
*هل بالإمكان أن يقدم فضيلتكم لقراء مجلة البيان ملخصاً عن أخطر وأهم الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى خلال العام الماضي، الذي قلتَ عنه: إنه سيكون عاماً حاسماً في تاريخ القدس؟size=3>size=3>
دعني أولاً – حتى نبقى على وعي كامل في هذه القضية – أقـول: إنَّ أخطـر اعتــداء لا يزال قائماً رابضاً بأذاه على المسجد الأقصى: هو استمرار الاحتلال الصهيوني، هذا أخطر اعتداء، فما دام هنـاك احتلال فإن الشر يقع يومياً في كل ثانية تمرُّ على القدس والمسجد الأقصى، ولكن من نتائج استمرار هذا الاحتلال مشاهد عدوانية غير مسبوقة وقعت في عام 2010م، وأنا أقول: كانت أخطر بكثير مما توقعنا حدوثه؛ فعلى سبيل المثال: لأول مرة القضاء الصهيوني والمحاكم الصهيونية تُصدِر حكماً بكل صراحة يقول: يجب على قوات الأمن الإسرائيلية أن توفِّر الحماية لطوائف اليهود لدى دخولهم إلى المسجد الأقصى. هذا حدث في عام 2010م، وفي ما قبل ذلك كان القضاء الإسرائيلي والمحاكم الإسرائيلية تصدر قرارات ضبابية غير واضحة. أما الآن أصبح على المكشوف إعلان الحرب – حتى باسم القضاء الإسرائيلي – على المسجد الأقصى.
الشيء الثاني: الفتاوى الدينية اليهودية التي أصبحت تصدر بزخم كبير جداً بجواز الدخول إلى حرم المسجد الأقصى والتجول فيه، في الوقت الذي كان كثير منهم في ما مضى يحرِّمون مبدأ الدخول على اليهود إلى المسجد الأقصى المبارك، وأنه لا يجوز لهم أن يدخلوا إلاَّ إذا قام الحلم الأسود الذين يطمعون به، وهو بناء هيكل أسطوري كاذب على حساب المسجد الأقصى المبارك.
الشيء الثالث: أن اقتحامات طوائف من اليهود للمسجد الأقصى المبارك، أصبحت علنية مكشوفة برعاية قوات الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن هذه الطوائف بدأت تؤدي طقوساً دينية يهودية تلمودية داخل المسجد الأقصى. وأؤكد بكلمات واضحة مرة بعد مرة أن الطقوس الدينية اليهودية بدأت تؤدَّى داخل المسجد الأقصى.
كل ما قلته حدث في عام 2010م، وحدث فيه ما هو أبعد من ذلك أيضاً؛ فقد بدأ الإعلان عن الأنفاق التي تُحفَر الآن، وقد كوَّنت شبكة أنفاق تحت المسجد الأقصى. في الماضي كان الاحتلال الإسرائيلي يعتم على مثل هذه الجرائم، أما الآن فقد بدأ يتحدث عنها على المكشوف، ويبثها في القنوات العبرية، ومن يتابع ذلك يعرف حقيقة ما أقول، وأصبح يتحدث على المكشوف عن نواياه الخبيثة السوداء عن قرب تلك المرحلة التي سيقوم فيها ببناء الهيكل الأسطوري المزعوم، وبدأ الاحتلال الإسرائيلي كذلك على ألسنة بعض مسؤولية يوهم العالم أنَّ مبنى المسجد الأقصى على حافة الانهيار، بعضهم قال ذلك عن المصلى المرواني، وبعضهم قال ذلك عن كل المسجد الأقصى، وكأنهم يهيئون العالم إلى لحظة التي قد يقع فيها المسجد الأقصى وينهار.
