في هذا الحوار مع موقع “سكاي نيوز عربية”، يناقش رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، محمد موساوي، مكانة الإسلام والمسلمين في فرنسا، وموقف المجلس من خطابات الكراهية التي تلت نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد، كما يشرح التفاصيل التي يشملها مشروع قانون “النزعات الانفصالية” الذي سيتم عرضه على مجلس الوزراء في التاسع من ديسمبر المقبل.

ويوضح محمد موساوي، كيف تتناسب قيم الجمهورية العلمانية مع الدين الإسلامي.

هل صحيح أن مسلمي فرنسا يعانون من الاضطهاد السياسي؟

المسلمون ليسوا مضطهدين في فرنسا، قد تجري بعض الاعتداءات وأحيانا لمز وسب، لكن هذا لا يشكل اضطهادا بمعناه الصحيح الذي لا يستقيم إلا إذا تم بشكل منهجي ومنظم من طرف نظام الدولة.

المسلمون في فرنسا يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات، وينبغي الإشارة إلى أن فرنسا تمنح الجنسية سنويا لمئة ألف أجنبي، من بينهم عدد كبير من المسلمين لمجرد إقامتهم لبضع سنوات في فرنسا، كما أنها سمحت ببناء 3000 مسجد، هذا يدفعنا للتساؤل حول عدد البلدان التي مكنت أقليتها المسلمة ببناء هذا الكم من المساجد على أرضها.

مسلمو فرنسا يعيشون تحت لواء دولة تحترم القانون، ما يتعرض له المسلمون من هجوم من طرف أحزاب اليمين المتطرف لا يمكن أن نصم بها دولة لها قانونها وواجباتها كما أنه ليس من العدل وصف المجتمع الفرنسي بالمضطهد والعنصري.

هل يمكن القول كذلك أن المجتمع الفرنسي يعاني من “الإسلاموفوبيا”؟

لا يجب أن نعمم بعض الحوادث الطفيفة التي تجري في حق المسلمين وغيرهم من الأقليات الدينية في فرنسا على المجتمع ككل، يقول الله تعالى “لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى”.

نحن نخاطب هؤلاء المتطرفين الذين يريدون زرع الفتنة في المجتمع، ونقول لهم إن لنا عقيدتنا ونحن نحترم عقيدة الآخرين، ونريد أن نعيش في ظل السلام والأخوة التي تعتبر قيمة أساسية من قيم هذه الجمهورية.

ما رأيكم في من نصب نفسه متحدثا باسم مسلمي فرنسا ويصب الزيت على النار داخل الأوساط الفرنسية؟

فعلا، هناك جهات كثيرة استغلت هذه الأحداث الأخيرة لدس بعض الأفكار التي لا تليق بمسلمي فرنسا ولا المواطن الفرنسي، فالطرفان يعيشان في سلم وأمان داخل هذا البلد.

نتأسف لهذا الاستغلال الذي يتم على حساب مصالح المسلمين الذين لا يحتاجون لمن يتكلم باسمهم أو يدافع عنهم بهذه الشكل. فنحن قادرون على الدفاع عن مصالحنا وفي حال كان هناك إجحاف في حقنا فسنتوجه إلى السلطات المختصة.

أقول أيضا، لا يجب خلط الأوراق السياسية والجيوسياسية واستغلال مثل هذه الأحداث لإظهار واقع مغاير بعيد عن الحقيقة.

ويجب توخي الحذر أثناء توجيه الخطابات لأنها قد تتسبب في عواقب وخيمة على الإسلام والمسلمين، فما وقع للأستاذ سامويل باتي كان رد فعل على نشر فيديوهات تثير الفتن.

ونحن نسعى يوميا إلى فتح حوار جاد بيننا وبين ممثلي الديانات الأخرى، وكذلك السلطات المدنية بشتى مكوناتها لضمان جو من التعايش والسلم بين كل مكونات المجتمع الفرنسي.

هل هذا يعني أن بعض الدول تحاول التدخل في الشأن الفرنسي عبر دعم التنظيمات المتطرفة داخل فرنسا واستغلال الاحداث الدينية؟

أخذت عهدا على نفسي ألا أتحدث في الأمور السياسية، لأن الدولة الفرنسية لها رجالها الذين يسهرون على مصالحها، لكن يمكنني أن أؤكد أننا نساند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قراراته ونتمنى أن يتوصل باقي الرؤساء إلى الحكمة والتحلي بروح التفاوض والحوار البناء.

ما هي نقاط الضوء بالنسبة لمسلمي فرنسا في مشروع قانون الرئيس الفرنسي المناهض للانفصالية المتوقع عرضه بداية شهر دجنبر المقبل؟

قال الرئيس الفرنسي في خطابه إنه يريد أن يتصدى للذين يستعملون الدين في أغراض السياسية أو متطرفة أو يسعون إلى فصل مسلمي فرنسا عن باقي المواطنين الفرنسيين.

كما أوضح أن للمسلمين الحق في ممارسة شعائرهم الدينية، وأن الإسلام دين مواطنين فرنسيين، ثم ذكر بعض الإجراءات التي ستفعل لحفظ أمن الجمهورية من أعمال المتطرفين.

ماكرون أكد على ضرورة أن يجد الإسلام مكانه داخل المجتمع عبر تقوية حضور اللغة العربية في المدارس العمومية الفرنسية، مع إدخال الدراسات الإسلامية في الجامعات الفرنسية للتعريف بالدين الإسلامي وحضارته وتاريخه وقيمه، في خطوة لتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام الذي تم وصمه بالعنف.

كما أنه يفكر في تطبيق نظام الوقف، لتتمكن المساجد من الحصول على موارد مالية تمكنها من دفع أجرة الأئمة والقيام بأعمال الصيانة وغيرها، حتى تتجنب بذلك دور العبادة التمويلات الخارجية.

