في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي نزل نابليون مصر بنسائه العاريات، وبنادقه ومدافعه، ونقب عن الفراعنة ثم ارتحل وقد تعلقت به النفوس المريضة تريد التقليد.
رحلَ ورحلَتْ في إثره العمائم ثم عادت تثني على ديار الكفر تريد محاكاتها، فكان تيار المتفرنجين – إن صح التعبير – ونهض المشايخ (الأئمة) – بحسن نية(1) – يريدون الذّود عن الدين.. نهضوا بروح منهزمة منبهرة بعدوها، فالتفتوا إلى عدوهم ينظرون حاله.. ثم التفوا حول النصوص يريدون حملها ليسيروا بها على هوى الغرب تارة و الشرق تارة أخرى.
فزعم الأسد أبادي (جمال الدين الإيراني) أن الاشتراكية من الإسلام.وهو كاذب. وان أول اشتراكيي عرفه التاريخ كان من الصحابة _رضوان الله عليهم_!!، وقال بوحدة الأديان وتكاملها!!،وراح يستجدي النصرة من أمريكا، وما نصرته أمريكا.
وعلى دربه صار تلميذه محمد عبده فصاحبَ الإنجليز حتى تخذه (كرومر) صديقاً!! وأحل الربا في شكل صناديق التوفير، وأباح التشبه بالكفار في الفتوى الترنسفالية، وشارك مع المندوب السامي البريطاني اللورد كرومر في إنشاء معهد للإعداد (الدعاة المتحررين)، فكان جسرا عبر عليه العدو إلى حلالنا وحرامنا، فحلل الحرام وحرم الحلال تحت دعوى (الإصلاح)، وخطط لإنشاء جامعة علمانية كانت فيما بعد جامعة القاهرة، وكان ظهيراً لقاسم أمين، بل زعم البعض أن جُلَّ كتاب (تحرير المرأة) خُط بيدي الشيخ.(2)
لا أحد يستطيع أن يشكك في نوايا محمد عبده، فقد كان حقيقة يريد (الإصلاح)، ولكن غلبه الجهل والانبهار بالغرب، وصار تحت ردود الأفعال فأوجد انحرافا وأحدث خرقا.(3)
ثم في خطوة أخرى جاء بعض المنهزمين.. المنبهرين وعمد إلى كتاب الله يفسره بما يتفق مع العلم الحديث، فزعم أن الطير الأبابيل التي ترمي بحجارة من سجيل هي الطاعون، وأن آية الدم التي أرسلت على فرعون وقومه هي البلهارسيا!!
ثم نبت في ربوعنا الدّغل (الاشتراكية أعني) يتاجر بالقضية الاجتماعية وفقر الجماهير وتقبلته الجماهير فانتفش وعَلَى الزرع.
وبعد حين جاءته رياح القومية الخبيثة ذات الأصل النصراني الكافر تلقحه وتنميه على بُغض الإسلام، فأصبحت الأنظمة الجديدة لا تريد الإسلام لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في أي شيء وأضحى واضحا (أننا نحن الاسلاميين0 أشد الناس عداوة عند العلمانيين من اليهود والذين أشركوا)، وبات القوم وقد انسلخت من قلوبهم الغيرة على المقدسات والأعراض حتى تساءل الأحبة بكل مرارة (لماذا.. ولماذا.. ولماذا.. ثم لماذا يصر المنافقون على الصدام مع مطلب الإسلاميين ثقافياً وسياسيا وإعلامياً وبوليسياً وعسكرياً بل ووعظياً رسمياً)؟؟(4)
وليس ذاك إلا لأنهم كرهوا ما أنزل الله).
وتحت وطئة هذه الهجمة اليسارية الشرسة عاد المنهزمون ثانية ليكتبوا عن (اشتراكية الإسلام).
