‘);
}

الإنسان في نظر الإسلام

تتمثّل طبيعة النظرة الإسلامية إلى النفس الإنسانيّة بصفةٍ عامّةٍ إلى أنّها نفسٌ مكرّمةٌ ومعظّمةٌ، ولا يوجد استثناءٌ في ذلك في أي ناحيةٍ من النواحي المحسوسة، فلا فرق بين اثنين للونٍ أو لجنسٍ أو لدينٍ، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)،[١] وهذا التكريم شاملٌ للإنسان المسلم وغير المسلم على حدٍ سواءٍ، فالإسلام ينظر للإنسان بنظرةٍ شاملةٍ، ويتعامل مع نفسٍ مكرّمةٍ، فلا يجوز إهانتها، أو ظلمها، أو الإساءة إليها بحالٍ من الأحوال، ويظهر هذا جليٌ في الكثير من النصوص القرآنية، ومثال ذلك قول الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِ)،[٢]، وقال أيضاً: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا)،[٣] فالنفس لن تُظلم أيضاً يوم القيامة، سواءً أكانت مؤمنةً بالله تعالى أم كافرةً به، ونصوص السنة النبوية دلّت على ذلك أيضاً، كقول النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الذي يرويه البخاري في صحيحه، حيث إنّه عندما مرّت برسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- جنازةٌ فقام، فقيل له: إنّه يهوديّ، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أليست نفساً)،[٤] ومن جانبٍ آخر فإنّه في الشريعة الإسلامية يقبل المسلم المخالفين له في العقيدة، ويعلم أنّ وجودهم حتميّ ولا يُمكن اختفاءهم من الأرض أو التعامل معهم في حياته، وعلى ذلك فإنّ الشريعة الإسلامية بيّنت كيفية التعامل والتفاهم مع الطوائف غير المسلمة، وهذا يعتبر تقديرٌ من الدين الإسلامي لكلّ نفسٍ مهما كانت، وتكريمٌ من الله -تعالى- لكلّ بني آدم.[٥]

خُلق الإنسان ضعيفاً

تقوم الشريعة الإسلامية على العديد من القواعد، وأهمّها مناسبتها للطبيعة البشرية المجبولة على الضعف والوهن، حيث ورد في القرآن الكريم العديد من النصوص التي تبيّن ما فطر الله -تعالى- عليه الإنسان من ضعفٍ، وأنّه مهما أُوتي من قوةٍ يبقى ضعيفاً وعاجزاً أمام أبسط الشهوات، والمغريات التي في الحياة الدنيا، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)،[٦]، فالضعف في هذه الآية الكريمة ضعفٌ عامٌ وشاملٌ لجميع جوانب الضعف البشري؛ النفسيّ، والبدنيّ، والعقليّ، والتركيبيّ، والعاطفيّ، فالإنسان ضعيف النفس بطبعه وفطرته، وهو مجبولٌ على ذلك منذ أن خلقه الله تعالى، ويعود سبب ذلك إلى ما هو مزروعٌ في نفسه من نوازع الخير والشرّ، ولما في نفسه من الوساوس والأهواء التي يتعرّض لها، ويظهر من خلالها ضعفه جلياً، وهو كذلك ضعيف الجسم بسبب ما يتعرّض له من الأمراض والآلام والأوجاع والأسقام، ممّا يجعله يتألم ويركن للراحة والنوم أو المسكنات والأدوية، وهو كذلك ضعيف العقل بسبب قدراته المحدودة في منظور الكون، فمهما كان إدراكه عظيماً فلن يكون مُلماً بجميع جوانب المعرفة، وهو أيضاً ضعيفٌ في الجوانب العاطفية فيتأثّر سريعاً بما حوله، فأي شيء يجري له يؤثّر على عاطفته فيُبكيه أو يُفرحه، يُشجّعه أو يُخوّفه، ومع كلّ هذه الأوجه من ضعف الإنسان فإنّ الله -تعالى- شرع له ما يناسبه وما فيه تخفيفٌ وتيسييرٌ عليه.[٧]