نتحدث اليوم في هذا المقال عن دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية للدكتور محمد إقبال عروي، نتحدث عن أهم ما أورده الدكتور في الكتاب، وعن المفاهيم التي يدور حولها الكتاب، وقبل ذلك نتحدث عن الدكتور محمد إقبال عروي في نبذة مختصرة، آملين من الله تعالى أن يوفقنا في توضيح ما في هذا الكتاب من علم جليل دون تقصير والله المستعان (الموسوعة).
نبذة مختصرة عن الدكتور محمد إقبال عروي
- ولد الدكتور محمد إقبال عروي في المغرب عام 1962 م.
- حصل على دبلومة الدراسات العليا في الدراسات الإسلامية والأدب العربي.
- حصل على دكتوراه في علوم القرآن.
- حصل على دكتوراه في النقد الأدبي.
- أستاذ بالتعليم الجامعي.
- مستشار ثقافي لدى وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالكويت.
- ألف عدة مؤلفات في الأدب الإسلامي وبلاغة الخطاب القرآني.
مراجعة الكتاب
الباعث على تأليف الكتاب
- يرى الدكتور محمد إقبال أن النظرة إلى التراث لا تخرج عن اتجاهين: التجاوز الفكري للتراث، والتبني الكامل للتراث جملةً وتفصيلًا.
- لذلك كان لا بد من رؤية ثالثة تقوم على أساس الاعتزاز العلمي بالتراث،مع مراجعة ذلك التراث بالنقد والتقويم.
- لذلك تعين الشروع في إنجاز مقاربات ومراجعات للعديد من التراث القضايا التراثية.
- وهدف هذه المراجعات التي تصدى للقيام بها قطاع الشئون الثقافية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت هو إعادة بسط القضايا التراثية بلغة وفهم سليمين، والإسهام في ترشيد منهج التعامل مع التراث، وتصحيح المفاهيم المتصلة بقضايا التراث، وإنجاز مراجعات تراثية مؤسسة على قواعد منهجية، والكشف عن الجوانب الغنية في التراث، وإيجاد بيئة التواصل بين المهتمين بالتراث.
- وجاء كتاب دور السياق في الترجيح بين الاقاويل التفسيرية هادفًا لهذا الهدف.
الدليل على وجود الفكرة
يذكر الدكتور محمد إقبال أن الدلالة توجد داخل السياق القرآني كما يوجد التركيب، واستدل لذلك بقول ابن عباس رضي الله عنه لما سئل عن قوله تعالى: (أو خلقًا مما يكبر في صدوركم){51-الإسراء}، فقال: الموت، فقال السهيلي: وهو تفسير يحتاج إلى تفسير.
فكرة السياق في القرآن بين القديم والحديث
- يتحدث الدكتور محمد إقبال في تمهيد الكتاب عن كون الفكرة موجودة عند بعض المفسرين، أغفل تلك الفكرة الكثير غيرهم، ولكن أحدًا ممن انتبه إليها لم يفردها بالتأليف بل جاءت ضمن التفسير دون دراسة مستقلة.
- كما أن فكرة السياق لا تقوم بدور إضاء المعنى وتقريبه بل الترجيح بين الأقاويل التفسيرية وتدعيم الراجح منها.
تناول الكتاب لفكرة دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية
يتحدث الدكتور عن كونه حاول تناول الفكرة في مؤلف مستقل على عكس ما كان في السابق مع مراعاة الجانب التطبيقي بجوار الجانب النظري، ويتحدث الدكتور أيضًا عن خطورة فكرة الترجيح عن طريق السياق لأن ذلك من شأنه إحداث حركة واضطراب في علوم القرآن والتفسير، لأن الكثير من العلماء والمفسرين قد أهمل هذه الفكرة.
دور آليات البلاغة والبيان في التفسير
- لقد اعتبر الزمخشري المفسر القاصر عن إحكام آليات البلاغة والبيان غير قادر على تمثيل الأبعاد الجمالية والدلالية للخطاب القرآني، فلا يتم الاكتفاء بالدلالات اللغوية المجردة وإنما يتم مراعاة مجموعة القرائن.
- فالخطاب القرآني باعتباره بنية لغوية يحتاج إلى آليات البلاغة والبيان كما يحتاج إليه أي خطاب آخر، وذلك لأن البلاغة هو العلم الذي يهتم بدراسة هذا الجانب، فالبلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته.
- ومن العلامات المساعدة على فهم المتكلم للكلام النظر في سياق الكلام، فأنت إذا قلت لأحد: جاء محمد تريد إخباره بذلك يختلف ذلك عن كونك تريد سؤاله عن ذلك أو عن كونك تريد إنكار ذلك وكل هذا إنما هو من نبرة الصوت لا من هيئة الجملة لذلك فالذي يوضح المقصود المعنى لغير السامع في هذه الحالة السياق.
مفهوم السياق
- هو سلسلة الأفكار التي تجسد نصًا ما، وبالتحديد، فإن السياق هو مجموع النص الذي يحيط بالجملة التي يراد فهمها، وعليها يتوقف الفهم السليم لها، أو هو المحيط اللساني الذي أنتجت فيه العبارة.
- ومن الأمثلة التي أوردها الدكتور التي تدل على أهمية السياق في ترجيح المعاني المتنازعة ما قاله الشاعر الراعي في الحطيئة:
هجمنا عليه وهو يكعم كلبه دع الكلب ينبح إنما الكلب نابحُ
فذهب بعض الشراح أنه مدح أي يمنع كلبه من النباح لئلا يزعج الضيوف، والبعض أنه ذم لأنه يمنع الكلب من النباح لئلا يدل الضيوف عليه، وقد رجح ابن رشيق المعنى الثاني لوصوله إلى باقي الأبيات، فقبله يقول:
ألا قبح الله الحطيئة إنه على كل من وافى من الناس سالحُ
إذًا فقد توصل ابن رشيق إلى معنى اهجاء ورجحه على معنى المدح لوقوفه على السياق، فإذا كان ذلك في بيت شعر فكيف بالقرآن العظيم.
