الكتاب هو أساس العلوم والمعارف، وهو وجه الإنسانية المشرق، وكنز البشرية الملهم، وهو رياضة الذهن، وبهجة القلب بتحصيل ثمرات الثقافة والعلوم.
والقراءة هي متعة الحياة؛ وهي توجه حضاري وديني، تجعل من القارئ شخصية مرنة قادرة على الانتاج المادي والعطاء للحياة بما يحقق التوازن في شخصيته، مما يساعد ذلك كله على التطور والتحضر، والمطالعة كانت وستظل اللون المحبب من وسائط الثقافة وهى أخلدها وأبقاها.
قال الجاحظ : “الكتاب وعاء ملئ علماً، وظرف حشى ظرفاً … وبستان يحمل في ردن وروضة تنقل في حجر، وناطق ينطق عن الموتى ويترجم عن الأحياء.
إلى أن قال: “ولا أعلم رفيقاً أطوع ولا معلماً أخضع ولا صاحباً أظهر كفايةً ولا أقل جنايةً ولا أكثر أعجوبةً وتصرفاً ولا أقل تصلفاً وتكلفاً من كتاب”.
ويقول واصفاً الكتاب:” فإنه يحيى القلب، ويقوى القريحة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويمتع في الخلوة، ويؤنس في الوحشة، ويفيد ولا يستفيد، ويعطى ولا يأخذ، وتصل لذته إلى القلب من غير سآمة تدركك ولا مشقة تعرض لك “.
قال المتنبئ:
أَعَزُّ مَكانٍ في الدُنى سَرجُ سابِحٍ وَخَيرُ جَليسٍ في الزَمانِ كِتابُ
رحلة الكتاب المطبوع
منذ أقدم العصور حرصت البشرية على الكتابة وسجلوا كل ملامح حياتهم وأفكارهم في أشكال مختلفة من البيئة، وحاولوا تطويعها بالنقش ثم الطين عند السومريين والبردي عند المصريين القدماء والجلد بعد ذلك عند العرب وأصبحت رُقُم الطين تمثل كتباً، وعدة لفافات من البردي أو الجلد يجمعها موضوع واحد هي الكتاب.
وبعد الإسلام عبّر العرب عن حبهم للكتابة في البلاد المفتوحة وأقبلوا على نسخ اللفافات.
وبعد أن ظهر الورق حرصوا أيضا على استخدامه بعد أن نقلوه عن الصين ومضوا في نسخ الكتب المصنوعة من الورق بخط عربي بديع، أصبح يمثل جمالاً وفناً جديرا بالإعجاب.
وقد ازدهرت الكتابة العربية في نهاية القرن الثامن الميلادي مع إنشاء أول مصنع للورق في سمرقند، ثم في بغداد ودمشق التي تفوّق ورقها على ما عداه حتى اشتهر باسم الورق الدمشقي، وبعد ذلك ظهرت مصانع في مصر قضت نهائياً على استخدام البردي، ومنها انتقلت صناعة الورق إلى المغرب ثم إلى أوروبا.
ولما اختُرعت الطباعة في أوروبا لم يتحمس لها بعض العرب، إذ أحسوا أنها ستقضي على جمال الخط العربي الذي ألِفوه وأحبوه قرونا طويلة، وقد حولوه إلى أكثر من مجرد وسيلة تعبير وعلم؛ ليصبح أسلوباً للتزيين والزخرفة يتنافس في إبداعها النسّاخون والخطّاطون ولعل هذا هو السبب في تأخير إصدار كتب عربية مطبوعة، اللهم إلا في مصر التي اكتشف فيها قُرب الفيوم نصوص خمسين كتاباً تم إنتاجها بوساطة الطباعة بالقوالب الخشبية خلال المدة من القرن العاشر حتى منتصف القرن الرابع عشر الميلاديين، وكانت مكتوبة بالعربية وتحوي موضوعات دينية وهي محفوظة إلى اليوم في المكتبة الوطنية بفيينا وبعض المكتبات الأوروبية.
أما أول مطبعة في العالم العربي فهي مطبعة بولاق التي أنشئت في مصر عام 1822م، وقد سبقتها محاولات لطبع بعض الكتب في لبنان، ولكنها كانت تعتمد على أجهزة منقولة وغير ثابتة، وتشبه المطبعة التي جلبتها معها الحملة الفرنسية إلى مصر، وعرفت أول مطبعة في فلسطين عام 1830م، وفي لبنان 1834م، واليمن 1877م، والحجاز 1882م.
وما زال الكتاب يحظى في البلاد العربية بالاهتمام بوصفه الطريقة الأسهل والأرخص للمعرفة.
وقد انتشرت دور النشر الخاصة والحكومية، وتنظيم المعارض في كل عام في كثير من بلدان العالم، وأصبحت مواسم سنوية، يتنافس فيها أصحاب دور النشر، وتطورت أساليب الإخراج الفني، وزودت المطابع الحديثة بأحدث الآلات، وأصبحت الكتب تطبع على تشكيلة رائعة من الورق.