
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أنا سيدة في العقد الخامس من العمر، أفنيت حياتي في طاعة والدّي اللذان ربياني على احترام الغير والعيش في كنف الزوج تحت لواء المحبة والود، استنفدت سنوات من عمري حتى أحافظ على استقرار أسرتي وأفهم تفاصيل وخبايا زوجي، الذي لم يكن بيني وبينه سابق معرفة، وقد نلت والحمد لله رضا حماي وحماتي، كما أن زوجي اعترف لي عبر عديد المواقف، أنني سليلة أسرة طيبة ومحترمة، ومن أن والداي أحسنا تربيتي ومن أنهما نعم النسب له ولأسرته.
في غمرة حياتي ومسؤولياتي، تفاجأت ذات يوم ومن دون سابق إنذار، بخبر أن والدي رمى يمين الطلاق على والدتي، زيجة دامت سنينا وأعواما لم نعرف عنها نحن الأبناء إلا كل ما هو جميل، فوالدّي قدوتي أنا وإخوتي في الحياة، أما عن الأسباب الكامنة وراء فك هذا الرباط المقدس، فهي لا تزال غامضة، ولا أحد يعرف عنها شيئا.
هرعت نحو زوجي كطير كسر جناحه أرمي بين يديه ما ألم بعائلتنا، وكنت أظن أنه سيلفني بالحب والود، إلا أنه قابلني بازدراء واستنكار لما أقدم عليه والداي في أرذل العمر، فهو حسبه وحسب عائلته، من العار أن يقدم زوج في مثل سنهما على مثل هذا الفعل، ومهما بلغت المشاكل بينهما، فإنه من الضروري، بل ومن الواجب أن يحسبا حساب أصهارهم وكنّاتهم وأسرهم.
هالني الأمر، ولعل ما فجعني أكثر، أن زوجي تخوف من أن يصل الخبر مسامع أهله الذين سيصفون الأمر بالفضيحة من العيار الثقيل، كيف لا وأنا الكنّة التي يثنيان عليها الأكثر ويشيدان بها.
حالة من الذعر أحياها، فكل أخطائي محسوبة عند زوجي الذي أصبح يعايرني بأمي، لدرجة أنه ينتقد زلاتي، مشيرا إلى أن طول العشرة جعله يكتشف بعض العيوب والنقائص فيّ، مشيدا أن الأمر تماما ما حدث بين والدّي، حيث أن طول العشرة بينهما ساقهما إلى طريق مسدود من نقاط الاختلاف التي لم يحاولا رأبها بقدر ما عملا لأجلها على فكّ زيجة دامت أعواما وسيكون من ضحاياها أزواج وأحفاد.
أحيا هاجسا مؤلما ومتخوفة من أن يكون لزوجي موقف مهين لكرامتي وكياني، أريد لقلبي أن يرتاح، أنا في دوامة كبيرة، فهل من كلمات تجبر خاطري؟.
التائهة “ن-عبلة” من الشرق
الرد:
هونّي عليك أختاه ولا تجعلي من واقعك كابوسا تحيينه فينعكس بالسلب على أيامك ومستقبل أبنائك، زوج عاقل ومحترم كان الأجدر به ألا يجعلك في مثل هذا الموقف من الحيرة والشجن، عايرك بأهلك وجعلك اليوم تقفين موقف الخجلة الوجلة من أسرته التي احتضنتك واتخذتك ابنة لها لسنوات، على أساس حسن أخلاق وتربية جبلت عليها من والدين محترمين.
أحس بمدى الانهيار الذي تجابهينه وأنت مكسورة لدرجة أنك لم تذكري في رسالتك أن أحدا منك أو من إخوتك حاول إصلاح ذات البين بين والديك، وفهم السبب الرئيسي الكامن وراء إعلانهما مسألة الفراق.
كذلك تأسفت لتعامل زوجك مع الأمر بأنانية، حيث أنه وعوض أن يواسيك إلى جانبك أو إلى جانب أمك المكسورة المنهارة، وجدته يعير أهمية لأسرته ومكانتك بينهم، وقد بات كمن يتصيد أخطاءك وزلاتك وفتح عليك جبهة من الحصار النفسي.
ومن منطلق العقل وترجيح ما هو كائن، أنصحك أختاه بألا تخجلي ما بلغه والداك من قرار اعتبراه رشيدا صائبا لأمور لا تعلمونها ولا دخل لكم فيها أنتم كأبناء، كما أن والديك ليسا أوّل من انتهى مشوار علاقتهما، والطلاق مقدر على أي اثنين لم يجدا من الرغبة في البقاء إلى جانب بعضهما جدوى.
تحرري من الهواجس، واقلعي عن التخمين في أنك قد تلحقين بركب المطلقات يوما ما بسبب أمك، ولتناقشي زوجك باللين أنه ليس من اللائق أن يحكم عليك لمجرد أنه سمع أو رأى أمرا يعتبره عيبا من والديك، فماذا لو كان أمر الطلاق بين والديه هو، أكان سيتعامل مع الموقف بنفس الطريقة؟، من كان بيته من زجاج لا يجب أن يرمي الناس بالحجر، ومن يعب يبتلى، كما أنه ليس بين المبتلى والشامت إلا رحمة الله، فكفانا تمسكا بأشياء تخص الآخرين نعتبرها نحن كنقطة ضعف نساومهم بها ونراهنهم من خلالها بفشل وضياع حياتهم.
في الأخير، اسمحي لي أختاه أن أوصيك بضرورة الحفاظ والإبقاء على علاقتك بوالديك ومهما كان، مراعية بذلك الفضل وحسن التربية الذي منحاك إياه، ولتكوني حيادية ولا تميلي إلى أي منهما، فقد بلغا من العمر والحياة ما بلغاه ليبقى أبناؤهما معهما لا عليهما، ولتتشجعي أمام زوجك لتضحدي كل الأشياء التي يريد أن تحصل فتخدمه ليزيد عليك من وطأة العذاب، وخالفي توقعاته في أن تبقي مثلما عهدك زوجة صالحة صبورة لم تكسرها الرياح العاتية.