واليوم أو بالأحرى في الآونة الأخيرة انضم إلى الصحوة – دون إذن أو استشارة – فريق ينزع إلى الاجتهاد العقلاني في فهم النصوص والواقع، كثير منهم منحدر من تجارب عقدية ومنهجية مغايرة للمنهج الإسلامي وعقيدته، من ماركسيين وقوميين وبعثيين وليبراليين لا دينيين.
وهذا الفريق لديه جرأة عجيبة على تجاوز النص الشرعي أو تأويله إذا لم يوافق تأملهم العقلي، ولديهم حالة من الاستعلاء على الأبناء الشرعيين للدعوة الإسلامية ممن لا يوافقونهم في نزعتهم، ولهذا الفريق جولات على الساحة الفكرية منها جولته للطعن في رموز الأمة، مثل: الإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية _رحمهما الله_ (5)، وهم من تكلموا في أحكام الديار وطالبوا بإلغائها(6)، وهم من أثاروا الخلاف حول حجية السنة النبوية المطهرة.وفيهم من تكلم بأن الحجاب عادة جاهلية تخص بدو الجزيرة قبل أربعة عشر قرنا ، وجلهم انشغلوا (بتحسين) صورة الإسلام عن الغرب، وتطويع الإسلام ليصبح عصريا.
وأخطر ما في أمر هذا التيار – كما يقول الأستاذ جمال سلطان – أنهم اقتربوا من بعض ” المشايخ ” إنسانيا وفكرياً، وأثروا فيهم تأثيرا كبيرا، وخاصة عندما دخلوا إليهم من باب نظر الغرب إلى الإسلام، وتحسين صورة الإسلام أمام الإنسان الغربي الجديد، وما تصوروه تيسيرا على الناس في الأحكام ونحوها.
وانتهى الأمر- عند هؤلاء – إلى مسخ الشريعة باسم التجديد، وتيسر أسباب الفساد باسم فقه التيسير، وفتح أبواب الرذيلة باسم الاجتهاد، وتهوين السنن باسم فقه الأولويات، وموالاة الكفار تحت دعوى تحسين صورة الإسلام.
ومن هؤلاء ـ المنهزمين ـ من ادعى أن ما نأخذه نحن على الشيعة من سبّهم الصحابة الكرام، وتحريفهم القرآن، وقولهم بعصمة الأئمة، وحجهم للمشاهد وغيرها (خلافات على هامش العقيدة)!!
واليوم برز فريق من الذين أعمى الله بصرهم وبصيرتهم وقالوا بأن للمسلمة أن تتزوج النصراني، ولا شيء عليها، وشهادتها كشهادة الرجل، ولا اعتراض إلا من كل متزمت لا يفهم الدين… حقودٍ يكره النساء!!
ويا أذيال المنهزمين: حتى تتبعوا ملتهم!
لم يرض القوم بمحمد عبده ولا بمن خلعوا (العَّمة) ولبسوا الطربوش، إنها أحقاد دفينة ونفوس شربت كأس العداء معتقا. وربكم أعلم بهم منكم ” وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ” (البقرة: 120).
________________________
(1) هكذا أحسبهم.
(2) قال ذلك نصاً الشيخ محمد إسماعيل المقدم _حفظه الله_ في محاضرة له بعنوان المؤامرة على المرأة المسلمة، وعلل ذلك بأن الكتاب مليء بالمسائل الفقهية التي لا علم لقاسم امين بها. وصرح بذلك الهالك أحمد لطفي السيد في مذكراته.
(3) انظر إن شئت مقدمة مقومات التصوير الإسلامي للأستاذ سيد قطب، وانظر للكاتب مقال (محمد عبده نموذجا. من زرعه ومن جصده؟ منشور بموقع القلم.
(4) هو تساءل الدكتور عبد العزيز كامل ـ حفظه الله ـ في إحدى مقالاته بمجلة البيان.
(5) (انظر كتاب تجديد الفكر الإسلامي لمحمد عمارة وهو عبارة عن مجموعة مقالات نشرت في مجلة العربي الكويتية)
(6) (المسلمون وآخرون أشواك وعقد على الطريق) لفهمي هويدي.