زواج المسيار هو أحد الطرق إلى اختلاء الرجل بالمرأة في الإطار الشرعي الذي فرضته الثقافة بما اشتملت عليه من معتقد ديني. وما دمنا نتحدث عن زواج المسيار فإنا بحاجة لإطلاله عابرة سريعة عن فكرة الزواج من حيث هي، وبشكل مجرد من الثقافات والتقاليد والعقائد المختلفة؛ ذلك لتيسير عملية هضم واستيعاب فكرة زواج المسيار. فباعتبار المعنى اللغوي، فإن الزواج من التزاوج أي (زوج)، والزوج هو الكيان الجامع لأي فردين، سواء كانت هذه الأفراد بشرية أو حيوانية أو أيا يكن. لهذا فنحن نطلق أيضا على العلاقة بين الحيوانات (موسم التزاوج)، وأحد لم يفهم من ذلك أن الحيوانات أو الطيور تذهب إلى المأذون أو إلى أي جهة مدنية أو دينية لعقد قرانها، وإنما المفهوم من ذلك هو ممارسة العلاقة الجنسية بين ذكور الحيوانات وإناثها. غير أن ثمة لفظة تطلقها اللهجات العربية العامية هي أدنى للصواب إذا ما أردنا وصف العلاقة بين الرجل والمرأة من لفظة “الزواج”، ألا وهي “الجواز”. ذلك أن الزواج هو عملية التزاوج سواء كانت في إطار شرعي مقبول بالنسبة للثقافة أو خارج هذا الإطار الذي ارتضته الثقافة، أما الجواز فهي وإن كانت تطلقها ألسنة العامة، فهي أيضا لم تخرج عن فصيح وصحيح اللغة العربية، بل وكما قلنا، هي الأدق والأصوب لوصف مضمون الحدث؛ فهي تعني الإجازة، أي أن الثقافة تجيز وتبيح لرجل ما وامرأة بعينها أن يلتقيا في خلوة. من هنا تأتي فكرة الشرعية من عدمها، وهي بدورها تحددها الثقافة بما تحمله من قيم ومعتقدات وتصورات عن الإنسان والعالم.
ما هو زواج المسيار؟ وكيف يختلف عن الزواج التقليدي؟
الزواج التقليدي
نظرا لشيوع الزواج العادي التقليدي، فإنه معلوم للجميع. معلوم شروطه وأركانه التي حددها الشرع الإسلامي، فنحن هنا بصدد الحديث عن الزواج في إطار الشريعة الإسلامية ما دمنا نتحدث في سياق الثقافة العربية الإسلامية. أما زواج المسيار فلا يختلف عن الزواج التقليدي في الشكل متمثلا في الأركان والشروط، وإنما الاختلاف يكون في المضمون، وهذا ما سنشرحه في الفقرة التالية من هذا المقال.
نعود للزواج التقليدي لنقول إن الشرع قد حدد أركانا وشروطا تصح بموجبها عملية الزواج.
فأما أركان الزواج فهي الآتي:
- وجود المرأة والرجل الخاليين من الموانع التي حددها الشرع والتي تبطل الزواج، كالمحرمية من رضاع أو نسب، وكون المرأة مسلمة والرجل كافرا… إلخ.
- حصول الإيجاب، وهو الكلمة الصادرة من ولي المرأة المعنية بالزواج، أو من يحل محله، بأن يقول للرجل المتقدم لزواجها: زوجتك فلانة، أو ما إلى ذلك.
- حصول القبول، وهو الكلمة الصادرة من الرجل المتقدم للزواج أو من يوليه عنه، بأن يقول: قبلت، أو ما إلى ذلك.
أما شروط صحة الزواج فهي الآتي:
- تعيين الزوجين، أي تحديدهما إما بالتسمية أو بالإشارة أو بالوصف أو بالكُنية أو ما إلى ذلك.
- رضى كلا الطرفين (الرجل والمرأة) بالآخر كزوج وشريك حياة.
- الشهادة على عقد الزواج، ويكون ذلك بشاهدي عدل، أي شاهدين ممن عرف عنهم الصلاح والاستقامة. ويكون الإعلان عن الزواج مكملا ومؤكدا لهذه الشهادة.
- أن يتوفر للمرأة ولي يقوم عنها بعقد الزواج، أي لا تزوج البنت نفسها، وإنما يزوجها أبوها أو عمها أو جدها أو نحو ذلك. ولهذا الولي شروط ينبغي أن تتوفر فيه، وهي:
- البلوغ. والعقل. والحرية. واتحاد الدين (أي أن يكون الولي مسلما). وكذلك العدالة (بمعنى عدم الفجور والاستقامة التي تجعله ينظر في مصلحة من يقوم بأمر تزويجها). والذكورة (أي يكون الولي ذكرا). والرشد (أي القدرة على النظر في صالح من يقوم بتزويجها). وأخير الأكثر قربا من المرأة، بحيث لا يصح تجاوز الولي الأقرب للمرأة إلا عند غيابه بالسفر أو الموت، أو عند فقد شروطه السابق ذكرها.
