كم هو جميل وطيب أن يكون التواصل مع العلماء والدعاة ، وخاصة أولئك الكبار الذين عاشوا وقتا لم يدركه من بعدهم ، فيحملون في ذاكرتهم التي حفظها الله لهم الشيء الكثير مما يتعلق بالعلم والعلماء والدعوة والدعاة ، تلك الذكريات التي فيها دروس وعبر يستفاد منها.size=3>size=3>
ومن بين هؤلاء الشيخ عبدالتواب هيكل من علماء الأزهر الأجلاء صاحب الشيخ القرضاوي والشيخ محمد الراوي والشيخ حسن عيسى وغيرهم ، سافر للدعوة وتحمل من أجلها المتاعب والصعاب، واستقر مقامه أخيرا في قطر الطيبة التي تشرفت بعدد من العلماء الأجلاء والدعاة الأفاضل فتضاف إلى حسناتها وحسنات ولاة الأمر بها.size=3>size=3>
ومن باب إبراز بعض الجوانب لمثل هؤلاء العلماء نعيش مع هذا الحوار الشيق: size=3>size=3>
size=3>size=3>
*نود البداية أن تكون عن ذكريات الدراسة على المشايخ الفضلاء والعلماء الأجلاء الذين تأثرت بهم وعشت معهم ودعوت بدعوتهم وتذكرهم دائما، فمن تتذكر منهم يا فضيلة الشيخ؟size=3>size=3>
المشايخ الذين تلقيت عنهم كثير، ومنهم:size=3>size=3>
1- الشيخ محمد غلاب هو رجل كان كفيف البصر و زاده الله بسطة في العلم والجسم وكان ذو شخصية كبيرة يملأ العين مهابة ، سمعت منه قصة مؤثرة عندما كان يدرس لنا الفلسفة وهو قد تخرج من جامعة السربون من فرنسا ، فينقل عن الأستاذ المحاضر الفرنساوي وهو يتحدث عن الفراعنة فلما جاء الحديث عن فرعون موسى خاض في القرآن الكريم وقال فيه خرافة تقول إن فرعون موسى أغرق ظنا منه أنه أغرق وأصبح طعاما للسمك وانتهى، يقول وهذه خرافة يكذبها الواقع، فقد كنت أحد الأعضاء الذين اختيروا لنقل جثمانه من مقره في الهرم إلى ميدان التحرير، فالآية أو القرآن هنا يخالف الواقع والحقيقة، فقام الدكتور غلاب وقال أريد أن أشكرك لأنك وضعت يدي على آية أخرى ومعجزة أخرى تنطق بأن هذا القرآن من عند الله حقا، قال كيف ذلك؟ قال لأن الله يقول : فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية” وقد كان بدن فرعون أمرا مخفيا في باطن الأرض طوال هذه القرون ولعل الذين عايشوا نزول القرآن كانوا لا يعرفون أين يوجد جثمان فرعون ولا أحد في الأرض كان يعرف وظلت هذه الآية سرا في باطن الأرض سرا مكتوما مخفيا عن العالم كله حتى أظهر الله هذه الآية على يديك تصديقا لقوله تعالى” فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية..” أفلا أشكرك لأنك زدتني إيمانا وأضفت لي دليلا من الأدلة التي لا تحصى بأن هذا القرآن من عند الله حقا، فجاء هذا الأستاذ في المحاضرة التي بعدها واعتذر .size=3>size=3>
2- الدكتور محمد عبد الله دراز تلقيت عليه في التخصص وهذا الرجل يعتبر من أولياء الله. علما وتقوى، وكان هادئ الصوت ، أنا نفسي أشكو ثقل الصوت منذ الكبر وكنت أجلس في المدرج أحيانا لا أجد مكانا إلا في الآخر، ولكن رغم هذا ورغم أن صوته منخفض لا يرفع صوته لكن كان الصوت يبلغني ويدخل مسامعي واضحا للهدوء كأن الناس على رؤوسهم الطير وذلك يدل على مدى علم الرجل وتأثيره وروحانيته، هذا الرجل الذي عرض عليه منصب شيخ الأزهر ومع ذلك رفضه ونحن دهشنا لأننا قرأنا على صفحات الجرائد شيخ الأزهر المنتظر الدكتور محمد عبد الله دراز فسررنا جدا لهذا النبأ فقلنا الآن أراد الله للإسلام والمسلمين خيرا ثم فوجئنا بالشيخ عبد الرحمن تاج عيّن شيخا للأزهر، فواجهنا الدكتور محمد عبد الله دراز وعاتبه الطلبة في هذا، وقال عرض المنصب ولكن بشروط يأباها الإنسان المعتز بدينه فقلت لهم شيخ الأزهر يملي ولا يملى عليه، فقلنا له وعلى أي أساس قبل الشيخ عبد الرحمن تاج فقال سلوه وسكت.size=3>size=3>