أذكر ذلك مع ألمي الشديد وأسفي أن يقع على المسجد الأقصى وقد اختفى شيء اسمه الردع على صعيد الفلسطيني، أو الردع على الصعيد العربي والإسلامي؛ بمعنى أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ يشعر أنه يتصرف في القدس والمسجد الأقصى المحتلَّين بلا أيِّ ردع (إعلامي، أو سياسي، أو دبلوماسي). إن فقدان الردع نهائياً مما يُجرِّئ الاحتلال الصهيوني يوماً بعد يوم على تصعيـد اعتـداءاته، وعلى التشـعب بمئات الوسـائل مـن أجـل مواصلـة هـذا العـدوان على القدس والمسجد الأقصى المحتلَّين.
* إذا كنت تقرأ أحداث عام 2010م بهذه الصعوبة بخصوص القدس والمسجد الأقصى، كيف سيكون برأيك عام 2011م الذي شهد في أيامه الأولى تصعيداً كبيراً جداً في الاعتداءات على القدس، ومنها عملية هدم بيت الحاج أمين الحسيني وقصر؟size=3>size=3>
الذي يظنُّ أنَّ عملية هدم فندق شيبرد في القدس مما يمكن أن يندرج تحت هدم بيتٍ هنا أو هناك فهو مخطئ، وفي تصوري فإن عملية هدم بيت الحاج أمين الحسيني المعروف بفندق «شيبرد» هو بداية تنفيذ خطة هدم مدينة القدس؛ فالاحتلال الإسرائيلي الآن يهدم مدينة القدس بكل معنى الكلمة، يهدم كل بصمة للتاريخ والحضارة الإسلامية العربية الفلسطينية، إنهم لحقدهم التـاريخي علـى الحـاج أميـن الحسـيني – رحمة الله عليه – لا يريدون أن يُبقُوا له أي أثر في مدينة القدس، وقبل سنوات هدموا مبنى المجلس الإسلامي الأعلى الواقع قرب مقبرة مأمن الله ولم يبق منه إلا حائط خارجي، أيضاً هذا من آثار الحاج أمين الحسيني، رحمة الله عليه. إنهم يهدمون فندق «شيبرد» بحجة كاذبة دنيئة قبيحة، وهي أنه بناء يقف حجر عثرة أمام بناء استيطاني يهودي… إنه عذر أقبح من ذنب، وادِّعاء قبيح كعادة الاحتلال الإسرائيلي؛ لذلك أقول بألم وحسرة مُرَّة جداً: إن الذي يجري اليوم هو هدم مدينة القدس، وبدايات تطهير على أرض الواقع في مدينة القدس، كنَّا نتحدث محذِّرين من التطهير العرقي.أما الآن فنتحدث محذِّرين من بدايات تطبيق التطهير العرقي في مدينة القدس المحتلة.
وأما حول مصير المسجد الأقصى، فواحسرتاه! نحن نقول: إنَّ كل الجنون (المركَّب والمعقَّد والشائك) الذي يعشِّش داخل الاحتلال الإسرائيلي بدأ ينفَّذ اليوم في المسجد الأقصى، هذا ما أسمعه أنا من تسريبات إعلامية عبرية، وما يسمعه غيري إنه لم يعد سراً، وأخشى ما أخشاه أن يكون عام 2011م هو عام الحرب الإقليمية في المنطقة، التي قد يختلط فيها الحابل بالنابل، وتسودها أجواء ضبابية لأشهر طويلة، وعندها قلبي على المسجد الأقصى، بكل معنى الكلمة.
