سمعت صوت شجار وأنا أسير علي الطريق, تلفت حولي فعلمت أين مصدر الصوت, فذهبت مسرعاً إلى مكان الشجار , فوجدت رجلين يتشاجران . حاولت أن أتدخل بينهما فلم استطع, رأيت رجلاً واقفا معهما ينظر إليهما ذهبت إليه وسألته من هؤلاء , قال : هذا الرجل اسمه حماس والآخر اسمه الفتور فقلت وما سبب شجارهما ؟ قال : لا أدري استمع إليهما فأستمعت إليهما فسمعت الفتور يقول :
**الفتور:*** لماذا تتهمني؟
#الحماس:##size=3> أنا لا أتهمك ولكني أقول الحقيقة .
**الفتور:*** بل هذا اتهام وإنك لتدعي أني أثبط الدعاة عن العمل وأكون سببا في برود همتهم وركودهم.
#الحماس:## نعم هذا ما ذكرته . وهذا في ظني صحيح .
@فتدخل الرجل الداعية بينهما@@ وقال: لا عليكما، إن كان هذا هو سبب شجاركما, فلنناقش ذلك بموضوعية، ثم قال الداعية : اجلسا معي ودعني يا حماس أناقش الفتور .
#الحماس:## تفضل .
@الداعية يلتفت نحو الفتور:@@ ما أسباب الفتور عند الدعاة؟
**الفتور:*** الأسباب كثيرة منها دعوية أو إيمانية أو نفسية.
#الحماس:## أنا أول مرة أسمع عن هذا السبب .
@الداعية:@@ ألم أقل لك فلنناقش الأمر بموضوعية.
#الحماس:## صدقت.
@الداعية:@@ والآن أخبرنا يا فتور هل من سبب آخر؟
**الفتور:*** نعم ( الإغراء ) وهو كثيراً ما يتعرض له الدعاة إلى الله تعالى كحب المنصب, والمال , والمسكن , والنساء , والشهرة وغيرها .
#الحماس:## ولكن هذا كثيراً ما يحدث .
**الفتور:*** دعني أكمل كلامي, وأما السبب الثالث فهو ( الترف ) وهذا السبب ما أكثره في المجتمعات المحلية , حيث يكون الداعية قد تربى تربية مترفة بين أهله في أنواع طعامه وكيفية كلامه ونقاشه وملبسه ويا ويل من يضايقه .. ثم ينخرط في سلك الدعوة, فيرى الحياة والتربية بخلاف ما كان يعرفه , وهكذا حتى يبدأ يحاور نفسه , ويتخذ موقفاً بعد ذلك يؤثر على سيره وعطائه.
@الداعية متحمساً:@@ نعم, فإني أعرف أخاً لي قد فتر بهذا السبب .
**الفتور:*** إني أخبرك عن حقائق فأنا الخبير بحال أهل الفتور .
ثم قال : وأما السبب الرابع فهو ( العاطفة ) وأضرب لذلك مثالين :
1- أن تكون معاملة المربي للداعية سيئة , فيغضب عليه ويتخذ منه موقفاً يكون سبباً في ضعف حركته وفتور همته .
2-أو أن يتأخر النصر فيبدأ الداعية بالتحليلات العاطفية ويحاور نفسه بذلك حتى يقتنع ويضعف عن العمل على اعتبار أن لا فائدة من الدعوة .
#الحماس:## إن كلامك في منتهى الروعة ولكني أضيف سبباً خامساً وأعني به تعرض الدعاة إلى تعذيب أو اعتقال أو مصادرة أموال أو تلفيق تهم أو سخرية أو استهزاء وغيرها مما يؤثر على الحالة النفسية للدعاة فيفترون عن العمل .
**الفتور:*** صدقت .. وهذا هو السبب الخامس .
@الداعية:@@ عندي سؤال قد حيرني , وأنا أفكر فيه أثناء حديثك وهو هل الفتور ظاهرة صحية أم مرضية ؟
**الفتور:*** إن اسمي له معنيان وهو :
1- الفتور : بمعنى الانقطاع كلية عن العمل .
2-الفتور : بمعنى التكاسل وهو أن تفتر النفس أحياناً ثم تعود إلى همتها وحركتها وسيرها الطبيعي .
فأما الحالة الأولى فهي الانتكاس والمرض .
وأما الحالة الثانية فهي أمر طبيعي , ولهذا قال ابن قيم الجوزية رحمة الله : ( إن للقلوب شهوة وإدباراً , فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها , ودعوها عند فترتها وإدبارها .
@الداعية:@@ وهو يلتفت إلى الحماس والآن ماذا تقول في اتهامك ؟
#الحماس:## الصراحة لم يترك لي أخي الفتور كلمة أتحدث بها.
**الفتور:*** لو كنت هادئاً منذ البداية لما حدث الشجار.
#الحماس:## لا تلمني .. فإن من طبيعتي الحماس .
@الداعية متدخلاً:@@ جزاكم الله خيراً على كل حال .
#الحماس :## تفضل .
@الداعية:@@ كيف نستطيع أن نزرع الحماس في قلوب الدعاة فلا يفترون أبداً .
#الحماس:##
أولاً : فهم الإسلام بشموله ومدى صلاحيته للبشر .
ثانياً : التفكير بالواقع المرير الذي نعيش فيه , وكيف نقصده ونصلحه ؟
ثالثاً : الاطلاع على التاريخ الإسلامي الذي اعتز به المسلمون الأوائل .
رابعاً : حاجة الناس في وقتنا الحالي إلى الإسلام .
خامساً : إيجاد الفهم الدقيق للإسلام بأن تتوفر العقلية المبتكرة للدعوة .
سادساً : الإيمان العميق : فهو الركيزة التي يرتكز عليها الحماس .
@الداعية:@@ إنها لنقاط جميلة جداً ..وإن دلت على شيء فإنما تدل على الحماس المتزن .
#الحماس:## نعم هذا صحيح .. لأن الحماس هو وسط بين سيئتين بين التهور إن كان الحماس كبيراً , وبين الفتور إن كان قليلاً .
ولهذا وضح الشيخ $يوسف القرضاوي$$ هذا المعنى في كتابة القيم ( الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ) وتطرق لمثل جيد حين قال : وإلى الآن ينظر إلى بذل المال وبذل النفس على أنهما أعلى المراتب , دون مراعاة ما يجعل بذل المال والنفس مجدياً .
**الفتور والداعية بصوت واحد:*** جزاك الله خيراً يا حماس ثم قاموا من مجلسهم وانصرفوا وعزم الداعية على شراء كتاب طريق الدعوة الإسلامية وكتاب الصحوة الإسلامية .
من كتاب ( حوارت دعوية ) للأستاذ / جاسم المطوع