وموقف آخر لم أره ولكنه كان منتشراً ولا أستبعده لما أرى من الرجل لأني كنت لا أراه في الفسحة كنت أرى المدرسين يجتمعون في حجر مع بعض يتضاحكون ويتسامرون وتبحث عن الدكتور محمد عبد الله دراز فتراه في المصلى قارئا أو مصليا أو متفكرا .size=3>size=3>
3-الشيخ الغزالي هو طبعا أعتبره أستاذا وصديقا وكان رحمه الله ودودا، أذكر مرة أنه سمع عني أني مريض هنا في قطر فجاء يزورني وقال لي : “ما دام المرض يخليك حلو هكذا فخليك مريض”. فكان صاحب دعابة. size=3>size=3>
وأذكر أنه كان رجلا شجاعا لا يخشى في الحق لومة لائم، وله مواقف لا زلت أذكرها، من مواقف شجاعته: وهو مدير مساجد وكنت أنا يومها مفتش مساجد وكان هو يخطب في الأزهر فتناول في خطبته حديثا من أحاديث النبي الصحيحة وهو ” يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ثلاث عقد …” الخ الحديث.size=3>size=3>
فهناك واحد أظن اسمه صلاح جاهين سخر من الشيخ وكتب عنه كتابات فظيعة جدا وقال إن هذا المنبر يجب أن يختار له رجل فاضل ، فأتيتم برجل قبيح الكلام وأنا طول الليل ما نمت وأنا أحط إيدي على قفاي خايف إن العفاريت تكون على قفاي يتهكم بحديث رسول الله ورسم له كركاتير ، فغضب الشيخ وبعث الرد فضاقت الصحف بأن تنشره، فعمد إلى طريقة وباعتباره مديرا للمساجد فجمعنا ونبه علينا أن ننبه على جميع الخطباء في الجمهورية كلها أن نتناول هذا الأمر ونما إلى الرئيس هذه الخطبة فتحركوا لهذا، حتى بلغنا إنه أرسلوا وفدا وخلوا صلاح شاهين يعتذر ، والشيخ كان يقول أنا ما غضبت لشخصي أنا غضبت لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتهكم عليه.size=3>size=3>
وأذكر أيضا أنه كان مديرا للمساجد فعين أحد رجال الثورة وزيرا للأوقاف ووجدنا موجة من الفزع عمت المكاتب كلها وتوقفت الأعمال وأصبح كل واحد يخاف يوقع وهو في هذا الوقت في مكتبه والناس يتصلون يسألون عن معاملات لهم، فيقول ماذا أصنع الوزارة أصبح فيها فقر رجال والوزير جاهل لا يفقه شيئا في العمل. size=3>size=3>
4-الشيخ الأودن رحمه الله تلقيت عليه، وكان هذا الرجل زاهدا وعرض عليه مشيخة الأزهر في عهد جمال عبد الناصر فأبى .size=3>size=3>
في يوم قال اسمعوا ماذا يقول الناس عن الأزهر وأخرج من جيبه مجلة وقرأ العبارات التالية: أذكر منها ما يلي قال: كان هناك مصنع يصنع طرابيش وهذا المصنع كان الناس يلبسون ما يصعنه وينتجونه، فكان ينتج بضاعة رائجة عليها إقبال والناس يلبسون الطرابيش وظل هذا المصنع على هذا المنوال حتى الجمهور أو الشعب غير لبس الطرابيش ببرانيط وأصبح يلبس برانيط والمصنع لا يعرف ينتج برانيط وإنما ينتج طرابيش و ظل يصنع طرابيش ويركنها على الرف لا تستعمل فبعد فترة من الزمن تحدث الناس لماذا هذا المصنع هذا عبأ على الدولة لا ننتفع ببضاعته فقالوا رفقا بالذين يعملون فيه ليس لهم معاش وليس لهم مورد فدعوهم يأكلون حتى يموتوا وينقرضوا ويغلق المصنع من تلقاء نفسه ، ثم عقب على هذا وقال يا طلاب الأزهر ويا علماء الأزهر أنتم عمال هذا المصنع ، والأزهر هو هذا المصنع الذي يصنع الطرابيش والشعب الآن يلبس برانيط فأنتم الآن إما أن تقنعوا الناس بلبس الطرابيش حتى يظل عيشكم ممتدا وإلا فالإفلاس ينتظركم، وأنا أقول لكم اسمعوا ما يقول الناس لعل كلامهم هذا يؤثر أو تفتحون له أذانكم وقلوبكم. size=3>size=3>
size=3>size=3>
*هل كان الشيخ يدعو إلى أن على علماء المسلمين أن ينتبهوا لتقديم دين يعايش الناس في عصرهم وواقعهم؟size=3>size=3>size=3>
