* مااخترت زوجة كأمي ، واقتنعت بها من إجابتها على أول أسئلتي!
* شريكتي ناقدة لفني ، وسند معنوي يقويني وابنتاي طريقي إلى الجنة
* زواجي ليس سمناًعلى عسل دائما، ولكن ملح الخلافات فيه مضبوط !
* ابتلاء .. أمانة .. خصوصية ..رصيد من الذكريات .. هكذا أري الزواج
* النظرة تعبيري الوحيد عن الغضب من زهرتي حياتي .
* لن أتعسف في اختيار زوجي إيمان وفاطمة ، ولن أقف في الظل وأتركهما للتجربة .
اختار أن يخدم عقيدته بفنه ، وكانت جملة عابرة من حاج التقاه صدفة في الكعبة المشرفة بداية التحول حين قال له : ” ما دمت تحج فلماذا لا تجعل فنك في سبيل الله ” ، انتشل ريشته من مناخ يوظف الفن فيه لترويج القيم المختلة ، والتشكيك في ثوابت الدين ، وأسس مدرسة إسلامية في الفن التشكيلي تتلمذ عليها مئات الفنانين ، وحين تزوج اختار أن يكون زواجه لوحة رائعة ، ألوانها نسق من القيم الإسلامية الحاكمة للحياة ، وإطارها الاحتكام إلى شرع الله قدم نموذجا فنياً وأسرياً متميزاً ، ولكن وسائل الإعلام لم تفسح له مكاناً ليكون نقطة مضيئة وسط الزخم الذي تطاردنا به من صور وحكايات وشائعات عن الوسط الفني وأهله.
نحاوره كرب أسرة ثم فنان ، ونكتشف التمازج بين الاثنين ونتأمل معا لوحة زواج “أبو البنات” د. يحيي عبده – الأستاذ بكلية الفنون الجميلة ورائد مدرسة الفن التشكيلي الإسلامي.
وجمعنا الحلم
بوقار الفنان الملتزم ويقظة ذاكرته يحكي د. يحيي:
عندما فكرت في الزواج كنت أبحث عن “نموذج” أمي ، هذه السيدة الرائعة صاحبة الفضل العظيم على بعد الله ، ومنبع جميع صفاتي الشخصية التي أعتز بها ، والقلب الأبيض الذي لا يحمل ضغينة ولا يعرف الكره ، رشحت لنفسي كثيرات وعندما كنت أكتشف أنهن لا يحملن عبق أمي كنت أنسحب ، حتى جاءتني أختي التي تصغرني بعام واحد لترشح لي شقيقة أم أحد تلاميذها بالمدرسة ، ورغم اعتراضي على الزواج التقليدي وتشربي في هذا الوقت بمفاهيم الزواج عن حب ، ذهبت مع أختي للتعرف على هذه الفتاة وكان أول ما سألتها:
هل تستطيعين معي إقامة أسرة مسلمة قدر جهدنا؟
فكانت إجابتها: هذا هو هدفي الذي أحيا من أجله … انشرح صدرنا ، وتيسر زواجنا ، وجمعني الحلم بالسيدة سوزي منصور أم إيمان.
وطوال عشرين عاماُ رأيت في شريكتي الحبيبة الرفقة الرقيقة والسند المعنوي ، واليد الحانية التي حملت عني هموم البيت التقليدية فتفرغت لفني ، تزوجتها معيدا ومعها صرت أستاذا جامعيا وأبا لزهرتين جميلتين :إيمان وفاطمة ، وعضواً في أسرتها الكريمة.
كما صارت هي ابنة جديدة لأمي ، تجمعهما علاقة جميلة من الود والفهم والإيثار والعطاء.
ملح الوجبة الشهية
يصف د. يحيي “أم إيمان” بأنها”ناقدة لفنه” .. أكسبتها العشرة المشتركة معه رؤية فنية راقية كان لها جذرها الذي لمسه فيها ، ولذلك فإن رأيها كثيراً مايكون ذا قيمة في التصميمات والمجموعات اللونية والأفكار ، وبدوري وكفنان أدرك عمق وسعة مساحة المشاعر والأحاسيس لدي المرأة وأعامل زوجتي من هذا المنطلق ولذلك تتسم علاقتنا برومانسية عاقلة وفهم عميق.