زواج المسيار
زواج المسيار ليس وليد العصر الراهن، وإنما له جذورا ضاربة في القدم. هذا على الرغم من أنه لم تقل فيه الشريعة الإسلامية شيئا مما يمكن أن يبيحه أو يحرمه؛ ذلك أنه لم يكن معروفا حينها. ومن هنا تنشأ الأزمة وطلب الفتوى لعدم وجود نص صريح. ولكن دعنا مبدئيا في بيان ما بين زواج المسيار والزواج العادي من ائتلاف واختلاف لتتضح الصورة وليبرز عما نتحدث بالإساس. فالزواج العادي قد حددنا معالمه بتحديد شروطه وأركانه، غير أن زواج المسيار يسري عليه ما يسري على الزواج العادي من أركان وشروط، ومن ثم فهما متفقين في المظهر والشكل، غير أن الاختلاف يكون في المضمون والتفاصيل والاتفاقات التي يعقدها الزوج مع الزوجة أو أهلها (ليست كلمة “زوجة” من صحيح اللغة، فالصحيح “زوج” أيضا، ولكننا تحاشينا تلبيس الأذهان)، كإسقاط كل حقوق الزوجة أو بعض منها مثل المهر أو السكن والمبيت أو تحديد ما لها من وقت يكون زوجها فيه من حقها،… إلخ. غير أن أشيع الحقوق المُسقطة عن الزوجة في هذا النوع من الزيجات هي حق السكن والمبيت، بحيث يُشترط في العقد أن تظل الزوجة في بيتها أو بيت أبيها ويأتيها الزوج في أيام أو ليال محددة يُمضي معها وقتا ثم يرحل. وهذا أساس تسمية زواج المسيار بهذا الاسم، أي أن الزوج يسير إلى زوجته.
زواج المسيار .. المآلات والأسس الاجتماعية
من الناحية الاجتماعية، فإن زواج المسيار له من الآثار الاجتماعية ما جعله محل نظر وريبة من قبل الفقهاء، وما جعل الناس ينظرون له بعين الازدراء والإحطاط. ذلك أن زواج المسيار نال من مفهوم الأسرة وقداستها التي تتمتع بها في ظل الثقافة العربية. كما أن أزمة أخرى تظهر وتتفاقم إذا ما تم إنجاب أبناء، فهؤلاء الأبناء ليس يجمعهم شمل ولا يستظلون بحماية أسرة متماسكة متحدة الكلمة والأهداف والمبادئ، ومن ثم يخرجون أسوياء من دون التعقيدات التي تطرأ على النفس البشرية إذا ما اعتراها خلل في نشأتها وتكوينها.
غير أن الحاجة لهذا النوع من الزواج قد فرضتها ظروف اجتماعية واقتصادية تحاصر الناس من جميع الجهات ولا يستطيعون عنها حولا. فبقدر ما يستطيع بعض هؤلاء الناس التحرر من الأطر التي فرضتها الثقافة، وبقدر ما تصيبهم ظروف الاقتصاد والاجتماع بألوان من الخطوب والملمات، بقدر ما لا يتورعون عن التنازلات التي تأباها نظرات الثقافة.
فها هي فتاة بلغت من العمر سنا تجاوز المرحلة التي ارتضتها الثقافة لتزويج أبنائها، وهي على ذلك لم تؤتَ حظا من الجمال الذي يلهث وراءه الرجال، ولم يؤذن لها بمنافذ لتفريغ طاقاتها الذهنية في أي مجال يتيح لها من الحرية والاستقلالية ما يغنيها عن الالتجاء إلى رجل يحميها، وكذلك سدت أمامها الثقافة كل سبل تلبية الحاجات الطبيعية إلا من اتجاه واحد فقط.. الاتجاه الشرعي. فليس بعيدا بعد كل هذا اليأس أن تتنازل الأنثى _مسلوبة الحول والطول_ عن بعض حقوقها أو كل حقوقها في سبيل أن يتاح لها من لذة الجنس ولذة الأمومة ما كان محجوبا عنها لا محالة.
وكذلك الحال بالنسبة إلى شاب أعياه ما يراه من ارتفاع في المهور وتكاليف الزواج، فليس له من بد سوى القبول بمثل هذه الزيجة وهذه الزوجة التي لم تؤتَ من الجمال حظا يرضيه، في سبيل إشباع حاجاته الطبيعية التي حُرِم منها زمنا، وسيحرم منها زمنا أطول ما لم يُذعن لأمر القضاء وأمر الثقافة.