وأثرت أزمة فيروس كورونا المستجد على مختلف نواحي الحياة، لكن قطاع الاقتصاد كان من الأشد تأثرا نتيجة حالة الشلل التي أصابته، بعد أن أثبت الوباء حجم الاعتماد العالمي على الصين في عمليات الإنتاج والتصنيع، مما دفع عددا من الحكومات إلى تقديم الدعم المالي للشركات، لنقل مصانعها من الصين.

ففي فبراير الماضي، بلغت أوامر الإغلاق في الصين أوجها، مما عنى أن الكثير من الشركات العالمية وجدت نفسها بلا مصانع لمنتجاتها، كالملابس والإلكترونيات وغيرها، مما سلط الضوء على اعتماد العالم على الصين في مجال التصنيع، وضرورة اتخاذ خطوات لمنع تكرار مثل هذا السيناريو في المستقبل، بحسب تقرير لموقع كوارتز المتخصص.

ومما زاد الطين بلة، أنه عندما ضرب وباء “كوفيد-19” مختلف دول العالم، وجدت دول كبرى نفسها في مأزق كبير، عندما اكتشفت أنها غير قادرة على تصنيع معدات وأقنعة طبية محليا، لأنها أسندت تلك العمليات للصين منذ مدة طويلة، وهو ما حدث مع الولايات المتحدة.

وقال الخبير الاقتصادي ومدير الاستثمار بـمؤسسة “واشنطن أناليتيكا”، شريف عثمان، إن الصين ستواجه تحديا اقتصاديا، لكنها أكبر من أن تتعرض “لضربة حقيقية”.

وقال عثمان لموقع سكاي نيوز عربية: “أزمة كورونا هذه من الممكن أن تؤدي لتوطين عدد من الصناعات بالنسبة لشركات عديدة، حتى لو كان هذا على حساب التكلفة”.

وأضاف: “الاقتصاد الصيني هو ثاني أقوى اقتصاد في العالم، هناك العديد من البدائل التي من الممكن أن تلجأ لها، كما أنها تمتلك قدرة تنظيمية كبيرة، وتكنولوجيا متطورة، لذلك فليس من السهل أن تتعرض الصين لضربة حقيقية”.

أما أستاذة الاقتصاد بجامعة باريس 10، نسيمة أوهاب، فاستبعدت أن تتغير ديناميكية التصدير من الصين إلى العالم، حتى بعد انتهاء أزمة كورونا.

وقالت أوهاب لسكاي نيوز عربية: ” هناك سببان رئيسيان لعدم تغير ديناميكية التصدير من الصين إلى أنحاء العالم،  الأول يكمن في المعرفة التي اكتسبتها العمالة الصينية و السرعة في الإنجاز التي لا يوجد لها مثيل، مما زاد من ثقة العملاء و الشركات في المنتوجات الصينية. ثانيا: تكاليف الإنتاج الرخيصة جدا بالمقارنة مع دول أوروبا أو اليابان يجعل الشركات تبحث عن السعر الأقل تكلفة و الأكثر ربحا حتى على حساب الجودة، وهذا ما توفره حاليا الصين وحدها”.

اقتصاد غربي هش

وقالت أوهاب إن أزمة كورونا كشفت عن البنية الصحية والاقتصادية “الهشة” للعديد من الدول الغربية، وهو ما أتاح للصين تصدر المشهد.

وقالت أوهاب: ” أزمة الكورونا رفعت الغطاء عن البنية الصحية الهشة للكثير من الدول المتطورة كإيطاليا و إسبانيا و فرنسا التي أغلقت العديد من مصانعها و توجه سياستها للتوريد من الصين”.

لكن الأزمة التي مرت بها هذه الدول، جعل بعضها يعيد النظر في سياستها الداخلية في هذا المجال، و إقرار فتح المصانع، كما هو الحال في فرنسا التي قررت إعادة فتح مصنع الكمامات من أجل مواجهة النقص الذي تعاني منه المستشفيات و الصيدليات، وفقا لأوهاب.

وقالت أوهاب: ” الحل العقلاني الوحيد في المستقبل هو تقليص التبعية في المجالات المهمة حيال الصين أو غيرها”.

اللعبة الصينية

أما أستاذ الاقتصاد وإدارة الأزمات بجامعة كارديف متروبوليتان، عبداللطيف درويش، فقال إن الصين ظهرت “كمنقذ للعالم” بمنتجاتها، ولعبت لعبة ذكية بالتعامل مع الدول خلال أزمة كورونا.

وقال درويش لموقع سكاي نيوز عربية: “الصين كانت المنقذة للعالم، الكل لجأ إليها، والصين لعبت دورا ذكيا بتوفير فرق طبية والعلاج للجميع، حتى يستمر اعتماد الدول عليها لفترة طويلة”.

وأضاف درويش: “سياسة الصين الصناعية هي اتباع لمقولة “قم ببيع المنتج بسعر بخس لتصبح مشهورا”، والاعتماد الأساسي على غزارة الإنتاج بمبدأ “أعطيك منتجاتي الكثيرة حتى لا تضطر للتفكير بكيفية صناعتها”.

وتابع: “قالوا سنصنع الملابس الرخيصة لمدة 50 عاما، حتى يموت كل من يتقن صناعتها”.

وأشار درويش إلى أن الصين ربحت كثيرا من أزمة كورونا: “تخلصت الحكومة الصينية من أزمة مظاهرات هونغ كونغ، بسبب كورونا، كما تخلصت الحكومة من العديد من المسثمرين الأجانب، حيث استطاعت الحكومة  شراء استثماراتهم بسعر رخيص، وثالثا، تعلمت الصين كثيرا في التعامل مع الأزمات الإنسانية، مما سينفعها مستقبلا”.

حلول بديلة وفرصة عربية

وفي حال توجه الاقتصاد العالمي للبحث عن بدائل للإنتاج الصيني، فلا توجد العديد من الخيارات المتاحة في العالم، وفقا لأوهاب.

فالدول الآسيوية البارزة مثل كوريا الجنوبية وتايوان أثبتت براعتها وهيمنتها في مجال إعادة التصنيع والتكنولوجيا، وقد أصبحت خلال فترة وجيزة من المراكز الحيوية للاقتصاد العالمي، لكنها في الوقت الحالي بعيدة عن مستوى الصين، بحسب الخبيرة الاقتصادية.

وأضافت: “الأمر كذلك ينطبق على الدول الأوروبية كفرنسا و ألمانيا المتطورتين جدا، لكن تكلفة الإنتاج واليد العاملة تظل مرتفعة، وهو ما ينفر أغلب الشركات التي تبحث عن الربح بأقل الخسائر”.

ولكن عثمان، أشار إلى أن الأزمة العالمية قد تمثل “فرصة ذهبية” لعدد من الدول العربية، لمنافسة الصين، في بعض النواحي الصناعية.

وقال عثمان: “فرصة كبيرة للدول العربية لتحل مكان الصين في بعض الصناعات، ففي دول عربية عديدة، تجد عمالة على درجة مرتفعة من التعليم والتدريب، وتكلفتها غير مرتفعة، من الممكن استخدامها، وأن تحل محل الصين في بعض الصناعات”.

ستحتاج دول العالم للكثير من العمل والتدريب، لخلع رداء المنتج الصيني، الذي ارتدته لعشرات الأعوام، ولكن حتى ذلك الوقت، ستظل عبارة “صنع في الصين” تغطي المنتجات في منازلنا.