‘);
}
فراقُ الأمّ فراق الرّوح للجسد
منذ وفاتك يا أمي توقفت الحياة ومنذ أن توارى وجهك المنير في التراب يا أمي توارت روحي معه، فصرت أسير في هذه الدنيا على غير هدى، وقد ازداد هذا العالم وحشة وظلامًا.
لم أعد أشعر بذاتي أو بما حولي، افتقدت طعم الأشياء وروحها، فكل الأيام متشابهة، وكل الأشياء بلا نكهة تميزها. لقد أدركت حقّ الإدراك أنّني كنت أسير بفضل رضاك ودعائك، والآن كل شيء يسير ببطء شديد وصعوبة كبيرة، أشعر أن كل شيء صار عسيرًا علي، ولم أعد أستطيع أن أتكلم كثيرًا أو أقابل الكثير من الناس.
ولقد أصبحت مشاعري باردة كبرودة الثلاجة التي احتوت جثتك، وصار مقعدك الذي كنتِ تجلسين عليه لقراءة القرآن جليسي، ها هو البيت كما تركته يا أمي لكنني أشعر بأنه بيت آخر أكثر ظلامًا من القبر.
‘);
}
فراقُ الأمّ ندبةٌ في الذاكرة
لم أستطع على الرغم من مرور السنوات نسيان تلك اللحظات العصيبة، لم يفارقني يومًا وجه والدتي، لم أنس تلك العينين النائمتين، والبرودة القاسية التي غطت ذاك الجسد. كانت اللحظات الأخيرة قبل وفاتها هي الأصعب، عينان غائبتان وأنفاس متقطعة، ونبضات ضعيفة، وجسد واهن لم نعهده يومًا بهذا القدر من المرض.
فقد كانت أمي امرأة قوية رغم ضروب الألم والصعوبات التي واجهتها، وكانت همساتها الأخيرة المنخفضة تئن في صدري، تأوهات وآلام، لم يخالطها إلا ذكر الله تعالى وشهادة بوحدانيته واستغفار مستمرّ، كم كان صعبًا أن أشاهد أمي وهي على هذا الحال، أقف إلى جوارها عاجزة عن مساعدتها، أركض نحو الأطباء دون جدوى.
لم تستطع تلك الذكريات الأليمة أن تختفي على الرغم من مرور الكثير من الوقت، أزور قبرها فتمثل أمام عيني تلك المشاهد، ولا أملك لها إلا الدعاء بالرحمة وأن يجمعني الله بها في جنات النعيم.
فراقُ الأم يتمٌ أبديّ
منذ وفاتك يا أمي وأنا أشعر أنني شجرة مقتلعة الجذور، أقف بضعف تهددني أي ريح وتعصف بي، كم هي عصيبة أيامي الحزينة دون يدك تربت على كتفي ودعواتك ترافقني، وكم هي ناقصة أيامي السعيدة دون فرحتك من أجلي، ففرحتي تشوبها غصّة وحزن دائمًا، إن شعوري باليتم يفارقني ويؤرقني وكأنني ما زلت طفلًا صغيرًا.
وكم أفتقد عطفك الدائم عليّ وأمنياتك الصادقة لي بالنجاح والتميّز والسّعادة، كما يبدو المنزل دونك فارغًا وباردًا ومظلمًا، والحديقة التي كنت تهتمّين بها تبدو ذابلة بلا حياة دون يدك التي تسقي وتثمر، يفتقدك الأولاد والأحفاد، الأقارب والجيران، يشتاقون إلى استقبالك الحار وكرمك المفرط، وأحاديثك الجميلة، وأنسك الدافئ.
فراقُ الأمّ كسرُ قلبٍ لا يُجبر
من الصعب علي حقًّا استيعاب وفاة والدتي، فالحياة باتت ناقصة، وقلبي مكسور يعتصره الألم، ولا أظن أن لجرحي شفاء مهما طال الزمن، فالأم لا تعوّض، فليس أحنّ منها على الإنسان، فهي التي حملت وأنجبت وأرضعت وربّـت وعلّمت، لقد كبرت بفضل تعبها وتضحياتها اللانهائيّة، فكم يحزنني فراقها، وكم أشتاق لاحتضانها وسماع صوتها والتنعّم بابتساماتها وحنانها.
قد كانت أمي بمثابة صديقتي التي أمنها على سرّي، وقدوتي ومعلّمتي، فقد زرعت فيّ حسن الخلق ومخافة الله، فتعرّفت على معنى نقاء قلب بفضل طبعها اللطيف، وحسن معشرهارحمك الله يا أمّي وجزاكِ عنّي وعن إخوتي خير الجزاء.
فراقُ الأمّ انطفاءٌ للحظات الجميلة
منذ فراقك الصعب فارقتني اللحظات الجميلة، وكأنّ كل ما هو جميل ذهب وانطفأ بغيابك المفجع، لقد غدت اللحظات الجميلة بالنسبة لي مجرد ماضٍ أستذكر وأجتره، أما الحاضر والمستقبل فلا وجود للسعادة أو الجمال بهما، فكلّ شيء ينغّصه الفقد وينقص من جماليّته. فالماضي هو كلّ ما أملك بذكرياتي السعيدة مع والدتي.
في حقيقة الأمر لم أعد أستمتع بما كنت أستمتع به سابقًا، فالأطعمة التي كنت أحبها لم تعد مفضلة بالنسبة لي فهي تذكرني بوالدتي التي كانت تحرص على تقديمها لي، أستمر دائمًا باسترجاع لحظاتي الجميلة معها، وأيامي الأولى في المدرسة، ونجاحي، ودخولي الجامعة، وتخرجي، وعملي، كل ذلك كان له معنى كبير عند رؤية السعادة على وجهها رحمك الله يا أمي.