ففي بداية شهر سبتمبر الماضي، أعلن وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، القبض على “أمير داعش” في تركيا محمود أوزدن، بمنطقة ديرلي في ولاية جيراسون شمال تركيا.
وذكر الوزير التركي أن المضبوطات في منزل أوزدن تضمنت مخططات لتشكيل مجموعات مكونة من 10 إلى 12 شخصا وتنفيذ عمليات في تركيا، كما ضمت أماكن إخفاء ذخائر الأسلحة، وخططا للإضرار بالاقتصاد التركي، ومخططات لاختطاف سياسيين ورجال دولة ونقلهم إلى سوريا.
ولكن الصاعقة ضربت، حين تبين أن “أمير داعش” سبق أن اعتقل 6 مرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مما أجبر وزير الداخلية التركي، لتبرير الأمر، عبر بيان رسمي، قائلا “لم تكن لدينا أدلة مادية ضده”.
وزعم صويلو أن القضاء لم يخطئ في الإفراج عنه، قائلًا: “إنهم يقومون بما عليهم فعله من الناحية القانونية. ولكن طالما لا توجد أدلة مادية، لا يمكن تحقيق تقدم في سبيل محاكمته والإبقاء عليه في السجن. نحن نحدد العلاقات التنظيمية لكل شخص، لكن الوصول لأدلة ملموسة يحتاج إلى أدلة واضحة. هذه هي أهمية العملية الحالية، من أجل الحصول على أدلة بشأن علاقاته الخارجية”.
قاعدة لوجستية
وفي سبتمبر 2014، قال النائب عن حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض والمنسق الخارجي للحزب، دوردو أوزبولات، في تصريح لصحيفة “يورت التركية” إن “حكومة حزب العدالة والتنمية هي التي خلقت ودعمت التنظيمات الإرهابية المتطرفة أمثال داعش وجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات من خلال فتح أراضيها لتدريبها والتنقل عبرها بحرية”.
هذا الأمر أكده النائب عن حزب الشعب الجمهوري أيضا، رفيق أريلماز، قائلا إن تركيا لم تتخذ التدابير اللازمة حيال منع دخول الإرهابيين إلى سوريا عبر الأراضي التركية للالتحاق بصفوف تنظيم داعش الإرهابي.
وأضاف أريلماز في تصريح لإذاعة “صوت أميركا”: “تركيا تتجاهل تحركات داعش نتيجة لسياسات حكومة حزب العدالة والتنمية المعادية لسوريا وعلاقاتها بجماعة الإخوان الإرهابية في مصر ودعمها لجبهة النصرة الإرهابية”.
وأشار إلى أن عناصر التنظيم المتطرف يستخدمون تركيا كقاعدة لوجستية عبر مطار غازي عنتاب بينما لا تبذل حكومة حزب العدالة والتنمية أي جهد من أجل منع عبورهم إلى سوريا ولا تفرض أي رقابة على ذلك.
السفير يكشف المستور
أبومنصور المغربي الذي تولى مسؤولية التنسيق بين داعش والمخابرات التركية، كشف في مقابلة مع موقع “Homeland Security Today” في فبراير 2019، عن طبيعة العلاقة الحميمة التي ربطت داعش بالحكومة التركية، قائلا “كانت هناك فرق، يمثل البعض منها المخابرات التركية والأخرى تنتمي إلى الجيش التركي. كانت هناك فرق، من 3 إلى 5 مجموعات مختلفة. وأجريت معظم الاجتماعات في تركيا بمواقع عسكرية أو في مكاتبهم، بحسب الموضوع الذي يجري مناقشته. وكانت تعقد الاجتماعات مع الجانب التركي أسبوعيا بالقرب من الحدود، وبعضها في أنقرة أو في غازي عنتاب”.
ويضيف أبو منصور: “اعتاد الأتراك أن يرسلوا سيارة ومجموعة حراسة، وكان يرافقني 2 أو 3 من جانبنا وكنت في موقع القيادة لفريق داعش معظم الأوقات”.
وتابع: “الفائدة بالنسبة لتركيا، هي أننا (تنظيم داعش) في المنطقة الحدودية، وتريد تركيا إحكام قبضتها على حدودها، وفي الواقع كان للأتراك طموحات أكبر من مجرد السيطرة على الأكراد، لقد أرادوا السيطرة على كل الشمال السوري، بداية من كساب (أقصى نقطة في شمال سوريا) وصولاً إلى الموصل”.
تقارير توثق
وصدرت عدة تقارير من مراكز بحثية وأمنية عن الدور التركي في دعم تنظيم داعش الإرهابي، مثل التقرير الذي أصدره مركز مكافحة الإرهاب بأكاديمية “وست بوينت” العسكرية الأميركية في 2014، والدراسة التي أعدها “ديفيد فيليبس” مدير برنامج بناء السلام التابع لمعهد بحوث حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا نوفمبر 2014، والتقرير الذي أعده آرون ستين، الخبير بالشؤون التركية.
أدوات وظيفية
المتخصص في الشأن التركي، كرم سعيد، قال إن الحديث عن العلاقة بين داعش وتركيا “بدأ منذ العام 2014 حين تم احتجاز رهائن القنصلية التركية في الموصل، وبعد مفاوضات سريعة من داعش تم الإفراج عن كل الرهائن، ثم تصاعد الحديث عن العلاقة مع داعش في ظل تقارير عن استفادة تركيا من وجود التنظيم الإرهابي في مناطق سوريا والعراق خاصة المناطق الغنية بالنفط، حيث كانت تحصل تركيا على هذا النفط بأسعار زهيدة أو أنها تقوم بتصديره للخارج مقابل حصة معينة”.
وأضاف سعيد، في تصريح خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن النظام التركي يستخدم علاقته بتنظيم داعش من أجل زيادة نفوذه في مناطق الصراعات وتوظيفها في مواجهة العناصر المناهضة لتركيا مثل حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، وتوظيفها أيضا كقوة وزارنة في مواجهة المواقف الدولية ولا سيما مع روسيا في الداخل السوري.
وتابع “أن تركيا تحولت من كونها ممرا آمنا للجماعات المتشددة التي تريد الذهاب إلى سوريا، إلى مستقر وتم الكشف عن مناطق تجنيد لها في حي الفاتح إسطنبول وغيرها، وكانت تحت سمع وبصر النظام التركي وأجهزته الأمنية والاستخبارية”.
جوازات سفر تركية
من جهته، يقول الخبير في الشؤون التركية خورشيد دلي، لـ”سكاي نيوز عربية”، “إن الأعوام الماضية شهدت صدور تحقيقات وتقارير دولية عدة، قدمت مئات الشواهد على روابط بين “داعش” وأنقرة”.
ويشير دلي، إلى ما حدث في بلدة الباغوز السورية، آخر معاقل داعش شرقي الفرات، حيث اعتقلت الوحدات الكردية الكثير من مسلحي التنظيم المتطرف، الذي كان بعضهم يحمل جوازات سفر تركية، عليها أختام أنقرة”.
وتابع: “البحث في العلاقة المشبوهة بين داعش وتركيا يكشف النقاب كذلك عن تجارة النفط التي تمت بينهما سرا، عبر عمليات تهريب خدمت مصالح الطرفين على حد سواء: فأنقرة تمول التنظيم الإرهابي لتدمير المنطقة من جهة، وجيوب النظام التركي تمتلئ بالأموال من جهة أخرى”.