أهمية السياق في فهم دلالة النص
ذكر الدكتور قول ابن قيم الجوزية في أهمية السياق أنه يرشد إلى:
- تبيين المجمل.
- تعيين المحتمل.
- القطع بعدم احتمال غير المراد.
- تخصيص العام.
- تقييد المطلق.
- تنوع الدلالة.
وذكر الدكتور قول عدد غير قليل من العلماء السابقين والمعاصرين بدور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية.
مفهوم الترجيح
- ذكر الدكتور بعد ذلك أن مفهوم الترجيح هو تقوية أحد الدليلين المتعارضين على الآخر للعمل به، ومنه ترجيح كفتي الميزان.
- ثم بين الدكتور أنه أحيانًا لا يجب الترجيح عند الأصوليين إذا أمكن الجمع بين الرأيين عن طريق نصوص أخرى.
- وقد يأتي الترجيح من غير السياق أو المعنى كما سيأتي، ومع ذلك فهو يعود في النهاية إلى السياق والمعنى.
وسائل الترجيح
- الترجيح بالقرآن.
- الترجيح بالحديث الصحيح.
- الترجيح بالسياق كما يتناول هذا الكتاب.
- الترجيح بمطلق اللغة.
- وقد أضاف الدكتور طريقةً أخرى للترجيح يجب اعتبارها في واقعنا المعاصر وهي الترجيح بنتائج العلم المعتبرة.
السياق الحاكم
والمقصود بالسياق الحاكم أي السياق الواضح أي أنه إذا وجد سياق يدل على معنىً ما دون شك وجب اتباع هذا السياق في الآيات المشابهة، فالقرآن خطاب الله للثقلين لغاية وقيم مطلوبة فلا يجوز أن يطالب القرآن الناس بقيمة من القيم المذكورة، ثم يأمرهم في سياق آخر بتجاوزها أو خرقها، فإذا كان السياق يقصد إلى نفي الإكراه في الدين فلن تجد في آيات أخرى أمرًا بقصر الناس وإجبارهم على الدخول في الدين.
امثلة على دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية
دلالة الخروج من النار
- ذكر الطبري عند تفسيره لقوله تعالى: (يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم){37-المائدة} الخلاف الذي نشأ بين نافع بن الأزرق وابن عباس رضي الله عنهما.
- فقد ذهب نافع استنادًا إلى معتقده أن قومًا من المسلمين يخلدون في النار.
- بينما ذهب ابن عباس إلى سياق الآية واحتكم معه ليصل في النهاية إلى أنها خاصة بالكافرين.
- فكان للسياق دور كبير في الترجيح في واحدة من أهم المسائل الدينية.
أمر الله: عذابه أم فرائضه
- افتتحت سورة النحل بقوله تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه){1-النحل}، واختلف المفسرون في معنى أمر الله، فقال البعض هو فرائضه وأحكامه وقال الآخرون هو عذابه.
- ورجح الطبري المذهب الثاني، وقد اعتمد الطبري على نظم الآية وسياقها، لأن الآية ختمت بقوله تعالى: (سبحانه وتعالى عما يشركون) فدل بذلك على تقريع الله تعالى للمشركين ووعيده لهم فناسب أن يكون المعنى دالًا على العذاب.
المستقر: الأرض أم القبر
- تحدث الإمام الرازي بين يدي تفسيره لقوله تعالى: (ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين){36-البقرة} عن اختلاف المفسرين في معنى كلمة مستقر.فذكر أكثر المفسرين أن المستقر هو الأرض، وذكر البعض أن المستقر هو القبر.
- ورجح الرازي القول الأول لأن الله تعالى قدر المتاع وذلك لا يليق إلا بحال الدنيا، ولأن الله تعالى خاطبهم عند الإهباط وذلك يقتضي حال الحياة.
ثم ذكر الدكتور بعد ذلك العديد من الأمثلة الأخرى التي تدل كلها في النهاية على دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية، وأهميته في فهم معناها.
قضايا في الكتاب
- بالإضافة إلى ما سبق الحديث عنه فقد قام الدكتور محمد إقبال بنقد بعض المنازع التفسيرية كمنزع القول بقبول الآيات لمختلف الدلالات وناقش تلك القضية من وجهة نظر المفسرين ومن وجهة نظره أيضًا.
- أيضً ناقش القول في حجية قول الصحابي وبين الشروط التي ينبغي وضعها في الاعتبار عند الأخذ بتفسير الصحابي، وانتهى الكتاب بهذه القضية.
كان هذا ملخصًا ومراجعةً لهذا الكتاب الذي يقوم على البحث في قواعد التفسير التي ترتبط بدور السياق في الترجيح بين الاقاويل التفسيرية مع بعض التطبيقات التي ذكرنا بعضها والتي يمكن الاطلاع على بقيتها بالإضافة إلى قضايا المنازع التفسيرية التي تكلم الدكتور فيها عن قبول الآيات لمختلف الدلالات والقول بحجية قول الصحابي في التفسير، نسأل الله أن يرزقنا علمًا نافعًا ودمتم في أمان الله. تابعونا على الموسوعة ليصلكم كل جديد.
المصدر:
دور السياق في الترجيح بين الأقاويل التفسيرية للدكتور محمد إقبال عروي.