أسأل: يبدو أن حياتك الزوجية ” سمن على عسل ” ولم تشهد أي لحظة خلاف فهل هي كذلك فيجيب : طبعا لا ، فالاختلاف بين البشر فطرة ، والزوجان يختلفان في بعض وجهات النظر وتقييم المشكلات وحلولها ، وحين يكون الحوار إطارا للخلاف والاحتكام إلى شرع الله وسيلة لحسمه – تصبح الخلافات إثراء للحياة ، وملحا لوجبة الزواج الشهية … إن زاد أفسدها … وإن غاب صارت بلا طعم! ولذلك لم يخل زواجنا من الاختلافات ولكنه خلا – ولله الحمد – من العواصف .
وللدكتور يحيى عبده فلسفته في علاقته بأسرة زوجته وبالآخرين عموما ، يلخصها في تحديد الخطوط والضوابط بوضوح فالتداخل المبالغ فيه ، والإسراف في التزاور بدعوى العشم والأخوة يفتح الباب للتجاوزات والخلافات والخصومة ، وحين يتناغم وضع الحدود مع فتح الباب للمودة والمشاركة والتعاون في الشدائد والأفراح في إطار شرع الله تصبح العلاقات مثالية ، وبفضل الله لم يحدث بين أسرتي وأي من أهلي أو أهل زوجتي أو الجيران والأصدقاء أي خلاف طوال عشرين عاما هي عمر زواجي.
إلى الجنة …
وحين يكون الحديث عن زهرتي د. يحيي عبده – إيمان وفاطمة – يتراجع الفنان ويتقدم “أبو البنات” ليقول:
ابنتاي هما طريقي وطريق أمهما إلى الجنة – إن شاء الله – نتعهدهما بالتربية الحسنة حتى تكونالناوقاء من النار كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، نربيهما بالقدوة ، والتناسق بين القول والفعل ، ونحاورهما خاصة أنهما في مرحلة المراهقة.
وقد غرست قيمة الحوار فيهما منذ الصغر ، وأذكر أنني تعاملت مع إيمان على أنها إنسان ناضجة منذ طفولتها ، كنت أناقشها وأحاورها في كثير من الموضوعات فكسبت صديقة رائعة في الصف الثاني الثانوي .. الحوار معها في كل شيء متعة ، وأختها الصغيرة تحاول أن تكون مثلها أيضا، وستكون إن شاء الله ، وحواري مع ابنتي يختلف عن حوار أمهما معهما ، فهي تناقشهما في كل التفاصيل وتدرك متطلبات سنهما ، أما أنا فأحاورهما حوار الأصدقاء!
وحين تغضب منهما؟
أسأل د. يحيي فيقول: بالنظرة أعبر عن غضبي ، وأحمل نظرتي عتاباً ولوماً، فتدركان غضبي وتجتهدان لمصالحتي وإرضائي.
وحين تصلان إلى سن الزواج هل ستختار زوجيهما؟
أعرف كثيرين اختار أبناؤهم شركاء الحياة باختيار فردي وفشل الاختيار ، وأنا أذكر هذا أمام إيمان وفاطمة لتعيا الدرس بشكل غير مباشر ، والآن أصبحتا مقتنعتين بأهمية رأيي فيمن سيكونان زوجين لهما ، وهذا لا يعني أن أفرض وجهة نظري فقد أوافق على شخص ما ولا توافق ابنتي … القبول لا بد أن يكون مشتركا فلا تعسف من جانبي ولا وقوف في الظل لتركهما للتجربة.
رحيق التجربة ..
ثمرة عشرين عاماً هل يقطفها لنا د. يحيي عبده؟
يجيب قائلاً : الزواج نعمة من الله ، وابتلاء في الوقت نفسه إنه اختبار كبير … النجاح فيه نجاح أخروي أيضا والفشل كذلك ، وهو معترك يحتاج إلى الصبر والحكمة والترفع عن الصغائر ، والحزم في غير شدة واللين دون ضعف والاستعانة بالله مع الأخذ بالأسباب.
