
واشنطن- بعد نشر صحيفة “نيويورك تايمز” (The New York Times) تحقيقا حول ضربة جوية أميركية أودت بحياة 80 شخصا -بينهم 64 مدنيا سوريا- يوم 18 مارس/آذار 2019 في قرية “باغوز” بمحافظة دير الزور (شرقي سوريا) -وأغلبهم من النساء والأطفال- أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بدء تحقيقات يجريها البنتاغون حول الحادث.
وسيشمل التحقيق -الذي سيقوده رئيس قيادة القوات البرية الجنرال مايكل إكس غاريت- فحص الضربة التي نفذتها وحدة عمليات خاصة غامضة وسرية تسمى “تاسك فورس 9” (Task Force 9)، وكذلك كيفية التعامل معها، وسيشرف على لجنة التحقيق فريق من كبار قادة البنتاغون والمفتش العام بوزارة الدفاع.
وسيكون أمام الجنرال غاريت 90 يوما لمراجعة التحقيقات التي تم إجراؤها بالفعل، ومواصلة التحقيق في تقارير الضحايا المدنيين، وما إذا كانت هناك أي انتهاكات لقوانين الحرب، أو أخطاء في حفظ السجلات، وما إذا كان قد تم تنفيذ أي توصيات من مراجعات سابقة.

بعد فشل التستر على المجزرة
يأتي بدء التحقيق بعدما كشفت صحيفة نيويورك التايمز قبل أيام أن البنتاغون حاول إبقاء الضربة والخسائر طي الكتمان، وفشل في فتح تحقيق جاد على الرغم من طرح تساؤلات داخلية من بعض المسؤولين.
وكان محام عسكري في البنتاغون قد نبه إلى أن الهجوم الجوي الذي نتج عنه قتل المدنيين السوريين قد يمثل “جريمة حرب محتملة”، بيد أن مسؤولي وزارة الدفاع اتخذوا خطوات لإخفاء الضربة وتأثيرها.
وسيبحث التحقيق الجديد في الخسائر التي وقعت في صفوف المدنيين، وسوف يستعرض عملية التوثيق والإبلاغ عن مثل هذه الغارات، وسينظر فيما إذا كان ينبغي محاسبة أي شخص على الوفيات التي وقعت، كما سيحدد ما إذا كانت الضربة قد انتهكت قوانين الحرب.
ولم يشر البنتاغون بعد إلى السبب وراء انتظار وزير الدفاع أوستن حتى الآن ليأمر بفتح التحقيقات حول تلك المجزرة.
تفاصيل المجزرة
جاء في تقرير صحيفة نيويورك تايمز أن الغارة الجوية وقعت بينما كانت الولايات المتحدة تختتم قتالها ضد تنظيم الدولة “داعش” في سوريا، حيث كانت طائرة أميركية مسيرة تبحث عن مقاتلي التنظيم، وتعقبت بعضهم في منطقة على ضفة النهر “حيث كان يحتمون بالنساء والأطفال”.
وبعد إلقاء قنبلتين على الحشد سأل محلل عسكري في دردشة على خط اتصال مؤمّن “من أسقط ذلك؟”، ووفقا لمصدرين تحدثا إلى الصحيفة، قال شخص آخر “لقد أسقطنا للتو قنابل على 50 امرأة وطفلا”. ولم يعترف البنتاغون بوقوع الغارة إلا بعد نشر تقرير “تايمز” (The Times).
وقالت القيادة المركزية الأميركية (المشرفة على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط) إن الضربات شُنت دفاعيا بعد أن قالت قوات سوريا الديمقراطية إنها تعرضت لنيران كثيفة من مقاتلي “داعش” وطلبت مساعدات، مضيفة أنه كان يُعتقد أن المنطقة خالية من المدنيين.
وقال المتحدث باسم القيادة المركزية بيل أوربان “إننا نمقت الخسائر في الأرواح البريئة، ونتخذ كل الإجراءات الممكنة لمنعها، وفي هذه الحالة قمنا بالإبلاغ عن الضربة والتحقيق فيها وفقا لأدلتنا الخاصة، ونتحمل المسؤولية الكاملة عن الخسائر غير المقصودة في الأرواح”.

