عزيزة علي

عمّان – صدر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، رام الله؛ نصاً سردياً بعنوان “رسائل إلى قمر- شظايا سيرة”، للأسير المقدسي حسام شاهين من داخل سجون الاحتلال، وهي عبارة عن مجموعة رسائل كتبها الأسير من داخل زنزانته إلى الطفلة قمر ابنة صديقه الذي اعتقل في منزله في العام 2004، وأصدرت وقتها محكمة الاحتلال حكماً بالسجن لمدة 27 عاماً على شاهين.
يوجه شاهين في رسالة على غلاف الكتاب الأمامي إلى الطفلة قمر يقول فيها: “حبيبتي قمر… إليك ولكل أبناء جيلك بعضاً مما علمتني الحياة، شظايا تجربة… شظايا سيرة. أضعها بين يديك، خذي منها ما يحلو لك، واتركي الباقي لمن يريد”.
ويرى شاهين أن الأطفال سيجدون ضالتهم المنشودة ومرشدهم الأمين في هذه الرسائل الصادقة الطالعة من ظلام السجن الإسرائيلي؛ الذي مهما اشتدت ظلمته، فهو غير قادر على ثني إرادة الأسرى الشجعان المحبين لوطنهم الباذلين من أجله المهج والأرواح وأحلى سنوات العمر.
يهدي شاهين هذا النص إلى ثلاثة نساء لعبن أدوار بارزة في حياته، كما يقول في الإهداء: “إلـى من علمتني كل الحروف الأبجدية من غير أن تكتب حرفاً واحداً، إلى أمي الحبيبة آمنة. وإلى من علمتني فلسفة النطق بالحروف، قبل أن تنطق حرفاً واحداً، إلى ابنتي الحبيبة، ابنة أخويّ عماد وشرين، قمر عماد الزهيري. وإلى من جعلت من قلبها نافذة أمل أُطلّ منها على الحياة، إلى شقيقتي الحبيبة نسيم”.
كما يلخص تجربة ومعاناة الأسرى في هذه السجون بكلمة معبرة فيقول: “عندما يُغمضُ النهار عينيه، تنكمش الحياة نحو زوايا الدفء والمحبة، أو خلف ستائر الوحدة والدموع”.
يقول شاهين في كلمة بعنوان “مدخل”: أحاول قدر الإمكان أن أعيش في المساحة الأقرب إلى ما أؤمن به، وفي خضم انشغالي في مسيرة الحياة، التي تقذف بي أحياناً ظروفي الموضوعية إلى المكان الذي لا أحبه ولا أريده، المهم أنني أرفض الاستسلام لخيارات الحياة، وأبذل كل ما أستطيع من قوة ومن جهد لمغادرة الطرف الذي دفعتني إليه قسوة الحياة.
ويتابع: في هذه المساحة التي اضطر فيها إلى العمل جاهداً حتى أتجاوزها، هي أصعب وأجمل وأهم المساحات التي عشتها، لأنها صقلت شخصيتي وعلمتني الكثير، فهي تمثل المسافة التي تفصل بين الأمل واليأس، هذه هي الحياة باختصار شديد.
ويعد الأسير أنه لا يوجد قيد واحد على العقل لم يصنعه الإنسان بنفسه، وكلما ازدادت القيود، ازداد الإنسان عزلة، ووقف موقف الدفاع والتصارع مع الآخرين، وكلما قلّت هذه القيود، ازداد الإنسان انفتاحاً، ووقف موقف الندية والتكامل مع الآخرين.
القاص الفلسطيني محمود شقير الذي كتب مقدمة يوضح فيها ان هذا الكتاب: “يزخر بنماذج بشرية عديدة متميزة لنساء ورجال، وبتأملات فكرية عميقة موجهة إلى ابنة صديقيه عماد وشرين وطفلتهم قمر، التي كانت طفله في أشهرها الأولى عندما تم اعتقال حسام في منزل والدها، كما أن المؤلف يعي أن ما يكتبه لهذه الطفلة هو أكبر من وعيها، لكنّ نظره مشدود نحو المستقبل.
ويرى شقير ان شاهين يؤمن بأنّ قمر عندما تكبر ويكبر معها أطفال فلسطين، فسوف يجدون ضالتهم المنشودة ومرشدهم الأمين في تلك الكلمات الصادقة الطالعة من ظلام السجن الإسرائيلي؛ الذي مهما اشتدت ظلمته، فهو غير قادر على ثني إرادة الأسرى الشجعان المحبين لوطنهم الباذلين من أجله المهج والأرواح وأحلى سنوات العمر.