لماذا يواصل الدين الإسلامي طرح كل هذه الأسئلة داخل فرنسا رغم وجود أكثر من خمسة ملايين مسلم على ترابها منذ عقود من الزمن؟

هناك من يعتبر أو اعتاد أن تظل مظاهر التدين في البيت، كما أن الأعمال الإرهابية التي تنفذ باسم الدين تخيف بعض الفرنسيين. علينا كمسلمين توضيح هذه الصورة التي لا تعكس أخلاق المسلمين ولا مبادئهم.

وهذا لا يمنعني من القول بأن الكثير من الفرنسيين بمعاشرتهم للمسلمين استطاعوا التفريق بين المسلم والمتطرف.

إذن، هل تعمل الدولة الفرنسية على التوفيق بين قيم الجمهورية على رأسها العلمانية وقيم الإسلام؟

التوفيق بين العلمانية ومبادئ الإسلام ليس بالأمر الصعب، فالعلمانية في صيغتها المنصوص عليها سنة 1905 تعتبر في مبادئها أن لكل فرد الحق في اعتناق الديانة التي يشاء، وتحث على المساواة بين المواطنين كيفما كانت عقيدتهم أو انتماؤهم الديني أو السياسي، وهذا يضمن بالتالي حقوق المسلمين في فرنسا.

كما أننا طالبنا ببعض التعديلات التي تهم تطبيق نظام الوقف كما ذكرت سابقا، وماكرون وعد بمناقشة الموضوع مع البرلمانيين. وأنا أقول، مخطئ من يظن أن العلمانية تتعارض مع الإسلام.

ألا يقع خلط بين مصطلحي الإسلام و”الإسلاموية” المستعملين في فرنسا؟

فعلا، يقع بعض الخلط. لقد حصل سوء فهم خصوصا على المستوى الخارجي. إذ يستعمل السياسيون والإعلاميون الفرنسيون في خطابهم كلمتي “إسلاموي” في إشارة إلى التطرف أو الإسلام السياسي كما يتم استعمال الإسلام بصفته دين الملايين من المسلمين، إلا أن العالم الإسلامي رأى أن التعبيرين يحملان نفس المفهوم ويستعملان في نفس السياق.

وهذا ما يفسر الهجوم الذي تعرض له ماكرون بعد خطابه حول مشروع قانون الانفصالية، فهو عندما قال إن الإسلام في أزمة كان يقصد الفكر الديني وليس الإسلام كدين في حد ذاته، وبالتالي يجب التفريق بين المعنيين.

وأنا خلال لقائي بالرئيس الفرنسي، مؤخرا، اقترحت عليه استعمال تعبير “المتطرفين الذين ينتمون إلى الإسلام” بدل “إسلامويين” حتى يتجنب أي تأويل خاطئ أو أي خلط.

كيف تعاملتم مع الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد؟

تدخل الرسوم الكاريكاتورية في ثقافة المجتمع الفرنسي منذ سنين طويلة، وهي تقليد غير مقبول عند العديد من الدول والديانات. بالأمس مثلا، أكد أحد الأساقفة على أن الاستهزاء بالديانات أمر غير مقبول. غير أن القانون الفرنسي يسمح بذلك، لذلك نحن نذكر أن الرسول قيد حياته تم الاستهزاء به، وقد قال الله تعالى ” ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين” والله سبحانه وتعالى دعا إلى عدم سب “الكافرين”.

وهنا يحضرني كذلك موقف رسولنا الكريم عندما نادوه يا مذمم بدلا من محمد، فغضب الصحابة فقال لهم رسول الله: لما الغضب هم يسبون مذمم وأنا محمد وهذه الصور ليست صورة محمد، هم يستهزئون بصور من إنتاج خيالهم، الرسول عليه الصلاة والسلام معصوم من كل أذية لأنه يسكن في قلوبنا وليس في صورهم.

وأنصح ألا نلتفت لما يُرسم، لأنه كلما كانت لنا ردود فعل كمسلمين على ما يقدمون، كلما استمروا فيما يفعلون. الحل هو التجاهل.

أين يتجلى عملكم في تصحيح صورة الإسلام خصوصا أنكم المخاطب الديني مع الإليزيه؟

دورنا يتجلى في التذكير بالقيم السمحة للإسلام، لو توقفنا فقط أمام المقاصد الخمسة التي ذكر بها علماؤنا كحفظ النفس البشرية، في هذا الشأن يقول عز وجل أنه “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها كأنما أحيا الناس جميعا”. كما أن الإسلام كرم الإنسان كيفما كانت ديانته وعقيدته، قال تعالى ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر”.

الإسلام يحترم أيضا العقل والمنطق، ويؤكد على احترام حرية المعتقد، “لا إكراه في الدين”، مع الـتذكير بقيم الرحمة في ديننا “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”.

ما هي استراتيجيتكم للتواصل مع الشباب المسلم في فرنسا؟

نحن نعلم أن الشباب المسلمين لا يقبلون كثيرا على المساجد في فرنسا، لهذا أصبحنا نتواصل معهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا نسمح بتشبع فكرهم بالتطرف، وننشر قيمنا الدينية السمحة عبر أئمة شباب نقوم بتكوينهم.

هل تمت حماية المساجد بعد هذه الأحداث الإرهابية؟

نعم خصصت السلطات الفرنسية 7000 جندي لحماية المساجد والمصلين، غير أننا فضلنا إقفال المساجد والاكتفاء بالاحتفاء بالمولد النبوي من داخل منازلنا، تجنبا لأي حادث مأساوي. وتوفير الحماية فقط للمساجد فارغة.