الزواج أيضا أمانة … لا أعتقد أن من يترك أسرته ويسافر لجمع المال يحسن أداءها وأن من يؤثر أصدقاءه على أسرته يدرك قيمتها.
إنه رصيد من الذكريات يجب أن يسحب منه الزوجان حين ينشأ بينهما خلاف لتعينهماالذكريات السعيدة على التجاوز والصفح ولا تتمزق بينهما شعرة معاوية التي ترخيها الزوجة عند غضب زوجها … ويرخيها عند غضبها.
الزواج كذلك “خصوصية” ومن الخطأ أن يتحدث الزوجان عن حياتهما وأسرارهما مع الآخرين حتى لو كانوا أقرب الأقربين ومن المهم أن تكون قراءة القرآن والحرص على الصلاة في وقتها وذكر الله سلوكيات راسخة في حياة كل أسرة مسلمة.
عنه يقلن :
زوجة د. يحيي وابنتاه يتحدثن عنه بحب يتناغم مع الاحترام ويرين فيه نموذجا للزوج والأب … هو ما يجب أن يكون عليه كل زوج وأب مسلم.
زوجته السيدة سوزي منصور – خريجة كلية الاقتصاد المنزلي – تقول عنه: هو هدية الله لي ، لديه قدر كبير من الحنان ورهافة الحس ، ورقة القلب ، يشملني وابنتينا به ولكنه أيضا يقلقنا بقلقه الشديد علينا لدرجة أنني أخفي عنه أحيانا وعكاتنا البسيطة ومشكلاتنا التقليدية ، عندما ينفعل أذكره بحدود الله فيهدأ ويتراجع بمنتهي القوة والرضا فهو وقاف عند هذه الحدود.
اتجاهه الفني الإيماني انعكس على حياتنا وأسعدني أكثر من لوحاته السابقة رغم جودتها ، ورغم أنه كان كثيرا ما يرسمني في بعضها لما نشر في صحيفة الأهرام وعلي أغلفة بعض المجلات ، يدير حياتنا بشكل مثالي ، ونراعي ظروفه حتى لو تعارضت مع رغباتنا في النزهة أو الترفيه.
تمنى على الله أن تكون ذريته من البنات فقط واستجاب الله له يستخدم فنه لانتقاء أجمل وأرق الهدايا والملابس لي ولإيمان وفاطمة ، وقد رباهما على حسن الاختيار والنقد ، إنهما كما أراد أبوهما وأردت – بحمد الله – زهرتان في لوحة فنية رائعة.
أما إيمان – أولى ثمرات عشرة السنين – فتقول: أبي قدوتي أناقش معه كل شيء ويبرهن لي على وجهة نظره بالحقائق الدينية والعلمية فأقتنع ، لأن قدرته على الإقناع نادرة لين الأسلوب وحنون ، كثير الحب لنا والخوف علينا ، ورثت عنه موهبة الفن وأنوي الالتحاق بكلية الفنون الجميلة إن شاء الله ، والأهم من الموهبة أنه أورثني مخافة الله ومراعاة حدوده قدر المستطاع .
فاطمة تؤكد رأي شقيقتها وتضيف : بابا ليس قدوتنا فقط ، ولكنه مثل أعلى لطلبة الكلية وتلاميذ مدرسته الفنية يعلمنا الدين مقترنا بالأخلاق ، هو أخي وصديقي ، وبحياء شديد تنهي كلامها: أتمني أن أتزوج رجلا مثله في حنانه وعطفه وحساسيته.
تعريفات
* الحب: أسمى العواطف الإنسانية ، ذكرها القرآن في قوله تعالي: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ) (آل عمران: 31) والزواج قطار … الحب وقوده.
*الأسرة: مزيج اجتماعي من المسؤولية والتعاون والتضحية والصبر والمودة والرحمة والحب.
* الأبوة : وسام من الله له تبعاته وروعته.
* الفتاة: زهرة جميلة يضعها الأب في قلبه والأم في عينيها حتى لا تذبل.
* زواج الفنان: سباحة في قلب المحيط ، وتقوى الله والمودة طوق النجا