وتيمنا بتجارب هؤلاء العظماء من أصحاب الهمم، تأسست فرقة “الشمس”، أول فرقة مصرية متخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، التابعة للبيت الفني للمسرح المصري.

وتأسست فرقة الشمس عام 2018، بقرار من وزارة الثقافة المصرية، وتضمن القرار تولي الفنانة المصرية وفاء الحكيم إدارة الفرقة، لتبدأ رحلة عنوانها الأمل والعمل المبدد لكل الصعاب.

بداية الفرقة

وتقول مديرة الفرقة، وفاء الحكيم، إن تولي مسؤولية أول فرقة متخصصة لذوي الهمم، مهمة ثقيلة، لكن التجارب السابقة لذوي الهمم في تاريخ مصر، وخاصةً في الوسط الفني، كانت ملهمة بشكل كاف، لتبدأ رحلة الفرقة دون خوف، على حد تعبيرها.

وأضافت الحكيم لموقع “سكاي نيوز عربية”: “الفكرة التي كنا نسعى لتنفيذها، هي دمج ذوي الهمم بالوسط الفني في مصر، لننتج فنانين حقيقيين يملكون أدواتهم جيدا لإنتاج أعمال فنية بشكل دائم، لا بهدف جذب التعاطف، ولا فقط تسليط الضوء عليهم، لأننا نؤمن بأن داخل كل فرد منهم قدرات تحتاج إلى ما يحركها فقط، ليكون فنانا لا ينقصه شيء عن الآخرين“.

وفي السياق، توضح الحكيم، أن فرقة الشمس لا تضم ذوي الاحتياجات الخاصة فقط، بل يشاركهم فنانون آخرون، بهدف أن يندمج ذوي الهمم وسط فرقة مسرحية كأي فرقة أخرى تابعة للبيت الفني للمسرح المصري، لننتج فنانين يمكنهم المشاركة في عمل خارج الفرقة، ويكونوا جاهزين للمنافسة في السوق الفني.

 وتستطرد: “للوصول لأعضاء الفرقة من ذوي الهمم في البداية، تواصلنا مع الجمعيات الأهلية واستخدمنا مواقع التواصل الاجتماعي، لشرح أهداف الفرقة وخطتها المستقبلية، لنتفاجأ بعدد كبير من المتقدمين، من مختلف محافظات مصر، بالإضافة إلى مغتربين من بلدان عربية كسوريا وليبيا”.

وأضافت مديرة الفرقة، أنهم شكلوا لجانا من أساتذة الفن المصري، تطوعوا لتقييم المتقدمين من ذوي الهمم، واختيار المجال الفني المناسب لهم، إذ حاول المدربون تشكيل حصص توازي الدراسة داخل الأكاديميات الفنية، بدايةً من الوقوف على المسرح حتى تقديم عرض كامل يدفع الجمهور للإقدام على مشاهدته بمقابل مادي.

كما تواصلت الفرقة مع فريق طبي من المؤمنين بالفكرة، تطوعوا لملازمة الفرقة في كل الحصص التدريبية، تحسبا لأي ظرف طارئ يستدعي تدخل طبي سريع، مثل حالات الصرع.

تدريب مختلف

وللتعرف أكثر على آلية تدريب الفنانين من ذوي الهمم، يقول المشرف الفني لفرقة الشمس، يوسف أبو زيد، إن الخطوة الأهم التي يعمل المدربون عليها قبل أي شيء، هي “كسر رهبة أعضاء الفرقة من الوقوف على المسرح”.

وأضاف أبو زيد لموقع “سكاي نيوز عربية”: “فكرة الدمج بين أعضاء الفرقة من ذوي الهمم والأصحاء، تؤثر بشكل إيجابي على اندماج ذوي الاحتياجات الخاصة مع الفرقة، مع الحفاظ على أن تكون النسبة الأكبر من الأعضاء لأصحاب الاحتياجات الخاصة“.

وأشار أبو زيد إلى وجود ورشة يمر عليها جميع المتدربين من ذوي الهمم، تخص التخاطب والتفاعل الاجتماعي، وهي التي تحدد قدرات المتقدم للانضمام للفرقة، لمعرفة التدريب المناسب له في البداية، مؤكدا أن التدريب يكون مختلفًا عن تدريبات الفرق المسرحية العادية، لكنهم في النهاية يصلون لنتيجة مشابهة

ويوضح أبو زيد، أن تنوع المجالات الفنية داخل الفرقة، التي يصل عددها إلى 22 مجالا فنيا، سهّل على الأعضاء اختيار مجال مناسب لموهبتهم وقدراتهم الجسدية والعقلية.

كما أكد أبو زيد، أن تجربة فرقة شمس كانت أكبر إثبات على قدرة المسرح والفن على تسهيل اندماج ذوي الهمم مع المجتمع، حيث تزيد مهارات التواصل لديهم بشكل ملحوظ بمرور وقت، خاصًة أن النسبة الأكبر من الفريق لذوي الإعاقة الذهنية.

