يعرف زواج الأقارب بأنه العلاقة المشروعة التي تربط بين رجل وامرأة تجمعهما رابطة الدم ويشتركان في جد واحد سواء من ناحية الأب أو من ناحية الأم، وقد يكون هذا الجد قريبا أو بعيدا، وكلما زاد قرب هذا الجد زادت صلة هذا الزواج بموضوع المقال وهو زواج الأقارب، وقد شاع بين الناس أن هذا النوع من الزواج يمثل خطرا على صحة المواليد من حيث الصحة العقلية أو التشوه الخلقي أو غير ذلك من الأمراض الوراثية، ولكن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة أكثر للوقوف على تلك الحقائق طبيا حيث أن هذه الأمراض تنتشر بين زواج الأقارب وغير الأقارب، وتختلف الاعتقادات من مجتمع لآخر من حيث انتشار هذا الزواج أو عدمه، ففي بعض المجتمعات الأوربية تصل نسبة زواج الأقارب إلى 0.5%، بينما تصل في بعض الدول العربية إلى حوالي 50%، ويتناول هذا المقال أهم الإيجابيات والسلبيات التي تنتج عن زواج الأقارب.
إيجابيات وسلبيات زواج الأقارب
إيجابيات زواج الأقارب
إن من الخطأ اعتقاد أن زواج الأقارب هو السبب في شيوع الأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية وأنه يحمل الكثير من المساوئ للأسرة والمجتمع، ولكن الأمر على عكس ذلك؛ حيث أن زواج الأقارب له كثير من الإيجابيات مثلما له بعض السلبيات؛ ولذلك اتجهت العديد من الدول الغربية إلى إباحة زواج الأقارب كما حدث في الهند والمملكة المتحدة وأستراليا، وقد يكون الهدف من زواج الأقارب المحافظة على عادات العائلة واستمرارها وعدم اختلاطها بغيرها حفاظا على صفاتها وتقاليدها، وفيما يلي أهم إيجابيات زواج الأقارب:
1- تقوية العلاقات الاجتماعية: من أهم مميزات زواج الأقارب أنه يقوي الروابط الأسرية والاجتماعية بين أفراد عائلتي الزوج والزوجة بخلاف الزواج المتباعد، ويظهر ذلك جليا في المدن حيث تقل الروابط والعلاقات بين الأفراد بصورة تختلف عن القرى الريفية التي تزيد العلاقات الاجتماعية بين الأسر فيها بسبب انتشار زواج الأقارب بصورة ملحوظة.
2- تعزيز الصفات الوراثية الإيجابية: يعمل زواج الأقارب على تعزيز ظهور بعض الصفات الوراثية المرغوبة كالجمال أو تلون العيون أو طول القامة أو نعومة الشعر وتميزه بالانسيابية أو الصحة الجيدة أو غير ذلك من الصفات التي يتم تعزيزها من خلال هذا الزواج.
3- دوام المحبة: لقد ثبت علميا أن زواج الأقارب يديم الحب والود بين الزوجين فترة أطول من زواج الأباعد؛ حيث أثبت العلماء أن الرجل يفرز هرمونات تعمل على زيادة تعلقه ومحبته لزوجته خاصة إذا كانت قريبته بصورة لا يوجد مثلها في الزواج الآخر، كما أنه يكون أشد حرصا على مشاعرها أكثر من الحرص على مشاعر الزوجة الغريبة.
4- ضمان إخلاص المرأة لزوجها: حيث أثبتت دراسة بريطانية أجريت في الريف البريطاني أن المرأة المتزوجة من قريبها تشعر بالأمان والاستقرار أكثر من الزوج الغريب عنها؛ وبالتالي فإن الزوجة تكون أكثر إخلاصا وعطاءً لزوجها القريب منها في الدم بالمقارنة بالزوج الغريب عنها.
5- زوال الفوارق بين الزوجين: من أهم إيجابيات زواج الأقارب أنه يعمل على زوال الفوارق بين الزوجين حيث لا يشعر أحدهما بالحرج أو التخوف من الآخر، بل يشعر كلاهما بالأمان مع زوجه؛ فيتعب لتعبه ويهتم لهمومه ويفرح لفرحه.
6- قلة التكاليف: مما يميز زواج الأقارب أنه قليل التكاليف، فلا يغالي والد العروس على الزوج في المهر أو تكاليف العرس؛ لذلك تتم ترتيبات الزواج في حدود ضيقة لأن العائلة واحدة تجمعها أواصر الدم والود فلا سبيل إلى الاختلاف في المهر أو تجهيزات العرس.
7- تقوية أواصر الود والرحمة: يساعد زواج الأقارب على تقوية أواصر والود والرحمة بين العائلة؛ حيث تزيد الزيارات واللقاءات الأسرية وتقوى العلاقات التي تبنى على الحب والود والرحمة بسبب نجاح هذا الزواج.