* ما هي تفاصيل المبادرة التي أطلقها الشيخ رائد صلاح لتحقيق المصالحة الفلسطينية؟ وهل سنشهد تحركاً من طرفكم بهذا الاتجاه خلال الأيام القادمة؟size=3>size=3>
نعم بدأت لجنة المتابعـة العليـا فـي الداخـل الفلسـطيني (وهي أعلى هيئة في الداخل الفلسطيني) بخطوات أُولَى نحو الوصول إلى المصالحة الفلسطينية، أو على الأقل الوصول إلى تنسيق فلسطيني فلسطيني؛ لأنَّ هذا الانقسام قد أضعف من قوة الردع الفلسطيني، وأتاح للاحتلال أن يتصرف وكأنه لا يوجد ردع، لدرجة أن الواقع المرَّ الذي تعيشه القدس الآن يفرض عليها قطيعة ما بينها وبين قطاع غزة، وما بينهـا وبين الضفة الغربية، بل ما بين القدس وما بين المسيرة الفلسـطينية بشكلها الرسمي والفصائلي تقريباً، وفي تصوري فإن الخروج من هذا المأزق سيكون – بإذن الله رب العالمين – في حال بدأ الحديث عن التفاهم الفلسطيني الفلسطيني، والتنسيق الفلسطيني الفلسطيني، ولتكن قضية القدس التي هي محل إجماع (إسـلامي عـربي فلسـطيني)، باكـورة ما يمكن أن نتفـق أن نتعـاون عليـه، ابتداءً من قطاع غزة، إلى الضفة الغربية، إلى الشتات الفلسطيني في الخارج، على أمل أن يقود هذا التعاون على الثوابت للوصول إلى مرحلة مصالحة فلسطينية أيضاً على الثوابت الفلسطينية.
* كنتم قد ذكرتم بعد خروجكم من السجن، تعليقاً على الوضع الإسلامي العربي الراهن: أن التغيير قادم بأسرع مما يتوقع كثيرون، هل ما حدث في تونس، جزء مما توقعتم؟size=3>size=3>
أنا لا زلت أؤكد ما قلته قبل ما حدث في تونس، قلت جملتين، ولا زلت أرددهما؛ لأنني أعتزَّ وأفتخر بأنني مسلم عربي فلسطيني، ومعنى هذا الاعتزاز والافتخار: أنني أعتزُّ بانتمائي إلى الأمة الإسلامية وإلى العالم العربي، وإلى شعبنا الفلسطيني، وأحبُّ هذا الانتماء، وأحبُّ له الخير، وأحبُّ الخير للجميع بدون استثناء، وأتمنى دائماً وأبداً أن نصل إلى مرحلة تتم فيها المصالحة؛ ليس فلسطينياً فقط، بل تتم المصالحة الإسلامية، ما بين الحكام والشعوب عربياً وإسلامياً، كم هو جميل أن نصل إلى هذه المرحلة من المصالحة؛ أن ينحاز الحكام على الصعيدين الإسلامي والعربي إلى آلام وآمال شعوبهم! كم هو جميل أن نصل إلى مرحلة يستمع الحكام ودوائر صنع القرار في العالم الإسلامي والعربي؛ على صعيد البرلمانات والحكومات إلى رؤية العلماء الربانيين الصادقين الذين لا يزالون على مدار تاريخنا وحاضرنا هم ملح الواقع الإسلامي، هم نبض الأمة، هم روحها، هم همَّتها! كم أتمنى أن يحدث ذلك! إنَّ أخشى ما أخشاه، – إذا لم يحدث هذا التغيير بمبادرة عاقلة وواعية راشدة من الحكام ودوائر صنع القرار – أن يتحرُّك الشارع الإسلامي والعربي، ولعل الأحداث الأخيرة أصبحت مشهداً وواقعاً يؤكد بشكل ملموس ما ذهبتُ إليه في السابق، وأقول باختصار: المستقبل القريب للواقع الإسلامي والعربي، وأتمناه أن يحدث بمبادرة القوى التي هي أصول قوَّته، وهم الحكام والحكومات من جهة، والعلماء من جهة ثانية، والشعوب من جهة ثالثة، أن تتمَّ بينها المصالحة، وإلاَّ أحذِّر إذا تأخر ذلك لا شك أن الشارع المسلم والعربي سيتحرك من ذاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة البيان 284