إنجازات فرقة الشمس

ونتيجة لجهد كبير خلال عامين، نجحت الفرقة في تقديم العديد من العروض في أكثر من 100 فعالية فنية، ما بين العروض المسرحية والحفلات الفنية والمعارض التشكيلية. كما شاركت “الشمس” في احتفاليات خاصة بأعياد قومية كعيد تحرير سيناء وعيد الطفولة ويوم اليتيم.

ولم يتوقف نجاح الفرقة على المستوى المحلي، حيث شاركت في محافل دولية مثل مشاركة العرض المسرحي “أنتيكا” بمهرجان ليالي السلام المغربي، ومعرض مصغر وبعض الأفلام القصيرة في مهرجان جامعة جلالي اليابس بجمهورية الجزائر.

وعلى المستوى الفردي، تواصلت الفرقة مع أكاديمية الفنون المصرية التي تضم عدة معاهد، كمعهدي السينما والموسيقى العربية، لإلحاق بعض طلاب الفرقة بالأكاديمية، ليكونوا فنانين أكاديميين.

وكشفت اختبارات الذكاء التابعة لوزارة الصحة المصرية التي خضع لها بعض أعضاء الفرقة، عن تطور العمر العقلي لهم بعد فترة من ممارسة الفن، في ظاهرة تبرز كيف أثرت فرقة الشمس في وجدان أعضائها.

كما توضح الحكيم، أن عدد المتدربين داخل فرقة الشمس تجاوز الألفي متدرب خلال عامين، وأنه مع مرور الأيام، يزداد الإقبال من الأسر الراعية لذوي الهمم على مشاركة أبنائهم مع الفرقة.

الحفل الأول

بقلب مضطرب اجتمع بداخله الأمل والخوف، شاهدت السيدة علياء حامد ابنتها نيرة عصام وهي تعزف أربع مقطوعات موسيقية في حفلتها الأولى مع فرقة الشمس. ومع بداية المقطوعة الأولى اطمأن قلبها مع تصفيق الجمهور من حولها.

وتحكي والدة العازفة نيرة عصام لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن إصابة ابنتها بمتلازمة “داون”، لم تمنعها من أن تكون عازفة فلوت، مشيرة إلى انجذاب نيرة منذ طفولتها إلى الموسيقى.

كما توضح أن فرقة الشمس كان لها دورا كبيرا في تطوير مهارات العازفة المصرية الفنية والاجتماعية، خلال 25 عرضا شاركت فيهم، ساعدتها على زيادة ثقتها بموهبتها يوما بعد يوم.

وأضافت: “أهم ما يميز الفرقة، هو قدرة المدربين على توظيف مهارات أعضائها بشكل مناسب، فعلى سبيل المثال، العرض الأول لابنتي نيرة، كان مقررا أن تعزف مقطوعة واحدة خلال دقيقتين، لكن خلال تجارب العرض، استقروا على أن تعزف أربع مقطوعات، عزفتهم خلال 25 دقيقة تقريبا“.

وعبرت والدة نيرة عن سعادتها بما حققته ابنتها خلال الأعوام الأخيرة، فهي الآن أحد أعضاء البيت الفني للمسرح المصري، وتتقاضى أجرا من وزارة الثقافة المصرية مقابل فنها، مؤكدة أن نيرة هي من تحدد أدوارها في العروض التي تشارك فيها، سواء كعازفة أو استعراضية أو ممثلة.

أحلام نيرة

أحلم بأن أكون عازفة في الأوبرا المصرية”، هكذا عبرت العازفة نيرة عن طموحها لموقع “سكاي نيوز عربية”.

وأوضحت أن فرقة الشمس لعبت دورا كبيرا في زيادة مهاراتها الفنية، بجانب دراستها في أكاديمية الفنون المصرية بمعهد العالي للموسيقى “الكونسرفتوار“.

كما عبرت عن حبها لزملائها بالفرقة، مشيرة إلى الروح الجميلة المنتشرة بينهم، ليتمكنوا من إخراج عروضهم الفنية بتلك الجودة.

ولا ترى نيرة أن كونها من ذوي الهمم، يعيق تقدمها الفني، حيث تخطط حاليا لتطوير مهاراتها لتتمكن مستقبلًا من تأليف الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات المصرية، معربة عن سعادتها بعد قرار تعيينها من قبل وزارة الثقافة المصرية، كعازفة في فرقة الشمس.

وهذه الأيام، تستعد العازفة المصرية للمشاركة مع الفرقة في العرض المسرحي “ليالي شتوية”، المقرر إقامته في يناير الجاري، وهو العرض الأول من نوعه، الذي يقدمه فريق كامل من ذوي الهمم.