وتنظر الجزائر إلى الجامع الذي تبلغ مساحته 27.75 هكتارا كعنوان لمرحلة جديدة تريد أن تدخلها البلاد بعد طي صفحة سوداء من تاريخ الدم عاشتها البلاد خلال تسعينيات القرن الماضي بسبب الفتاوى المضللة.

وجرى افتتاح، قاعة الصلاة في جامع الجزائر أمام المصليين، الأربعاء، لأداء أول صلاة جماعية يحتضنها هذا الصرح الديني الذي يصنف على أنه ثالث أكبر مسجد في العالم من حيث المساحة بعد الحرم المكي والمسجد النبوي، ويعد أكبر مسجد في إفريقيا.

وغاب الرئيس عبد المجيد تبون عن هذا الحدث التاريخي لأسباب صحية، وحضر بالإنابة عنه الوزير الأول عبد العزيز جراد، الذي أشرف على تدشين جزء من المسجد عشية عيد المولد النبوي الشريف، ويتعلق الأمر بقاعة الصلاة الكبيرة التي تتسع لما يصل إلى 120 ألف مصل.

محاربة التطرف وخلق أمان ديني

ويجمع المهتمون بالشأن الديني على أهمية هذا الجامع في مواجهة الأفكار المتطرفة وخلق نوع من الأمن الديني وتوحيد الفتوى، كما قال الأمين العام للمجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر الباحث بوزيد بومدين لموقع سكاي نيوز عربية.

وأضاف: “نحاول الاستفادة سياسيا من هذا الصرح الديني من خلال دعم الإسلام الوسطي المعتدل وتوحيد الفتوى بعدما كنا نستورد الفتاوى ذات الطابع السياسي”.

وعانت الجزائر خلال تسعينيات القرن من الأفكار المتطرفة والفتاوى المتطرفة المستورة من الخارج، والتي بسببها ساد الشارع الجزائري حالة من التيه المجتمعي من 1990 إلى 1999 وهي الفترة التي خلفت أزيد من 200 ألف قتيل.

في تلك الفترة كانت الفتاوى التكفيرية سبب في إراقة دماء الأبرياء في العديد من المدن بالجزائر، ولم تنطفئ نار الفتنة إلا بعد تمرير مشروعي المصالحة والوئام المدنيين، اللذين تبناهما الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة بعد جولات من المفاوضات بين السلطة وقادة الجماعات المسلحة لتنتهي الأزمة بعفو شامل.

ولاحقا تبنى بوتفليقة فكرة بناء جامع كبير في الجزائر، وكان ذلك آخر حلم له إلى درجة أن الشائعات حول المشروع تحدثت عن نية الرئيس السابق إطلاق اسمه على هذا الصرح الديني.

وانتهى المطاف بالجدل إلى إطلاق اسم الجزائر على الجامع، وقد أصبح اليوم على بعد خطوة من الانطلاق في مهمته الأساسية.

“الدبلوماسية الروحية”

وقال الباحث بوزيد إن “الجامع سيلعب دور الدبلوماسية الروحية التي ترافق عمل وزارة الخارجية وتقود البلاد نحو لعب أدوار هامة في القضايا الخارجية ذات البعد الديني والتنوع العرقي”.

وفي شهر رمضان الماضي قام الرئيس عبد المجيد تبون بأولى زيارة تفقدية للجامع، وأمر خلالها بتشكيل هيئة علمية رفيعة المستوى للإشراف عليها ورعاية الطموح ليكون مكانا دينيا وَثقافيا وعلميا رئيسيا.

ويلخص الباحث في الشؤون الإسلامية أهمية الجامع على المستوى الدولي في ثلاثة نقاط، قائلا إن “الجامع بإمكانه أن يعيد للجزائر مكانتها في القارة السمراء بعدما غابت البلاد عن إفريقيا وأصبح دورها ضعيفا، لهذا تسعى الجزائر لتحويل الجامع إلى محطة تكوين نخب دينية إفريقية مثلما عمل على ذلك الشيخ التجانبي والسنوسي وغيرهم من العلماء”.

وبالنظر لما تعيشه أوروبا من حملات الإسلامفوبيا، فقد أكد الباحث أن الجامع سيحاول أيضا “لعب دور إيجابي لدعم الجالية المسلمة خاصة في فرنسا التي يوجد بها أكثر من 5 مليون جزائري”.

أما البعد الثالث فيكمن في “تكوين شباب فعال وإيجابي قادر على تصحيح الصور المغلوطة والنمطية التي يحاول اليمين المتطرف الترويج لها حول الإسلام”.

وبحسب عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين كامل شَفَّاط، فإن المسجد الكبير سيكون مهمته تنظيم الفتاوى ومواءمتها مع الحياة في الجزائر، وقال: “الفكرة هي أن يصبح المسجد الكبير مكانا يتم فيه محاربة كل التطرف الديني”.

تحفة معمارية

ويمتاز التصميم الداخلي للجامع بأنه على الطراز الأندلسي، وبتصاميم تبلغ مساحتها 6 كيلومترات من الخط العربي، وسجاد أزرق فيروزي بزخارف نباتية تعكس الهوية الجزائرية، وتحكي تلك الزخرفات التاريخ الإسلامي للجزائر.

ويضم الجامع ذو المئذنة الأطول في العالم بارتفاع 276 مترا، أي 43 طابقا، 12 مبنى مستقلا بما في ذلك مكتبة كبيرة تضم مليون كتاب وقادرة على استيعاب 3500 أشخاص، ومركز ثقافي ودار للقرآن بسعة 300 مكان مخصصة لطلاب الدراسات العليا الجزائريين والأجانب في العلوم الإسلامية والإنسانية، ومتحف ومركز أبحاث للفن والتاريخ الإسلامي.

كما يضم جامع الجزائر ساحة ضخمة وحدائق استرخاء ومساحات خضراء تحتوي على أكثر من 700 نوع من الأشجار والنباتات والبرك والمسطحات المائية مرتبة بدقة، بالإضافة إلى فندق ومطاعم وساحات للترفيه ومحلات تجارية.

وانطلقت أشغال البناء في جامع الجزائر عام 2012 بتكلفة 898 مليون يورو بإدارة شركة الصين الحكومية لهندسة البناء، وبإشراف الوكالة الوطنية لتشييد وإدارة مسجد الجزائر وتحت إشراف وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ووزارة الإسكان والعمران والمدينة.

وقد تم تجهيز المبنى بأحدث أنظمة الحماية، منها نظام مضاد الزلازل عالي الأداء قادر على امتصاص أكثر من 70 بالمئة من تسارع الزلزال.