سلبيات زواج الأقارب
بالرغم من أن زواج الأقارب هو السائد في المجتمع العربي والشرقي وأن الطب والشرع لا يمنعان هذا الزواج إلا أنه أكدت بعض الدراسات العلمية وجود بعض الأمراض الوراثية والإعاقات التي تظهر لدى الأطفال بسبب زواج الأقارب، وقد زادت الرغبة في زواج الأقارب في الآونة الأخيرة على مستوى العالم بنسبة تقترب من 10% بالمقارنة بزواج الأباعد؛ لذلك ظهرت بعض الدراسات والأبحاث التي تحاول إلقاء الضوء على أضرار وسلبيات زواج الأقارب، وفيما يلي أهم تلك السلبيات:
1- ظهور الأمراض والصفات الوراثية السيئة: لقد أثبت العلماء أن من أخطر سلبيات زواج الأقارب هي انتقال الصفات الوراثية السلبية بين الأجيال؛ فإذا كانت الأسرة لديها بعض المشاكل الصحية أو الصفات الوراثية السيئة كقلة الذكاء أو قصر القامة أو الشعر المجعد أو البخل والطمع وغير ذلك من الصفات التي يتوارثها الأبناء عن الآباء، ويتم توارث تلك الصفات في العائلة الواحدة خاصة مع زواج الأقارب.
2- ظهور أمراض الدم: أثبتت بعض الدراسات ظهور بعض الأمراض الوراثية نتيجة لتفاعل الجينات بين الزوجين، ومن هذه الأمراض زيادة كوليسترول الدم العائلي، وكذلك مرض شتاينرت الذي يصيب الأجهزة العضلية والعصبية، ومن أخطر تلك الأمراض مرض هانتنغتون المسئول عن تدمير الخلايا الدماغية وجدير بالذكر أنه ليس له علاج حتى الآن، ومن هذه الأمراض التي لها علاقة بالجينات الوراثية أيضا الأنيميا المنجلية والتي تنتشر بكثرة في دول حوض البحر المتوسط، وكذلك مرض السكر وعمى الألوان وغيره من أمراض أخرى مثل الصمم الناتج عن عيوب خلقية.
3- التشوهات الخلقية: تشير بعض الدراسات إلى أن نسبة تصل إلى 35% من الأطفال حديثي الولادة لديهم عيوب وتشوهات خلقية، وقد ثبت أن السبب في ذلك راجع إلى خلل في الطفرات الوراثية الناتجة في الغالب عن زواج الأقارب ، وقد تتراوح نسبة الأطفال المشوهين خلقيا بين 30% و40% من الأطفال المشوهين بصفة عامة، وتظهر هذه التشوهات في صورة وحمة في أحد أجزاء الجسم أو الوجه.
4- قلة فرص الاختيار: بالرغم من الإيجابيات التي يتمتع بها زواج الأقارب إلا أنه لا يمنح العروسين فرصة واسعة للاختيار؛ حيث يضطر الشاب أو الفتاة إلى التنازل عن بعض شروطه أو المعايير التي يضعها في شريك حياته حتى يحصل على فرصة للزواج من أقاربه، وذلك بخلاف زواج الأباعد الذي تكون فيه الفرص متاحة بشكل واسع والاختيارات متعددة.
5- قطيعة الأهل والأقارب: قد يكون زواج الأقارب سببا في قطيعة الأهل والأقارب عند فشل هذا الزواج، وأحيانا قد يتم هذا الزواج بالاتفاق بين الوالدين دون رغبة من الزوجين أو أحدهما؛ لذلك يكون هذا الزواج أكثر عرضة للفشل والانفصال بين الزوجين، وغالبا ما يتسبب هذا الانفصال في شقاق أو خلاف ومشاكل أسرية بين العائلة تنتهي بالقطيعة والبغض بين أبناء العائلة الواحدة.
رغم أن زواج الأقارب له كثير من الإيجابيات فهو كما ذكرنا له عديد من السلبيات مثله مثل زواج الأباعد؛ لذلك لا يجب التنفير أو التحذير منه إلا إذا ثبت علميا وطبيا ما يؤكد مسئوليته عن أمراض معينة تهدد نسل وحياة الإنسان، ولا شك أن عملية اختيار الزوج أو شريك الحياة ليست سهلة بل تحتاج إلى تدقيق وتأمل ومساعدة من الوالدين والمحيطين بالشاب أو الفتاة؛ حتى يتمكن من الاختيار السليم الذي يحقق له طموحاته ويتوافق مع متطلباته في هذا الشريك سواء كان من الأقرباء أو الغرباء، وقد تناول هذا المقال بعض الإيجابيات والسلبيات التي يرتبط بها زواج الأقارب ، ومازال الأمر يحتاج إلى دراسة وافية من العلماء والباحثين لإثبات إيجابيات أكثر أو سلبيات أخرى لزواج الأقارب.