هو كان يدعوا علماء الأزهر إلى أن يطالبوا بإجماع بتطبيق شريعة الإسلام ، فرمز إلى شريعة الإسلام بالطرابيش ” العمامة” ورمز إلى النظم المخالفة لمنهج الإسلام بالبرانيط، فلذلك كان يدعو علماء الأزهر أن يروجوا بضاعتهم هذه البضاعة وهي الإسلام وأن حياتهم قائمة على الإسلام وكذلك حياة الأمة قائمة على الإسلام، فكان يدعوهم إلى مطالبة المسئولين لتطبيق حكم الشريعة.size=3>size=3>
size=3>size=3>
size=3>
size=3>
*نود الحديث عن بعض البلاد التي سافرت إليها ولتكن “سيراليون”؟size=3> size=3>size=3>
كان ذهابي إليها قبل زنجبار ودار السلام عام 1964م، وكنا أربعة رشّح اثنان لنيجيريا وهم الدكتور حسن عيسى والشيخ محمد الراوي، واثنان لسيراليون وهم أنا وسليمان عبده، وهناك أحبونا الناس كأنهم يعرفوننا منذ سنين، لكن الأئمة هم الذين تخوفوا منا أول مرة، لدرجة أني كنت مكلف بخطبة الجمعة فلما ذهبت وجدت الخطيب إمام المسجد صعد المنبر قبل موعده حتى لا يعطيني فرصة، وبعد الخطبة أردت أن أعطيهم درسا فوقف وقال يوم الجمعة فيه خطبة واحدة وليس خطبتان، فانصرف الناس ، لكنه بعد ذلك أحبونا حبا شديدا لما عرفوا نوايانا، و كانوا يختلفون في يوم صومهم وفطرهم لأنهم قبائل فوفقنا لتوحيد الصوم والفطر على حسب ثبوت الرؤيا، وكانت لي مواقف مع جماعة القاديانية، الذين استغلوا جهل الشعب واستطاعوا أن يضلوا كثيرا منهم وأن يعينوا منهم البعض دعاة للقاديانية وأول صدام عندهم كان الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم.size=3>size=3>
والشعب هناك يحبون العرب واللغة العربية، وبعضهم يسلم لما يسمعني أقرأ، لتأثير القرآن الروحي في نفسه، واحد أسلم فأنا سألته هل فهمت شيء مما قرأت قال لا، لكن وجدت للقرآن وأنت تقرأ تأثير في نفسي عجيب، وكنت أقرأ في الصلاة فأسلم بمجرد سماعي من غير أن يفهم.size=3>size=3>
size=3>size=3>
*حدثنا عن بعض العادات الغريبة في سيراليون؟size=3>size=3>
1- تقديسهم للعلماء مثل ما يفعل النصارى مع القسس: وقد أرادوا فعل ذلك معي فرفضت، حيث يأتي الواحد منهم ويركع لي إلى غاية القدم، فأرفعه وأقل له ليس هذا في ديننا، ديننا جاءنا لكي نرفع هاماتنا ورؤوسنا، ولم يأتنا من أجل أن نركع ونحني رؤوسنا، لا نحني رؤوسنا إلا لله، هذا حرام .size=3>size=3>
2- الزواج بأكثر من أربع نساء:size=3>size=3>
فالإمام عنده 20زوجة أو 30 ويستعين بالعمال من أجل أن يؤدوا الواجب اللي عليه، وكانوا يظنون أن هذا حلال وليس حرام. وقد وضحت لهم الصحيح في هذا و قلت لهم: كل واحد منكم يختار أربع من العشرين التي عنده ويفارق الباقي.size=3>size=3>
3- إهداء البنت لمن يحب من أجل الاستمتاع بها دون عقد: ومرة قدم أحدهم ابنته هدية لي، قال: تستمع بها، فقلت لهم من غير عقد، قالوا نعم نحن لما نحب شخص نقدم البنت هدية ، فكان هذا موضوع الخطبة التالية، وتكلمت في هذا الأمر، وبينت حكمه واستجاب جميع الأئمة. size=3>size=3>size=3>size=3>
size=3>
size=3>
*في النهاية ماذا يقول لنا الشيخ عبد التواب؟size=3>size=3>
أقول: إننا يجب أن نرجع إلى ديننا وإلي رحاب ربنا، وأن نستمسك بهذا الكتاب الذي لا عزة لنا إلا به ولا شرف لنا إلا به، ويا حبذا لو أن الأمة الإسلامية الآن رجعت إلى هذا الدين من أجل أن تكون أمة واحدة، ويومها ترفع رأسها ولا تذل لأحد من مخلوقات الله.size=3>size=3>
وأسأل الله أن يجمع أمة الإسلام على كلمة الحق، وأن يعيد إلى الإسلام والمسلمين كرامتهم وعزتهم، وأن يدمر أعداء الإسلام جميعا ، إنه نعم المولى ونعم المجيب.size=3>size=3>
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.size=3>size=3>
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــsize=3>size=3>
إذاعة القرآن الكريم من قطر، باختصار وتصرف.size=3>size=3>