ويلفت شقير إلى أن العنوان والإهداء يشيران إلى أننا نقف أمام نصّ يعلي من شأن المرأة ويقدرها حق قدرها، ويرفض في الوقت نفسه النزعة الذكورية السائدة في مجتمعنا، المتسلطة على المرأة والمنكرة لحقوقها، ويتبدّى ذلك في العنوان: رسائل إلى قمر؛ وفي الإهداء الموجّه إلى ثلاث نساء: الأم الحبيبة آمنة، والطفلة الحبيبة قمر، والشقيقة الحبيبة نسيم، ويتبدّى في الإشادة بعدد من النساء الماجدات؛ فلسطينيات وأجنبيات، لكي تقتدي بهنّ قمر وتترسّم خطاهنّ على طريق التميّز والإنجاز.
ويؤكد شقير أن هذا النص هو وليد تجربة الكاتب في الحياة وفي معمعة النضال الوطني قبل اعتقاله، وأثناء وجوده في غير سجن من سجون الاحتلال؛ التي مضى عليه فيها حتى الآن سبع عشرة سنة، وهو نتاج لبعض تفاصيل الحياة اليومية داخل السجن وأثناء التنقل من سجن إلى آخر، وما يعانيه الأسير جرّاء ذلك من قسوة ومعاناة، لافتاً الى أن النص، يبدأ من فكرة كتابة قصة بعنوان “أدوات” تنعقد البطولة فيها للأدوات التي يستخدمها الأسرى في حياتهم اليومية في السجن، وأولها السبابيط والأحذية والملابس وأدوات الطعام وغيرها.
ويبين شقير أنّه ثمة تأملات لافتة في الكتاب تتناول أسئلة الوجود والثقافات المختلفة، الذكورية منها والأخرى الأنثوية، وانحيازه إلى هذه الأخيرة، وكذلك إلى الثورة على المستعمر ورفض الظلم والتمرد عليه، وأن يتحلى الجيل الجديد بالجرأة والصدق وطرح الأسئلة من دون تهيب، ومواصلة السير نحو المستقبل، والابتعاد عن الثرثرة والقيل والقال، والكسل والتباطؤ في إنجاز المهمات، وهو من أجل ذلك يقدّم لقمر ولجيل المستقبل من الأطفال نماذج من نساء متميزات ورجال متميزين لاستلهام التجارب النضالية والإنسانية لهؤلاء النسوة الماجدات ولأولئك الرجال الشجعان.
ويتحدث شقير عن تداخل الأجناس الأدبية في هذا النص، لكنّه يبقى أقرب إلى السيرة الشخصية منه إلى أي جنس أدبي آخر، ولا يضيره بل يغنيه تضافر أجناس أدبية أخرى معه؛ ليتشكل من مجموع هذه الأجناس كتاب متنوّع قادر على إغناء الذائقة الجمالية للقراء وعلى إمتاعهم في الوقت نفسه وإثراء معارفهم بشتى الأفكار الواردة في هذا الكتاب.
ويشير شقير إلى الدور الذي تقوم به شقيقة الأسير “نسيم”، التي قامت بطباعة هذا النص الخارج من السجن على نحو لا يجعل من السهل طباعته، وقامت من قبل بطباعة نصوص أخرى لشقيقها الكاتب، وهي التي تجوب البلاد طولاً وعرضاً لتنظيم ندوات عنه وعن الأسرى بشكل عام، وهي التي لا تتردّد عن المشاركة في الاعتصامات من أجل قضية الأسرى، وفي تنظيم أعمال الاحتجاج المتنوعة، وفي إرسال الرسائل إلى الهيئات الدولية المختلفة لإنقاذ الأسرى من عسف المحتلين الإسرائيليين، ومن ظلام سجونهم وزنازينهم، فهي لذلك تستحق التقدير والاحترام.
يذكر أنّ الأسير المقدسي حسام شاهين المعتقل في “سجن نفحة الصحراوي”، هو من مواليد مدينة القدس في العام 1972، ونال من جامعة القدس درجة الماجستير في “الدراسات الإقليمية/ مساق الدراسات الإسرائيلية “، ودرجة البكالوريوس في العلوم السياسية، وشغل قبل اعتقاله رئاسة منظمة الشبيبة الفتحاوية في مدينة القدس، واعتقل عدة مرات وهو على مقاعد الدراسة.
وحصل الأسير على الجائزة الأولى في الأدب في العام 2009، عندما كانت “القدس عاصمة الثقافة العربية”، وتم اختياره شخصية القدس الثقافية، لمنشوراته الفكرية في الأدب والسياسة، عبر العديد من المقالات والدراسات التحليلية، وفي مجال الأدب صدر له رواية “زغرودة الفنجان”، في العام 2015.