وخلال الأيام الماضية اجتاحت الشارع السوداني شكوك كبيرة بشأن حقيقة مقتل ووفاة عدد من الأشخاص، وذلك بعد تقرير مزور صدر عقب تشريح جثة بهاء الدين نوري، الذي قتل في ظروف غامضة بأحد المعتقلات الأمنية الشهر الماضي.

وتزايدت الشكوك بشكل أكبر بعد أنباء غير مؤكدة عن ظهور شقيق المخلوع عمر البشير في تركيا بعد أن أعلنت وفاته قبل بضعة أسابيع.

وطالب عدد من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة مراجعة تقارير التشريح، التي صدرت أثناء وبعد الثورة وذلك للكشف عن أسباب وفيات شخصيات معروفة من بينهم القيادي المعارض البارز للبشير علي محمود حسنين والشرطي نزار ضو النعيم، الذي نشر مقاطع فيديو قبل وفاته أكد فيها امتلاكه لمعلومات عن حالات قتل طالت عدد من الضحايا أثناء وبعد ثورة ديسمبر 2018 التي أطاحت بنظام المخلوع عمر البشير في أبريل 2019.

جريمة خطيرة

ويؤكد أحمد البشير، وهو لواء شرطة متخصص في الجرائم الجنائية، لموقع “سكاي نيوز عربية” أن التزوير في التقارير الطبية المتعلقة بتشريح جثامين الموتى يعتبر واحدا من أخطر الجرائم نظرا لما قد يشكله من تأثير سلبي على سير العدالة.

وقال البشير إن القوانين السودانية والدولية تتعامل مع مثل هذه الممارسات بحزم وتوقع أقصى العقوبات على مرتكبيها في حالة ثبوت قيامهم بتغيير او تحريف الحقائق.

وأشار البشير إلى أن وجود العديد من الأسباب التي قد تدفع بعض أطباء التشريح من ضعاف النفوس لارتكاب مثل هذه الجرائم مثل التعرض لضغوط من جهات بعينها أو أن تكون لهم مصلحة شخصية أو غيرها من الأسباب التي لا تبرر الوقوع في مثل هذه الأعمال الإجرامية والتي تتنافى مع جميع الأعراف الأخلاقية.

بالنسبة للمحامي طارق الشيخ، فإن الوقائع المرتبطة بها والشكوك التي أثيرت حول تقرير التشريح الأول لنوري والتي أدت إلى إعادة التشريح ومن ثم البدء في اتخاذ إجراءات قانونية ضد الطبيب المتهم بتزوير التشريح، جميعها عناصر أنعشت ذاكرة الشارع السوداني وإعادة شريطا طويلا من الاحداث التي أثارت العديد من الشكوك حول حقيقة مقتل العديد من ضحايا نظام المخلوع عمر البشير والكثير من الضحايا الذين سقطوا بعد الثورة.

ويقول الشيخ إن هذه الوقائع تؤكد المخاوف الجدية حول التأخير الغير مبرر بل وإعاقة الإجراءات التي أفضت إلى تحقيق العدالة، التي تعتبر أحد أهم الأعمدة الثلاثة الرئيسية لأهداف ثورة ديسمبر.

لغط كبير

بعد اللغط الذي أثير خلال اليومين الماضيبن حول ظهور شقيق المخلوع البشير في تركيا رغم إعلان وفاته ودفنه في ضاحية الخرطوم بحري بمشاركة عدد قليل من المشيعين، طالب عدد كبير من نشطاء مواقع التواصل بضرورة نبش قبره والتأكد من مطابقة الجثة المدفونة للحمض النووي.

وتستند تلك المطالبات إلى أن التقارير تشير إلى أن الطبيب المتهم بتزوير تقرير التشريح الأول المزور للشهيد نوري هو نفسه طبيب مشرحة أم درمان، الذي استخرج شهادة تقرير وفاته.

لكن المحامي الشيخ وعلى الرغم من تشكيكه في شائعة ظهور عبدالله البشير شقيق الرئيس المخلوع بدولة تركيا بعد إعلان وفاته، إلا أنه يرى أن الجهات العدلية وعلى رأسها النيابة العامة هي المعنية بتأكيد خبر الوفاة أو نفيه من خلال حزمة إجراءات قانونية يستوجب القيام بها.

ويشير الشيخ إلى ضرورة التفريق بين عمليات التزوير التي حدثت في تقارير تشريح جثامين بعض القتلى ووفاة شقيق المخلوع البشير حيث أن هنالك إجراءات تتبع عند وفاة المسجونين أولها التأكد والتثبت من واقعة الوفاة وأسبابها وهنالك مستندات بالضرورة مؤكدة لشخصية المتوفي ويتبع ذلك تسليم الجثمان إلى ذويه لأغراض المواراة.

أسر الضحايا

يشير أبوبكر عمر الإمام الذي قتل ابنه عبد العظيم (24 سنة) على يد مجموعة من مليشيات المخلوع عمر البشير بعد شهر من اندلاع ثورة ديسمبر 2018، إلى وجود العديد من الأدلة والبراهين التي تؤكد ضلوع بعض المعنيين بأمر تشريح جثث القتلى في عمليات تزوير بهدف إخفاء جرائم القتل التي تقوم بها بعض المجموعات الأمنية.

ويقول عمر إن واحدة من أمثلة التزوير الصارخة تلك التي ارتبطت بعبد العظيم التزوير والذي حدث لجثمان شهيدا بهاء الدين أكد بما لا يدع أي مجال للشك بأن الذي يجري في كل أجهزة الدولة كان بإشارات من الأجهزة الأمنية والتي تغلغلت في كل المصالح والمؤسسات سواء كانت العدلية أو الطبية أو الأمنية وكل مؤسسة يحدث فيها جرائم وفساد مرتبطة بالنظام السابق.

واعتبر عمر أن عمليات التزوير التي تقوم بها الأجهزة الطبية والعدلية من أكبر المخاطر التي يمكن أن تعترض سير العدالة.

تطمين رسمي

وردا على الشكوك الكبيرة التي اجتاحت الشارع السوداني مؤخرا، قالت لجنة التحقيق المشكلة من النائب العام السوداني في بيان الأحد إن اللجنة المختصة من دائرة الأدلة الجنائية قد أنهت مرحلة التحقيق الأولي الخاصة بمسرح الحادث برفع الأدلة المادية والآثار وكافة الأعمال الفنية توطئة لبدء إجراءات النبش وإعادة تشريح الجثامين.

وأوضحت أنها كانت قد أصدرت تعميماً في نوفمبر الماضي مفاده العثور على مقابر جماعية وأتبعته بآخر مفاده بأن اللجنة غير معنية بأي نشر أو استنتاجات غير واردة في تعميمها وأنها ستملك الحقائق للشعب السوداني بكل شفافية.