وقال لافروف، إن وقت التفاوض قد حان “سواء شئنا أم أبينا”، مضيفا أن الغرب سيلمس قريبا انخفاضا خطيرا في قدرته على “توجيه الاقتصاد العالمي”، وسيكون مجبرا على التفاوض بغض النظر عن رغبته في ذلك.
ويوم الأحد، كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أكد أن بلاده مستعدة للتفاوض مع كل أطراف الصراع الأوكراني، لكنه عاد ليقول إن كييف وداعميها الغربيين رفضوا الانخراط في المحادثات.
بوتين أضاف في مقابلة مع قناة “روسيا 1” الرسمية، “نحن مستعدون للتفاوض مع كل الأطراف المعنية بشأن حلول مقبولة، لكن الأمر يعود لهم، لسنا من يرفض التفاوض لكنهم يرفضونه”.
حلول مقبولة
يرى مراقبون أن انتقاء عبارات تحمل مضامين توفيقية في تصريحات بوتين ولافروف، كالإشارة إلى الحلول المقبولة، وأن التفاوض قد حان وقته، يعبر عن رسائل روسية غير مباشرة للجانب الغربي مفادها أنه بعد نحو عام من الحرب غير المباشرة بين الجانبين في المسرح الأوكراني، قد ثبت أن القوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية، قد فشلا في ترجيح كفة طرف على حساب آخر.
وتوحي دعوات روسيا بأن الحل هو التفاوض ومراعاة هواجس ومصالح كل طرف والتوصل لحلول وسط تتبلور في سياق مناخات الحوار والتباحث، ووقف الرهان الغربي على استنزاف روسيا عسكريا في المستنقع الأوكراني.
في المقابل، يرى محللون آخرون أن روسيا تحاول عبر ذلك أن تجس نبض الجانب الآخر، لأن هذه الدعوات التفاوضية قد لا تعكس بالضرورة “نزوعا دبلوماسيا وسلميا”، بل تعبر عن محاولة للتغطية عما يوصف بـ”الإخفاق الروسي” في تحقيق انتصارات عسكرية مهمة استراتيجيا في أوكرانيا، بفعل دعم الغرب التسليحي النوعي لكييف.
العصا والجزرة
يقول الباحث والخبير في الشؤون الأوروبية والدولية، ماهر الحمداني، في لقاء مع موقع “سكاي نيوز عربية”، إن موسكو تمارس سياسة العصا والجزرة، فهي تلوح الآن بالمفاوضات وتذكر بضرورتها، وسط التصعيد الدعائي ضدها في واشنطن والغرب عامة، بينما تحاطب شركاء الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين، خاصة المتضررين من سياسات واشنطن حيال الأزمة الأوكرانية.
ويرى الحمداني أن موسكو تشير عبر ذلك إلى ما خلفته سياسة فرض العقوبات على روسيا من أزمات طاقة وغذاء، خاصة أن الشتاء في أوجه خلال الوقت الحالي، في ظل شح غاز التدفئة مما بات يثقل كاهل الأوروبيين.
وأضاف الباحث أن المزاج الشعبي الغربي يميل بشكل عام إلى ضرورة إنهاء الحرب الأوكرانية على نحو سلمي بأسرع وقت “وعبر المفاوضات حصرا، وصانع القرار الروسي يلعب على هذا الوتر بحذاقة”.
وتابع “في نهاية المطاف، الحل لأي أزمة ولأي حرب هو بالمفاوضات، وموسكو ربما تراهن على هذا التململ الكبير وتعتبر أن الوقت بات مناسبا لطرح خيار المفاوضات مجددا واعادته للواجهة، ولتلقي بذلك الكرة في ملعب كييف والعواصم الغربية”.
الظروف غير مواتية
من جهته يقول الكاتب السياسي والخبير في الشؤون الروسية بسام البني، في حوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”، إنه رغم تصريحات مختلف أطراف الصراع في الأزمة الأوكرانية حول ضرورة الحوار، وأن أي نزاع عسكري ينتهي بالجلوس على طاولة التفاوض، “لا توجد في الواقع أرضية مواتية لإطلاق المفاوضات الكفيلة بإنجاز تسوية دبلوماسية للصراع”.
وأردف أن “مواقف كييف وواشنطن لا تتناسب مطلقا مع مواقف موسكو ورؤاها وأجندتها التفاوضية، فالكرملين والخارجية حينما يشيران لانفتاح روسيا على الحوار، فهما يقصدان الحوار الشامل مع الغرب والولايات المتحدة خاصة، ولا سيما حول الضمانات الأمنية لروسيا”.
أزمة ثقة
وأوضح الباحث أنه “حتى وإن وافقت واشنطن على مفاوضات جادة وشاملة، فإن هناك أزمة ثقة بين الطرفين، والروس لا يخفون انعدام ثقتهم في الغرب، خصوصا بعد تصريحات المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل، التي قالت إن اتفاقيات مينسك في عام 2014 كانت فقط من أجل إعطاء كييف الوقت لترتيب أوراقها وإعادة تسليح جيشها في وجه روسي”.
ويخلص الباحث إلى أن الحوار لن يقود لنتائج ملموسة تسهم في حل الأزمة، في ظل المواقف والمعطيات الميدانية والسياسية الحالية، “والمدخل لإنضاج مناخ تفاوضي حقيقي حول الأزمة الأوكرانية ومجمل ملفات الصراع الروسي الأطلسي، هو أن يتوصل الغرب لقناعة باستحالة هزيمة روسيا في أوكرانيا”.
وأضاف أنه “حينها يمكن الدخول في حزمة مفاوضات شاملة تتعلق بهندسة خطوط التماس وتنظيم التنافس والتزاحم حول مناطق النفوذ، وشكل العالم الجديد القائم على تعدد الأقطاب”.