الجاني والحكم
يرى بعض الخبراء أنه تم التقليل من عدد القتلى، وتأخر صدور التقارير حول الهجمة، كما أُعيد تحريرها، ثم قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بمعاينة موقع الانفجار، ولم يتم إبلاغ كبار القادة، وباعتقادهم أنه يجب ألا يترك التحقيق ليقوم به البنتاغون.
وغرد الرئيس السابق للمعهد العربي الأميركي جيمس زغبي ساخرا من بدء البنتاغون تحقيقه حول المجزرة، وقال “رئيس البنتاغون يأمر بإجراء تحقيق جديد في الغارة الجوية الأميركية التي قتلت العشرات في سوريا! كيف يكون الجاني هو ذاته المحقق؟”.
“Pentagon Chief Orders New Inquiry Into U.S. Airstrike That Killed Dozens in Syria” – You. Can’t. Investigate. Yourself! https://t.co/zcqJwIu3XF
— James J. Zogby (@jjz1600) November 30, 2021
في حين غردت جمعية “شباب أميركيون من أجل الحرية” قائلة “مجرد تذكير بأنه في عام 2019 قتلت غارة أميركية بطائرة بدون طيار أكثر من 60 مدنيا سوريا، ثم تستروا عليها، البنتاغون بدأ فقط التحقيق في الأمر لأنه تم كشفهم! انتبه، هؤلاء الناس مجرمون”.
Just a reminder that in 2019, a US drone strike killed more than 60 Syrian civilians, and then they covered it up.
The Pentagon is only starting to “investigate it” because they got caught.
Wake up. These people are criminals.
— Young Americans for Liberty (@YALiberty) November 30, 2021
سجل أميركي من الأخطاء القاتلة
اعتبرت كل من سارة هولوينسكي، وليا هابرون المسؤولتان في منظمة “هيومن رايتس واتش” بالعاصمة الأميركية أنه لا يمكن ترك البنتاغون يحقق في جريمة هو من ارتكبها، وطالبتا بتدخل الكونغرس للتحقيق في فشل البنتاغون، وقتله المدنيين بدلا من حمايتهم.
وتذكّر هذه المجزرة بعشرات الهجمات بطائرات مسيرة على أهداف مدنية منذ بدء حرب أميركا على “الإرهاب” عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
ومن الهجمات الشهيرة الأخيرة تلك التي وقعت في أغسطس/آب الماضي في العاصمة الأفغانية، والتي أسفرت عن مقتل 10 مدنيين، بينهم 7 أطفال.
وتقع هذه المجازر على بعد آلاف الأميال من الأراضي الأميركية، لكنها تنتمي لنسق واحد منذ بدء هذا النوع من العمليات قبل 20 عاما.
وبالنظر إلى التكلفة العالية للفشل المستمر، ترى هولوينسكي وهابرون أن هناك حاجة ماسة إلى ضرورة إجراء تحقيق مستقل لإصلاح ما يحدث من أخطاء تكلفتها أرواح أبرياء.

تطلع لتحقيق الكونغرس
قبل وقت طويل من حادثتي كابل وباغوز، أشاد وزراء الدفاع مرارا بجهود القوات الأميركية للحد من الأضرار بحق المدنيين، ويكرر هؤلاء مقولة إنه لا يوجد جيش يعمل بجد لتجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين مثل الجيش الأميركي.
وتشير تقارير خدمة أبحاث الكونغرس إلى وجود بعض الحقيقة في ذلك، نظرا لعدد التدريبات والدراسات وإجراءات التشغيل والتوجيهات التكتيكية التي تركز على تقليل الأضرار المدنية، لكن في الوقت ذاته، لا يزال سقوط الضحايا المدنيين نتيجة هجمات أميركية مستمرا.
وتشير تقارير مختلفة إلى أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن البنتاغون يفشل في ممارسة الرقابة بعد وقوع ضربات إشكالية واضحة ينتج عنها وقوع ضحايا مدنيين.
وفي حالة المجزرة السورية فقد قام محام عسكري بالإبلاغ الفوري عن انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي عند مراجعته لقطات وثقت ضربات باغوز عام 2019، في الوقت الذي حاول فيه الكثيرون التستر على ما حدث.
ونسج المتسترون رواية تضمنت سجلات مزورة لهجمات مصطنعة لجعل الأمر يبدو قانونيا، ومع ذلك فإن القيادات العليا في البنتاغون لم تتحرك.
وعندما قدم المحامي العسكري نفسه تقريرا في وقت لاحق إلى المفتش العام للقوات الجوية قام فريق تحقيق بإثبات الشكوى، لكن القيادة غضت الطرف، وعندما واصل أحد أعضاء فريق التحقيق إثارة المخاوف تم طرده.
وأعلنت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب بالفعل عن إجراء تحقيق، وسط مطالبة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ بالقيام بخطوة مماثلة فورا.
